علاج السرطان عند شخص باستخدام خلايا مناعية من شخص آخر
البيولوجيا والتطوّر >>>> الأساسيات في البيولوجيا
يقول تون شوماخر (Ton Schumacher) أحد أعضاء الفريق البحثي من المعهد الهولندي للسرطان: "تظهر النتائج التي توصلنا إليها أنه بطريقة ما يمكن تنشيط الاستجابة المناعية لمريض السرطان؛ هناك الكثير من الأمور في الخلايا السرطانية التي تجعلها أجنبية (غريبة) يمكننا استغلالها." ويضيف شوماخر: "إحدى الطرق التي نفكر بها للقيام بذلك هي بإيجاد المانح المناسب للخلايا التائية لتلائم هذه المستضدات الجديدة، يقول: "إن المستقبل المُستخدم من قبل الخلايا التائية للمتبرع يمكن استخدامه فيما بعد لتعديل الخلايا التائية الخاصة بالمريض وراثياً وبالتالي فهذه الخلايا ستكون قادرة على اكتشاف خلايا السرطان."
من الواضح تماماً أن العلاج الحالي عن طريق ضخ كميات من المواد الكيميائية الضارة (المعروف أيضاً بالعلاج الكيميائي) في الجسم، أو برشقات حارة جداً من ضوء الليزر (العلاج الإشعاعي) غير كافية بالمرة، لذا يتطلع العلماء في أنحاء العالم لما يسمى بـ (العلاج المناعي immunotherapy) باعتباره الأمل الكبير القادم لعلاج حالات السرطان.
وبدلاً من استخدام الليزر أو المواد الكيميائية لمهاجمة الخلايا السرطانية (والخلايا السليمة المجاورة أيضاً)، يستند العلاج المناعي على فكرة أن معالجات معينة قد تعزز نظام المناعة في جسم المريض من أجل محاربة السرطان من تلقاء نفسه. ففي الحالة الطبيعية، عندما يمرض الشخص، تكون الخلايا التائية –أو خلايا الدم البيضاء- هي المسؤولة عن اكتشاف الخلايا الأجنبية أو الشاذة، وعندما تتثبت على الهدف، ترتبط معه وتشير إلى بقية النظام المناعي إلى ضرورة مهاجمته، ولكن عندما يتعلق الأمر بالسرطان، يمكن للخلايا التائية أن تفشل في ذلك لسببين رئيسيين: إما بسبب وجود حواجز معينة في مكان يتداخل مع قدرتها على استهداف الخلايا السرطانية والارتباط بها، أو أنها ببساطة لا تتعرف على الخلايا السرطانية كشيء جدير بالملاحظة والتدمير في المقام الأول.
وقد شهد العلماء بعض النتائج الواعدة حقاً في تجربة تم فيها استخراج الخلايا التائية المعطوبة من دم مرضى سرطان الدم (اللوكيميا leukemia)، وإعادة برمجتها لاستهداف نوع معين من السرطان، وإدخالها مرة أخرى إلى الجسم لمكافحة أكثر فاعلية للمرض. و حسبما ذكرت فيونا ماكدونالد: "في إحدى التجارب، تبيّن أن 94% من المرضى الذين يعانون من سرطان الدم الليمفاوي الحاد قد اختفت أعراض المرض عندهم كلياً، لقد كانت معدلات الاستجابة عند المرضى بأنواع أخرى من سرطان الدم أعلى من 80%، وأكثر من النصف شهدت خمولاً تاماً."
وهناك طريقة أخرى لمعالجة خلل الجهاز المناعي عن طريق استخدام جهاز مناعي سليم لإعادته إلى حالة التأهب. ففي هذه الدراسة الحديثة، قام فريق من معهد هولندا للسرطان وجامعة أوسلو من استخراج الخلايا التائية من متبرعين أصحاء، وأدخلوا فيها DNA معدّل من خلايا مريض بالسرطان. إذ حددوا التسلسل الصحيح للـ DNA برسم خريطة أجزاء بروتين معين يسمى المستضدات الجديدة neo-antigens الموجودة على سطح الخلايا السرطانية من ثلاثة مرضى في مستشفى جامعة أوسلو.
أعطت الخلايا السرطانية، في المرضى الثلاثة، عدداً كبيراً من "المستضدات الجديدة" المختلفة، ولكن لم يتم التقاط أيٍّ منها من قِبَل الخلايا التائية الخاصة بالمرضى. لحسن الحظ فقد فعّلت -هذه المستضدات- الاستجابة المناعية في الخلايا المناعية للمتبرع السليم. أدخل الفريق المكونات النشطة من الخلايا المناعية للمتبرع إلى الخلايا المناعية لمرضى السرطان الثلاثة السابقين، ووجدوا أن ذلك دفع الخلايا المناعية الخاصة بهم إلى التعرف بشكل فعال على المستضدات الجديدة على سطح الخلايا السرطانية، وفعّلت الاستجابة المناعية. لذا يستعملون بشكل أساسي جهاز مناعة "مستعار" لمساعدة جهاز المناعة الحالي من أجل "رؤية" الخلايا السرطانية للمرة الأولى.
في حين أن هذه مجرد دراسة لإثبات صحة هذه الفكرة مع ثلاثة مشتركين فقط، كانت النتائج واعدة بما يكفي لأن يُختبر العلاج في دراسات سريرية على نطاق أوسع في المستقبل.
ما بدأنا نراه أكثر فأكثر، بأن طرق علاج السرطان من الضروري أن تكون أكثر تخصصاً، وأذكى تماماً من الذي قُدم لعدة عقود إلى الآن، ومعالجة الأمور التي تعيق جهاز المناعة من القيام بعمله، قد تكون هي الحل.
وتقول جوانا أولويس (Johanna Olweus) أحد أعضاء الفريق: "تشير دراستنا أن الاستعانة بمصادر مناعية خارجية للسرطان من متبرع، أنها صحيحة، ومع ذلك فهناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به قبل أن يتمكن المرضى من الاستفادة من هذا الاكتشاف، ونحن حالياً بصدد استشكاف طرق انتاجية عالية لتحديد المستضدات الجديدة التي يمكن للخلايا التائية رؤيتها على الخلايا السرطانية وعزل الخلايا المستجيبة. لكن النتائج تظهر بأننا يمكن أن نحصل على مناعة نوعية للسرطان من دم أشخاص أصحاء، وهي بالفعل واعدة جداً."
المصادر:
هنا
هنا