لوحات فان غوخ... دقة في محاكاة الطبيعة تثبتها "الرياضيات"
الرياضيات >>>> الرياضيات
حلَّل الفريق ثلاثاً من أكثر لوحات فان غوخ الَّتي تحوي على تموجات، وهي :
لوحة " شارع السَّرو ونجمة "
Image: Vincent van Gogh
ولوحة "ليلة النُّجوم"
Image: Vincent van Gogh
ولوحة " حقل الذُّرة والغربان"
Image: Vincent van Gogh
ليتأكدوا فيما إذا كانت النتائج التي توصلو إليها تطابق فيزياء الاضطرابات أم لا. ولكي يقيسوا مقدار تأثير كل لوحة على النَّاظر استعملوا مفهوم "الإنارة"، فشدة الضوء المنعكس من مختلف النقاط على اللوحة القماشية تشكل معظم المعلومات التي تلتقطها العين بمجرد نظرها إلى مشهد ما. وقد استخدم الباحثون قياساتهم التي اعتمدوها في حساب احتماليَّة أن تملك نقطتان نفس الإنارة علماً أنهما تبعدان عن بعضهما مسافة ما. وتعطينا هذه الاحتمالات فكرة عن اختلاف الإنارة في مختلف أجزاء اللَّوحة، والذي يعطينا تمثيلاً رياضيّاً لإدراك النَّاظرِ للَّوحة.
كذلك يمكننا وصف حركة المائع* المضطرب من خلال دراسةِ سرعةِ نِقاطٍ مختلفةٍ من المائع المتحرك، فمثلاً نعرف أنَّه في الدَّوامات الاضطرابيّة (وهي إحدى ظواهر حركة الموائع) تتحرك النقاط القريبة من مركز الدَّوامة أسرع من النقاط البعيدة عنها. وقد ابتكر الباحث الرُّوسيُّ أندريه كولموغوروف "Andrey Kolmogorov" نموذجاً رياضيّاً إحصائيّاً للاضطراب، والذي أثبت دقته العالية وكان أساساً لنظرية الاضطراب الحديثة.
وبتطبيق ما تحدثنا عنه بموضوع الإنارة سابقاً، يتعامل هذا النَّموذج الرّياضيّ مع احتمالية أن تملك نقطتان نفس السّرعة علماً أنهما تبعُدان عن بعضهما مسافة ما. وبذلك يتنبأ النّموذج بكيفية تغيّر قيمة هذا الاحتمال بتغيّر البعد بين النِّقاط المدروسة. كما يؤكد أن هذا الاختلاف أو "التَّقييس" كما يطلق عليه رياضيّاً لا يتغيّر بحسب نوع السَّائل المدروس، أو بتغيّر العوامل الخارجيّة التي تحكم التَّموج الذي يمرُّ به.
وقد قارن فريق أراغون " Aragón " المناظر الطَّبيعية المتموجة في لوحات فان غوخ بذاك النَّموذج الرِّياضيِ وقد تفاجأ الجميع بالنَّتيجة، إنَّ النَّتائج لتوابع الكثافة الاحتماليَّة الَّتي تصف قياس الإنارة في اللَّوحة هي ذاتها التي تنبأ بها كولموغوروف"Kolmogorov " في نظريته. وهذا يؤكد أن التَّموجات الموجودة في لوحات فان غوخ تحاكي تماماً الاضطراب الذي يرافق حركة السَّائل في الطَّبيعة بدقة عالية. وقد أدى ذلك للاستنتاج بأنَّ السِّر في لوحاته التي تخطف الأنفاس أنَّها تحاكي الطَّبيعة بإتقان لا مثيل له. وقد قال عن ذلك الفيزيائي ناؤوميس"Naumis" أحد أعضاء الفريق: لقد فوجئنا جداً فقد توقعنا أن نجد بعض التَّشابه بين لوحاته و لاضطراب، إلا أنَّ النتائج أبهرتنا فقد وجدنا علاقة رائعة بينهما.
وللعلِم هذه ليست المرة الأولى التي استُخدمت فيها الرّياضيات لتحليل الفن، إذ يعتقد العلماء أن تحليله سيعطينا فكرة أعمق عن دور البنى الرياضية في تشكيل إدراكنا البصريّ وتقديرنا للفن، كما نرى قدرة الفنان الغريزية على اقتطاف بعض هذه البنى وإعادة صياغتها في لوحاته. يقول الفيزيائيّ ناؤوميس "Naumis" عن ذلك: تلك ليست المرة الأولى التي يسبق الفنُّ فيها الرياضيات، لقد حدث ذلك عدة مرات سابقاً كنظرية بلاط بنروز وغيرها من الظواهر التي لاحظها الفنانون قبل العلماء (تكلمنا عن بلاط بنروز في مقال سابق، للاطلاع على المقال: هنا )، وهذا يدل طبعاً على قوة الملاحظة للفنان، ونحن نعتقد أنَّ هذا العمل يمكننا من تحديد بعض المصطلحات التي يستخدمها الفنانون والتقاط إلى أي مدى يمكن للفنان أن يعبِّر عن الظَّواهر الطَّبيعة المعقدة في لوحاته.
وفي حالة فان غوخ هناك ناحيةٌ أخرى مثيرة للاهتمام في التحليل الرياضي، فمن الممكن أن يشير أيضاً إلى صلة بين المرض العقلي والاضطراب، فاللوحات الثَّلاثة كلها رُسِمت في فترة من حياته كان يعاني فيها اضطراباً نفسياً، لقد رسم لوحة "حقل الذُّرة والغربان" قبل إطلاقه النَّار على نفسه بفترةٍ قصيرة. كما حلَّل العلماء لوحات فان غوخ في فترات أكثر هدوءً من حياته، كاللوحة المشهورة التي رسم فيها نفسه وأذنه ملفوفةٌ بضِماد
Image: Vincent van Gogh
ولكن لم يجدوا أيُّ صلةٍ بين اللوحات ونظرية كولموغوروف"Kolmogorov "عن الاضطراب. ويضيف ناؤوميس "Naumis " : يبدو لنا أنَّه يوجد علاقة وثيقة بين الحالة الذهنية للفنان و الاضطراب. وهو يخمن أن نشاط الدِّماغ أثناء فترات الاضطراب الدَّاخلي يملك ميزاتٍ ديناميكيةٍ شبيهةٍ بالاضطرابات الفيزيائيَّة. ولكن تبقى هذه مجرد فكرة، وإن تمكَّن العلماء من إثباتها يوماً ما ستقودنا إلى طرقٍ جديدةٍ لتشخيص الأمراض العقلية عن طريق رسمِ خرائطَ بصريةٍ لنشاطِ الدِّماغ.
* المائع : هو المادة الّتي ليس لها شكل معين بل تأخذ شكل الإناء الموجودة فيه وتتميز الموائع بقدراتها على الانسياب ولهذا فإن التسمية تشمل كلاً من السَّوائل والغازات.
المصدر:
هنا