سيد درويش... سيد الفن العربي
الموسيقا >>>> موسيقيون وفنانون سوريون وعرب
سيّد درويش هو الاسمُ الفنّي لـ "السيّد درويش البحر"، وُلد في "كوم الدكه" في الإسكندرية 17 مارس عام 1892 وتوفيَ فيها أيضاً عن عمر يناهز 31 عاماً في 10 سبتمبر 1923.
أكبرُ ملحني مصر في بدايات القرن العشرين، لُقّب بأبي الغناء الشعبي وأبي المسرح الغنائي في مصر.
بدأ حياتَه الفنيةَ بالغناء مع أصحابه، فغنوا ألحانَ الشيخ سلامة حجازي والشيخ حسن الأزهري، ثم دخلَ المعهدَ الديني في الإسكندرية سنة 1905 وبدأ بعدها بالغناء في المقاهي.
بعد وفاة والده؛ أصبحَ سيّد درويش المسؤولَ عن عائلته، فعَمِل في البناء بالإضافة لأعمالٍ أخرى.
Image: http://gololy.com/gallery/9000/444417-5.jpg
أعمال سيّد درويش:
لحّن وغنّى سيّد درويش حوالي 26 لحناً و260 أغنية، وأصبحت الكثيرُ من أغنياتِه إرثاً هاماً في الوطن العربي، ومنها: "سالمة يا سلامة" و"زوروني كل سنة مرة" و"الحلوة دي قامت تعجن" وغيرها، وأعادَ الكثير من المغنينَ بعده غناءَ وتوزيعَ هذه الأغاني كما فعلت فيروز وصباح فخري وغيرهم.
قدّم درويش العديدَ من الألحان المسرحية والموشحات والأناشـيد والأغــاني والأوبريتــات، فبعد أنْ عَمِلَ في العديد من الفرق الشعبية، عَمِلَ سيد درويش أيضاً مع نجيب الريحاني وبديع خيري في عام 1918. وساهمت الظروفُ الاجتماعية والسياسية في فترةِ الثورة عامَ 1919 في ازديادِ شعبيةِ الأوبريتات التي أنتَجها هذا الثلاثي ومنها "العشرة الطيبة" عام 1920 التي تَحملُ إيحاءاتٍ وطنيةً قوية.
كما أضاف سيّد درويش مقاما موسيقيا جديدا للموسيقى الشرقية أسماه "الزنجران" أبدع منه أحد أدواره، ولحّن منها الأساتذة اللاحقون.
قام سيد درويش بتلحين عشرة أدوارٍ*، والدور ظهر حوالي منتصف القرن التاسع عشر في مصر، ويُعدّ محمد عثمان المؤسس الحقيقي للدور والذي أعطاه قالبه المميز، كما يُعدّ سيد درويش أهم ملحني الأدوار والذي وصل بالدور إلى كمال تركيبه وعظمته. فى أدواره العشرة نجد كل دور من مقام مختلف عرض فيه سيّد درويش الكيفية المثلى لمعالجة نغمات هذا المقام. وفى ألحان رواياته هناك أكثر من 200 لحن لم تتكرر فيها جملة واحدة ، وفيها من اختلاف المواقف ما يكفى لعرض كافة حالات الشعور الإنسانى وكيفية التعبير عنها.
