ما أخفاه الـ DNA لسنوات... واكتشفه علماء الفيزياء!
البيولوجيا والتطوّر >>>> علم المورثات والوراثة
لكن هل هذا كلُّ ما في الأمر؟
لا تنتهي الحكايةُ هنا فكلُّ خلايا جسمِك تبدأُ بشيفرةِ الـ DNA ذاتِها، ولكنْ لكلِّ عضوٍ وظيفةٌ مختلفةٌ تماماً عن الآخرِ، فخلايا معدتُك مثلاً ليسَت بحاجةٍ إلى إنتاجِ البروتينِ المسؤولِ عن إعطاءِ اللونِ البنِّي للعين، ولكنَّها بحاجةٍ ماسةٍ لإنتاجِ إنزيماتٍ هاضمة!
إذاً كيف يحدث ذلك ؟
وجدَ العلماءُ منذ الثمانينيَّات أنَّ الطريقةَ التي يلتفُ بها الـ DNA داخلَ خلايانا مسؤولةٌ عن تنظيم ِهذه العملية، وتمكَّنوا من اكتشافِ بعضِ البروتيناتِ المسؤولة ِعنها، إضافةً للدَّورِ البارزِ للعواملِ البيئيةِ في تحديدِ هُويَّتنا، وتدخُّلِ عواملَ أخرى كالإجهاد معروفةٍ بتفعيلها وكبحها لمورثاتٍ معينة عبر ما يُسمَّى الوراثة الفوقية Epigenetic. (لمعرفة المزيد عن الوراثة الفوقية، يُمكنكم الاطلاع على مقالنا السابق: هنا أو مشاهدة الفيديو: هنا)
ولكنَّ الجديدَ اليوم، تمكُّنُ فريقٍ من الفيزيائيين ولأوّل مرةٍ من إيضاحِ كيفيةِ تحكُّمِ هذه المعلوماتِ المخفيةِ بتطوُّرِنا، إذ تبقى آليةُ التفاف الـ DNA الآليةَ الأساسيةَ للتحكُّمِ بالصِّفات، ويعودُ ذلك إلى احتواءِ كلِّ خليةٍ في جسمنا ما يقاربَ مترَين من الـ DNA، ولكي تستطيعَ هذه الشرائطُ الطويلةُ منه أن تحتلَّ مكانَها في أجسامنا على نحو مناسبٍ عليها أن تكونَ ملتفةً بشدةٍ داخلَ حزمة ٍتُسمّى النوكليوسوم كما يلتف الخيط في كُبَّةِ (لفة) الخيطان، والنوكليوسوم هو بنيةٌ مؤلفةٌ من التفافِ شريطٍ من الـ DNA (مؤلَّفٍ من 146 نوكليوتيد) حول 8 جزيئاتٍ من بروتين الهيستون، ويبلغُ قطرُ النوكليوسوم 11 نانومتراً (الشكل التالي يوضح بنية النوكليوسوم)
وإنَّ طريقةَ التفافِ الـ DNA تُحدد أيَّ المورثات ستُقَرأُ، إذ لن يتمَّ التعبيرُ عن المورِّثاتِ الملتفَّةِ نحو الدّاخلِ كبروتيناتٍ، بينما سيُعبَّرُ عن تلك الملتفَّة نحو الخارج، ومن شأن هذا أن يفسّرَ سببَ تباينِ وظائفِ الخلايا المختلفةِ رغمَ امتلاكِها النَّسخةَ ذاتها من الـ DNA.
بدأ علماء البيولوجيا في السنوات الأخيرة بدراسة الإيعازات الميكانيكية المحدِّدة لطريقة التفاف الـ DNA من خلال انتزاع أجزاءٍ محدَّدَةٍ من الشِّيفرةِ الوراثيةِ أو تغييرِ شكلِ الـ "كُبَّةِ" التي يلتفُّ حولها الـ DNA، لكن ما شأنُ علماءِ الفيزياءِ النظريةِ بذلك؟
تمكّن فريقٌ من جامعةِ لايدن Leiden في هولندا من مراقبةِ العمليةِ على مستوى كاملِ الجينوم، والتأكيدِ ـ عبر محاكاةٍ حاسوبيةٍ لجينوم كلٍّ من خميرة الخبَّاز Saccharomyces cerevisiae والخميرة المُنشطِرة Schizosacharomyces pombe ـ أنَّ هذه الإيعازاتِ الميكانيكيةَ في الحقيقةِ مشفرةٌ داخل الـ DNA الخاصّ بنا.
وقد تمكَّنوا من إظهار أثرِ هذه الإيعازاتِ في طريقةِ التفافِ الـ DNA وتحديدِ أيِّ البروتيناتِ ستُرمَّز، وأنَّ ميكانيكياتِ الـ DNA مكتوبةٌ في الـ DNA الخاصّ بنا وأهميَّتها في تطوَّرنا تعادلُ أهميَّة الشيفرةِ نفسها، أي أنَّ هناك أكثرَ من طريقةٍ تؤثّر فيها طفراتُ الـ DNA علينا، إمّا بتغييرِ أسسٍ معيَّنةِ في تسلسلِ الـ DNA أو الإيعازاتِ الميكانيكيةِ التي يلتَّف وفقها شريطُ الـ DNA.
ما أهميةٌ الدِّراسة؟
تؤكدُّ الدِّراسةُ ما يعرفه الكثيرُ من علماءِ البيولوجيا سلفاً، ولكن المثيرَ فيها أنَّ المحاكاةَ الحاسوبيةَ التي أجراها العلماءُ تعطيهم إمكانيةَ التَّلاعُبَ بالإيعازاتِ الميكانيكيةِ المحدِّدة لشكلَ الـ DNA، ما يعني أنّهم قد يتمكَّنوا يوماً ما من لفّ الـ DNA بطريقةٍ تخفي المورثاتِ غير المرغوبة كالَّتي تلعبُ دوراً في حدوثِ الأمراض.
مازال الطريقُ طويلاً أمامَ الوصولِ لذلك، لكن كلَّما ازدادَ فَهمُ العلماءِ لكيفيةِ التحكُّمِ بالـ DNA والتفافِه، ازدادَتْ قدرتُنَا على تحقيقِ ذلك.
المصادر:
هنا
هنا
البحث الأصلي: هنا