مجموعات الأعداد (الجزء الثاني)
الرياضيات >>>> الرياضيات
كما شاهدنا في المقال السّابق، إنّ مجموعة الأعداد الكسريّة تحوي مجموعة الأعداد الصّحيحة والّتي بدورها تحوي مجموعة الأعداد الطّبيعيّة، وكما وضّحنا فإنّ جميع هذه الأعداد يمكن أن تُكتَب على شكل كسورٍ مقام كلّ منها لا يساوي الصّفر، سواءٌ كان كلٌّ من هذه المقامات يساوي الواحد في حالة الأعداد الصّحيحة -وبالتّالي الطّبيعيّة- أو كان يساوي عددًا صحيحًا في حالة الأعداد الكسريّة الّتي لا تنتمي إلى مجموعة الأعداد الصّحيحة.
ولكن ثمّةَ أعدادٌ لا يمكن كتابتها على شكل كسرٍ كلٌّ من بسطه ومقامه عددٌ صحيحٌ. نعمْ، قد يدعو ذلك للاستغراب بالفعل ولكنّ هذه الأعداد موجودةٌ حقًّا بل ونراها كلَّ يومٍ أكثرَ ممّا قد نتوقّع بكثيرٍ. تُدعى تلك الأعدادُ الأعدادَ اللّاكسريّةَ، والأمثلة عليها كثيرةٌ منها 2√، 5∛، π. والسّؤال الّذي يطرح نفسه: كيف نرى هذه الأعداد كلّ يومٍ؟ حسنٌ، الأمر ليس بالبساطة الّتي هو عليها في الأعداد الكسريّة، ولكن على سبيل المثالِ لا الحصرِ، إنّ المثلّث القائم الذي طولُ كلّ من ضلعيه القائمتين يساوي سنتيمترًا واحدًا طول وترِه يساوي 2√ سنتيمترًا بحسَبِ نظريّة فيثاغورس.
Image: Syrian Researchers
كذلك فإنّ قيمة العدد π تساوي نسبة طول محيط أيّ دائرةٍ إلى طول قطرها. ويمكنُ تمثيل الأعداد اللّاكسريّة أيضًا بشكلٍ تقريبيّ بأعدادٍ ذات فواصل عشريّة، وهذا التّمثيل العشريّ غير متكرّرٍ وغير منتهٍ، أي يحوي عددًا غير منتهٍ من الأرقام بعد الفاصلة دون أن تشكّل هذه الأرقام نمطًا متكرّرًا.
تُدعى مجموعة الأعداد الّتي تحوي الأعداد الكسريّةَ جميعَها والأعداد اللّاكسريّة جميعَها في آنٍ معًا مجموعةَ الأعداد الحقيقيّةِ، وبما أنّها تحوي الأعداد الكسريّة جميعَها فمجموعة الأعداد الكسريّة محتواةٌ فيها، وهذا يعني أنّ مجموعتَي الأعداد الصّحيحة والأعداد الطّبيعيّة مُحتويتان فيها:
N⊂Z⊂Q⊂R
نلاحظ أنّ الأعداد اللّاكسريّة هي الأعداد الّتي تنتمي إلى مجموعة الأعداد الحقيقيّة ولا تنتمي إلى مجموعة الأعداد الكسريّة. وهنا لا بدَّ من ذِكر أنّ الأعدادَ الحقيقيّة هي الأعداد جميعُها الّتي يمكن أن نتعامل معها في حياتنا اليوميّة فالأطوال، والأوزان، وقياسات الزّوايا، وشدّات القِوى، والزّمنُ والكثير من الأشياء الأخرى يُعَبَّرُ عنها وتُقاس باستخدام الأعداد الحقيقيّة.
