القطط... حاسةُ سمع قوية وإلمامٌ جيد بقوانينِ الفيزياء
البيولوجيا والتطوّر >>>> منوعات بيولوجية
تنتمي القطط الأليفة إلى فصيلة (عائلة) السِّنَّوريَّات التي تَضُمُّ 36 نوعاً. تختَلفُ أحجامُها مِنَ القِططِ الأليفةِ وحتى الأُسُودِ ذاتِ الأحجامِ الضَّخِمَة، وتتوَزّعُ أنواعُ هذهِ الفَصيلةِ في كلِّ أنحاء العالمِ عدا أستراليا والقطبِ الجنوبيّ، وتتغذى اعتماداً على الافتراس، لكن ما يُميزها عن غيرِها من آكلاتِ الّلحومِ هوَ قابليةُ مخالبِها للسّحب؛ إذ تَسحَبُ حيوانات هذهِ الفصيلةِ مخالبَها إلى كفوفِها عندَ عدمِ حاجتِها لها حمايةً لها مِنَ التآكل. تمتازُ أفرادُ هذهِ الفصيلةِ إضافةً إلى أنيابِها الحادّةِ، برؤوسِها المدوَّرة، وخُطومِها القصيرة (خَطْمُ الحيوان يُقابِلُ الأنفَ عندَ الإنسان)، وبالتأكيدِ بحواسِ رؤيةٍ وسمعٍ وشمٍّ مذهلةٍ تزيدُ كفاءتَها بالافتراس!
لكن لا شكَّ أنَّ قِطتَك قَد استغْنَت عن الافتِراس بِفضلِ ما تُقدِّمه لها من أطعمةٍ مُصَنَّعَةٍ خاصّةٍ بالقططِ الأليفة! في الحقيقةِ، بدأت العلاقةُ الفريدةُ بينَ الإنسانِ والقططِ منذُ 10000 إلى 12000 سنةٍ في الهلالِ الخصيب*، حيثُ حدثت أولى خطواتِ تَقَدُّم الحضارةِ البشريّةِ متمثلةً في الزراعةِ التي أدَّت إلى استقرارِ البشرِ هُناك، وباتوا يخزنونَ حبوبَ محاصيلِهِم التي جذبت القوارِضَ، والقوارض بدورِها شكَّلت وليمةً دسمةً جذبت القططَ البريةَ إلى المكانِ أيضاً، وبعدَ آلافِ السنينِ ظهرَ نوعٌ آخرُ مِنَ القططِ الّتي جَعَلَت مسكنَها قريباً من البَشَرِ وبالطبع، فإنَّ القططَ الأليفةَ التي نعرِفُها اليوم تنتمي إلى هذا النوع.
لعلّلك رأيتَ يوماً ما قِطةً تجلسُ متربِّصةً بفأر أو طيرٍ أو شيءٍ ما تراقِبُهُ هيَ وتُرهِفُ السّمعَ إليهِ لتنقضَّ عليهِ في اللحظةِ المناسبة! تُرى كيفَ تستَطيعُ القِطط توقُّعَ مكانِ فريستها؟
يُجيبنا على هذا السؤال فريق من الباحثين من جامعة كيوتو Kyoto في اليابان، فبعد أن وجدوا في دراسةٍ سابقةٍ أنَّ القطط تعتمدُ على سمعِها للتنبُّؤ بمكانِ الأشياء، يُريدُ الفريقُ اليومَ اختبارَ قدرةِ القططِ على التنبُّؤِ بِوَجودِ جسمٍ ما في عبوة، وإذا ما كانَ هذا الجسمُ سيسقطُ من العبوةِ إذا ما قُلِبَت، فماذا فعلوا بالضبط؟
روقِبَ سلوكِ 30 قطةً في ثلاثِ حالاتٍ مختلفةٍ: لم يترافق هزّ العبوةِ في الحالةِ الأولى مع صوتٍ أو مع سقوطِ جسمٍ منها عندَ قلبها (وهذا يوافقُ قوانينَ الفيزياء**) أمَّا في الحالتينِ الأُخْرَيَينِ فمرّةً تَرافَقَ هزُّ العَبوَةِ مع صوتِ خشخشةٍ لكن دونَ سقوطِ أيّ جسمٍ، في حين حدَثَ العكس في المرّةِ الثانيةِ، أي سَقَطَ جسمٌ منَ العَبوَةِ لكن دونَ أن يُسبَقَ ذلك بأي صوتٍ (وهاتينِ الحالتينِ لا تنسَجِمانِ وقوانينِ الفيزياء).
كيف كان سلوكُ القطط في ثلاثِ الحالاتِ هذه؟ لقد حدَّقت القِططُ في العِبوةِ مدةً أطولَ في الحالةِ التي تَرافَقَ فيها هزّ العَبوةِ معَ صوتِ خَشْخَشَةٍ، ما يُشيرُ إلى استخدامِ القِططِ قانوناً فيزيائياً للاستدلالِ على وجودِ أو غيابِ الأجسام اعتماداً على سماعِها خشخشةً ما أو عدمِ سماعِها إيَّاها، وهذا ما ساعدَها على التنبُّؤِ بظهورِ جسمٍ أو عدمهِ بعدَ قلبِ العَبوة. كما أنَّها نَظَرت مطوَّلاً إلى العبوةِ في الحالتينِ الأُخْرَيَينِ كما لو أنَّها أدركت أن هذه الشروط لا تتلاءمُ مع ما تعيهِ عن منطقِ السببية.
تبيّن للباحثين أنَّ القططَ تستخدم منطقَ سببيةِ الأصواتِ أو الضجيجِ للتنبُّؤِ بظهورِ الأجسامِ المخفيةِ والاستدلالِ على موقعِ فريستِها – بالنسبةِ للقططِ الصيادة - وتحديدِ المسافةِ التي تبعدها عنها، ولكن ما زالَ لدى الباحثينَ سؤالان ينتظرانِ أن تأتيَ الأبحاثُ اللاحقةُ بجوابٍ لهما: ما الصورةُ التي تتكونُ في أذهانِ القطط عن التقاطِها أصوات ضجيج، وهل بإمكانِها استنباط أيَّة معلوماتٍ عن الكميةِ والحجمِ من خلالِ ما تسمعه؟
الحاشية:
* الهلال الخصيب يعني الأرض الخصبة، وهي تسمية قديمة أُطلِقَت على المنطقة الممتدة من نهر النيل في مصر وحتى نهري دجلة والفرات في العراق، كما تضم أيضاً دول بلاد الشام.
** قانون الفعل وردّ الفعل يقتضي أنَّ لكلّ فعلٍ ردُّ فعلٍ، وفي هذه التجرِبة، يُفترض أن يلي صوتَ الخشخشة (الفعل) سقوطُ الجسم من العبوة (حدوث ردّ الفعل).
المصادر:
هنا
هنا
هنا
ورقة البحث الأصلي: هنا