رغم حياته القصيرة، إلا أنّه ترك كماً كبيراً من الألحان التي ما زال المطربون العرب يتغنون بها حتى اليوم، فالموضوعات التى تطرق لها سيد درويش لم تكن لتخطر على بال أحد فى ذلك الوقت، ففى عصر اقتصرت فيه وظيفة الفن على التسلية والعشق والغرام، اقتفى سيد درويش شعور الإنسان بآلامه وأحلامه وخاطب الجماعة كما خاطب الفرد، واستطاع بعد مئات من السنين أن ينتقل بالفن من حيز التطريب إلى آفاق التعبير الرحبة ويخطو خطوات كبيرة نحو عالم الإنسانية الواسع، ويجعل من هذه الرسالة هدفا لحياته، كما في "لحن الصنايعية - الحلوة دى":
هذا اللحن على سبيل المثال ومطلعه "الحلوة دى قامت تعجن فى البدرية.. والديك بيدن كوكو كوكو فى الفجرية.."، يبدأ بصورة شعبية بسيطة هى مدخل إلى قضية كبرى، العمال والصنايعية والصناعة ورأس المال، موضوع غير قابل للغناء أصلا، وينتقل من غناء فئة من العمال إلى، وهذا هو الأهم، ربط هذه الصورة بحال البلد كلها.. فجعل من هذه الطقطوقة البسيطة والمليئة بالشجن فى نفس الوقت قطعة فنية خالدة تحفظها الأجيال. وهذه هى المفاجأة.. إنه موضوع جديد، وجاد، وجريء، ويحمل معه آفاقا جديدة من التعبير عن أحوال بسطاء الناس، الصنايعية كانت مفاجأة سارة للشعب المصرى، لكنها لم تكن كذلك لا للقصر الملكى ولا للاحتلال الأجنبى.
فقد كان هدف الموسيقى المصرية قبل سيّد درويش الطرب فقط، ولكنه جعل منها مهنة أسمى باستخدام هذا الفن العظيم في الجهاد الوطني والإصلاح الاجتماعي.
فكان سيّد درويش ابن الشعب وابن الفقراء والمظلومين، الذين انتصر لقضاياهم الصغيرة والكبيرة في كلّ ما غنّاه، من دون أن يغفل فئة منهم. مثلما أنشد للسقايين والحمّالين والغراسين والحنطورية، أنشدَ للوطن والحرية والاستقلال فقد قامَ درويش بتلحينِ أغنيةِ "بلادي بلادي" الشهيرة والتي استوحى كلماتِها الشاعرُ "محمد يونس القاضي" من إحدى خطاباتِ الزعيم السياسيّ "مصطفى كامل"، والتي كانَ من المفترضِ أنْ تُغنّى عندَ عودةِ الزّعيم سعد زغلول، ولكنْ للصدفة كانتْ عودةُ زغلول ووفاةُ درويش في نفسِ اليوم، واختارها زغلول عامَ 1979 لتصبحَ النشيدَ الوطنيّ لمصر.
(بلادي بلادي بلادي — لكِ حبي وفؤادي).
بالاضافة لدور "عواطفك دي أشهر من نار"، فى هذا الدور، من نظم سيد درويش، قصد التغنّى بعودة الخديوى عباس حلمى الذى عزلته سلطة الاحتلال لوقوفه بجانب قضية الشعب وقد منعت السلطات تداول أى وسيلة إعلام لاسمه فنظم سيد درويش هذه الكلمات للتعبير عن المطالبة بعودة الخديوى متحايلا على قرار السلطة، ويلاحظ أن الحرف الأول من كل شطرة هو أحد حروف اسم الخديوى مرتبة فى المقطع الأو ، فى المقطع الثانى كلمة خديوى مصر مدخلة بنفس الطريقة على أوائل الشطرات، وتقرأ الحروف الأولى جميعها عبارة " عباس حلمى خديوى مصر" وذاع الدور كأنه أغنية وطنية:
عواطـــفك دى أشــهر من نــار بس اشمعنى جافيتنى آه يا قلبك
انت اللطــــف وليه أحتـــــــــار ســــيد الكل انا طوع أمــــــرك
حــــالى صبح لم يرضى حبيب لـــوم النـــاس زودنى لهيـــــب
ماقــــولش ان الوصـــل قريب يا مليـــــكى والأمــــر لربـــــك
خايف أحكى لمين أشكيك دبــرنى علشـان أرضـيك
يمكنى دايــــــما أواســيك والعـــازل مايكونش زيك
يخطــر لى دايما مــــرآك من كتـرة حبى لعــــــلاك
صبحنى هجـــرك وجفاك رسـم الظل يا نعم مليــك
كما يمكنكم الاستماع للدور:
هنا
لم يكنْ هناكَ على الساحة من يستطيعُ الوصولَ إلى مكانةِ درويش الفنّية، والحقيقةُ أنَّ ألحانَ سيد درويش كانت هدفَ المسرحيينَ الأول، فكلّ فرقةٍ تريدُ أنْ تتفردَ به لضمانِ نجاحها وزيادةِ جمهورها، لكنْ لمْ يحتكرهُ أحدٌ قط وظلّ يعملُ للجميع، وعَمِلَ أيضاً مع منافسي الريحاني أمثالِ "علي الكسّار" والمغنيةِ والممثلةِ المشهورة "منيرة المهدية" في أوبريتاتٍ هزليةٍ مثل "كلّها يومين" عام 1920. فقد قام سيّد درويش فى مصر بما قام به بيتهوفن فى ألمانيا، حيث صعد الاثنان، كل بموسيقاه، إلى القمة، وفى حين مهّد لظهور بيتهوفن عمالقة مثل باخ وهايدن وموتسارت فقد ظهر سيد درويش بانقلاب كبير لم يسبقه تمهيد.