وتُرَمَّزُ مجموعة الأعداد الحقيقيّة رياضيًّا بالشّكلِ: (∞+,∞-)=R، ويُقرَأُ هذا التّرميز بالشّكل الآتي: مجموعة الأعدادِ الحقيقيّة تساوي المجال المفتوح من اللّانهاية السّالبة إلى اللّانهاية الموجبة. وذلك يعني أنّ أيّ عددٍ موجودٍ ضمن المجال المذكور هو عددٌ حقيقيٌّ عدا اللّانهايتين. ولكن ما المجال؟ ولماذا بدأنا باستعماله فجأةً؟
لكي نحيط بمفهوم المجال علينا معرفة أنّه لا يُستعمَل إلّا مع الأعداد الحقيقيّة، فإذا ما ألقينا نظرةً فاحصةً على مجموعات الأعداد الأخرى الّتي شاهدناها إلى الآن فسوف نلاحظ أنّها مجموعاتٌ تحتوي عناصرَ هي عبارةٌ عن قيمٍ عدديّةٍ متقطّعةٍ، ذلك يعني أنّ عناصرها قابلةٌ للعدّ، ولكنّ ذلك لا يعني أنّه يمكن إحصاؤها، حيث إنّ هذه المجموعات جميعَها غيرُ منتهيةٍ، أي تحوي عددًا غيرَ منتهٍ من العناصرِ، ولكن بالرّغم من ذلك نستطيع معرفةَ العنصرِ التّالي لأيّ عنصرٍ فيها، وهذا ما تعنيه قابليّة عدّ عناصرها. وذلك واضحٌ في مجموعتي الأعداد الطّبيعيّة والصّحيحة، ولكنّه ليس بذلك الوضوح في مجموعة الأعداد الكسريّة بالرّغم من صحّته، ولكن يُمْكِن رؤيتُه باستخدام حيلةٍ رياضيّةٍ بسيطةٍ مُستفادةٍ من تعريف هذه المجموعة. ولكنّ الأمر مختلفٌ في مجموعة الأعداد الحقيقيّة، حيث إنّ عناصرها غير قابلةٍ للعدّ حتّى.
وللوصول إلى فهمٍ أعمق لسبب ذلك علينا التّعرّف على ما يسمّى مستقيم الأعداد الحقيقيّة، وهو عبارة عن خطّ مستقيمٍ، وبالتّالي طوله غير منتهٍ بحسب تعريف الخطّ المستقيم، تمثّل كلّ نقطةٍ فيه عددًا حقيقيًّا، نسمّي النّقطة الّتي تمثّل الصّفرَ المبدأَ، وتتوزّع عليه الأعداد بترتيبٍ تصاعديّ من اليسار إلى اليمين، وبالتّالي تتموضع النّقاط جميعُها الّتي تمثّل الأعداد الحقيقيّة السّالبة إلى يسار النّقطة الّتي تمثّل الصّفر، لأنّ الأعدادَ الحقيقيّة السّالبة جميعَها أصغرُ من الصّفرِ، وتكون النّقاط جميعُها الّتي تمثّل الاأعداد الحقيقيّة الموجبة إلى يمين النّقطة الّتي تمثّل الصّفر، لأنّ الأعداد الحقيقيّة الموجبة جميعَها أكبرُ من الصّفرِ.
إذا ما قمنا باختيار عددين على مستقيم الأعداد الحقيقيّة، مهما كان هذان العددان قريبين من بعضهما البعض نستطيع أن نجدَ عددًا حقيقيًّا يقع بينهما، أي إنّه أصغر من كبيرهما وأكبر من صغيرهما. وبالتّالي لا نستطيع حقًّا أن نجد العدد الحقيقيّ التّالي مباشرةً لعددٍ حقيقيّ ما، لأنّه أيًّا كان العدد الّذي نختاره على أنّه العدد التّالي سيكون هناك عددٌ أصغرُ منه وأكبرُ من عددنا، وهذا العدد الواقع بينهما ينطبق عليه الشّيء نفسه فلا بدّ من وجود عددٍ آخر يقع بينه وبين عددنا وهكذا... مثالٌ عمليٌّ على ذلك: إذا ما سألتك ما العددُ الحقيقيّ التّالي للعدد π؟ قد تجيبني هو العدد 1+π، ولكنّها إجابةٌ خاطئةٌ، حيث أنّ العدد ((π+(1/π) أكبر من عددي وأصغر من عددك أي إنّه يحوْل بينهما فلمَ لا يكون هو التّالي؟
سنجد أيضًا أن العدد ((π+(1/π^2) يقع بين العدد π والعدد ((π+(1/π). في الواقع، لا توجد إجابةٌ صحيحةٌ لسؤالنا "ما العدد التّالي لعدد حقيقيٍّ ما؟"، فأيًّا كان العدد الّذي ستختاره ستجد أنّ هناك عددًا غيرَ منتهٍ من الأعداد الحقيقيّة الّتي تحُوْل بينه وبين ذلك العدد الحقيقيّ. فعلى الخلاف من الأعداد الطبيعيّة والصّحيحة والكسريّة، الأعداد الحقيقيّة غير قابلةٍ للعدّ!
وبما أنّها غير قابلةٍ للعدّ، فعلينا أن نجد ترميزًا رياضيًّا لا يعتمد على العدّ كترميز كلّ من مجموعات الأعداد الطّبيعيّة والصّحيحة وحتّى الكسريّةِ الّتي يُعتمَد في ترميزها على مجموعة الأعداد الصّحيحة الّتي بدورها يُعتمَد في ترميزها على العدّ. وهنا يأتي مفهوم المجال الّذي يرتبط بشكلٍ وثيقٍ مع مفهوم مستقيم الأعداد الحقيقيّة، حيث أنّ مجالًا حقيقيًّا ما ليس إلّا جزءًا من مستقيم الأعداد الحقيقيّة، قد يمتدّ هذا الجزء من عددٍ حقيقيّ إلى آخر، وقد يغطّي الأعداد الحقيقيّة كاملةً. يُرمَّزُ المجال الممتدُّ بين أيّ عددين حقيقيّينِ a وَb، حيث a < b بأحد الأشكال التّالية:
[a,b] ويُقرأ بالشّكلِ التّالي: المجال المغلق من a إلى b، ويعني ذلك أنّ هذا المجال يحوي الأعداد الحقيقيّة جميعَها الّتي تقع بين a وَb، أو الأعداد الحقيقيّة الأكبر من العدد a والأصغر من العدد b، ويحوي أيضًا العددين a وَb نفسيهِما.
(a,b] ويُقرأ بالشّكلِ التّالي: المجال من a إلى b والمفتوح من اليمين، ويعني ذلك أنّ هذا المجال يحوي الأعداد الحقيقيّة جميعَها الّتي تقع بين a وَb، كما يحوي العددَ a دون العددِ b.
[a,b) ويُقرأ بالشّكلِ التّالي: المجال من a إلى b والمفتوح من اليسار، ويعني ذلك أنّ هذا المجال يحوي الأعداد الحقيقيّة جميعَها الّتي تقع بين a وَb، كما يحوي العددَ b دون العددِ a.
(a,b) ويُقرأ بالشّكلِ التّالي: المجال المفتوح من a إلى b، ويعني ذلك أنّ هذا المجال يحوي الأعداد الحقيقيّة جميعَها الّتي تقع بين a وَb، ولا يحوي أيًّا من العددين a وَb.
ينبغي هنا لفت الانتباه إلى أنّه مهما كان العددان a وَb قريبَين من بعضِهما البعض فإنّ المجال الممتدّ بينهما ما هو إلّا مجموعةٌ تحوي عددًا غير منتهٍ من الأعداد الحقيقيّة. بل إنّ الأعداد الحقيقيّة المحصورة في مجالٍ قد نظنّه صغيرًا مثل [0,1] يفوق عددُها عدد الأعداد الطبيعيّة جميعِها!
يمكن للطّرف اليمينيّ من مجالٍ ما أن يكون اللّانهاية الموجبة، كما يمكن للطّرف اليساريّ منه أن يكون اللّانهاية السّالبة، ولكن بشرط أن يُفتَحَ المجال من كلّ طرفٍ يساوي الّلانهاية، حيث إنّ اللّانهايتين ليستا عددين حقيقيّين، أو -بكلماتٍ أخرى- لا يمكن لعددٍ حقيقيّ أن يساويَ إحداهما. وهنا نشاهد خمس حالات:
(∞+,a] ويُقرَأُ بالشّكلِ الآتي: المجال من a إلى اللّانهاية، وذلك يعني أنّ هذا المجال يحوي الأعداد الحقيقيّة جميعَها الّتي هي أكبر من العدد a، ويحوي العدد a.
(∞+,a) ويُقرَأُ بالشّكلِ الآتي: المجال المفتوح من a إلى اللّانهاية، وذلك يعني أنّ هذا المجال يحوي الأعداد الحقيقيّة جميعَها الّتي هي أكبر من العدد a، دون أن يحويَ العدد a.
[a,∞-) ويُقرَأُ بالشّكلِ الآتي: المجال من اللّانهاية السّالبة إلى a، وذلك يعني أنّ هذا المجال يحوي الأعداد الحقيقيّة جميعَها الّتي هي أصغر من العدد a، ويحوي العدد a.
(a,∞-) ويُقرَأُ بالشّكلِ الآتي: المجال المفتوح من اللّانهاية السّالبة إلى a، وذلك يعني أنّ هذا المجال يحوي الأعداد الحقيقيّة جميعَها الّتي هي أصغر من العدد a، دون أن يحويَ العدد a.
(∞+,∞-) ويُقرَأُ بالشّكلِ الآتي: المجال من اللّانهاية السّالبة إلى اللّانهاية، وذلك يعني أنّ هذا المجال يحوي الأعداد الحقيقيّة جميعَها.
قد تسألُ عزيزَنا القارئ: لقد عرضتم في مقدّمة المقال كيف يمكن أن نشاهد الأعداد الحقيقيّة الّتي لا تنتمي إلى مجموعة الأعداد الكسريّة في الطّبيعة، ولكن أين يمكن أن يُضطَرّ المرء إلى استخدامها في الحياة اليوميّة؟ حسنٌ، قد لا نشاهد هذه الأعداد في حسابات البِقَالَة وكم من الوقت سنحتاج لبلوغ المكان الفلانيّ، ولكنّ هذه الأعداد تُعَدُّ لَبِنَاتٍ أساسيّةً في الكثير من العلوم التّطبيقيّة كالهندسة والإحصاء والكهرباء والإلكترونيّات، والّتي بشكلٍ أو بآخرَ تؤثّر في حياتنا اليوميّة سواءٌ لاحظنا ذلك أم لم نلاحظه. ما قد يكون الصّادم في الأمر هو أنّ الأعداد الحقيقيّة -بالرّغم من لا نهائيّتها ودقّتها في توصيف الكثير من الظّواهر الفيزيائيّة- ليست الأعدادَ الوحيدة الّتي قد نُضطرُّ لاستخدامها في بعض العلوم، حيث إنّنا ما كُنّا لِنستطيعَ أن ندرس التّيار الكهربائيّ المُوْصَلَ إلى منازلنا -على سبيل المثال لا الحصرِ- ونطوّرَ التّكنولوجيا الّتي تتعامل معه لولا ما يُسمّى الأعدادَ العُقَديّة، ولكن لنكتفِ اليوم باللآلئ الّتي شاهدناها في هذا المحيط، ولننهلِ المزيد في لقاءٍ مقبل.
المصادر:
[1] هنا
[2] هنا
[3] هنا
[4] هنا
[5] هنا
[6] www.math.toronto.edu/writing/CountableRationals.pdf
[7] هنا
[8] هنا
[9] هنا
[10] scipp.ucsc.edu/~johnson/phys160/ComplexNumbers.pdf