ولذلك فإن سيّد درويش يستحقُ عن جدارة لقبَ "أبو المسرح الغنائي العربي".
لمْ تلاقي أعمالُه التي قامَ بها بمفردِهِ النجاحَ الذي كان يتوقعه، كما حدثَ عام 1921 في "شهرزاد والباروكة" مما اضطرَه للعودة إلى العمل المشترك والتعاونِ مع مجموعاتٍ أخرى.
أهمُّ ما قيلَ فيه:
قالَ سعد زغلول عن سيّد درويش أنّه كانَ زعيماً وطنياً لأنهُ عبّرَ عن آمالِ الناس وطموحاتِها. وكتب فيه صَفْوَةُ مفكّري مصرَ الرواد الشعرَ وقالوا فيه مَرثِياتٍ تقشعرُ لها الأبدان، ومنهم أميرُ الشعراء أحمد شوقي وبيرم التونسي وأحمد رامي والعـقّاد والمُحَدّثون مثل صلاح جاهين وغيره. وقال عنه محمد عبد الوهاب أنّه الأستاذ الأكبر. كما قالَ السّنباطي أنّ كل ما نحنُ فيه مِنْ فنٍّ هوَ أثرٌ من آثارِ سيّد درويش، لقد نشأَ وسطَ الشعب وأفنى حياتَه من أجلِ البسطاء، لم يُعيَّنْ في منصبٍ حكومي، ولمْ يأخذْ بيده صاحبُ سلطة، ولمْ يكنْ بيده سلاحٌ غيرَ موهبتِه وإيمانِه بالله وحبِه لوطنِه وأمّته. وقالَ موسيقيونَ غربيون، لقد ساهمتْ ألحانُ وأغنياتُ سيّد درويش في تطوّرِ كتابةِ الموسيقى في الغرب واستعمالهِم للآتِ الموسيقيةِ الشرقية.
سُجلت معظمُ ألحانِ سيّد درويش على أسطواناتٍ بصوته أو بأصواتِ مطربينَ ومطرباتٍ آخرين أو بصوت المجموعة، ومعَ اندثارِ تلك الأسطواناتِ بمرور الزمن أصبحَ المتوفرُ منها قليلاً، وقد نُسِخَ بعضُها على شرائطِ كاسيت في الثمانينات، ولكن ظلّ أهمُّ مرجعٍ لألحانِ سيّد درويش هوَ حَفَظةُ ألحانِه ممّن عاصروه وأبناءَه، وهواةُ موسيقاهُ بعد ذلك إلى جانبِ الفنانينَ الكِبار مثلِ محمد عبد الوهاب وزملائِه مِنَ الرّوادِ اللاحقين.
نترككم الآن مع مجموعة من أعماله الفنّية:
اهو ده الي صار
خفيف الروح
طلعت يا محلا نورها
زوروني كل سنة مرة
سالمة يا سلامة
الحلوة دي
بلادي بلادي
أنا عشقت
*هامش:
كلمات الدور هي عبارة عن قصيدة صغيرة، باللغة العامية، قد لا تُراعى فيها أحياناً أصول العروض والوزن، ليس لكلماتها في العادة رسالة عامة، لكن تتألف من أبيات تحمل معانٍ عاطفيةٍ قويةٍ تفتح الباب أمام الملحن للإبداع في تلحينها وتكرارها بألحان وأشكال متنوعة.
المصادر كاملة:
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا