سلسلة كيف يعمل جسم الانسان؟ - الجهاز الهضمي - المعدة
الطب >>>> كيف يعمل جسم الإنسان؟
نأتيها بالطعام والشراب مما لذّ وطاب، ولا نرفض لها طلباً، حتّى لو كان وجبةً دسمةً في منتصف اللّيل، لكن هل حقّاً نعرفُ معدَتَنا بما فيه الكفاية حتّى نمنحَها هذا الدلالَ كلَّه؟
تعرّفوا معنا على محبوبة الجماهير من منظورٍ آخر:
المَعِدة Stomach عضوٌ من الجهازِ الهضميّ يقعُ بين المريء والمعي الدقيق، في الجانبِ الأيسر من الجزء العلوي من منطقة البطن. وهي عبارةٌ عن عضوٍ عضليّ مجوَّف يشبه الكيس، مُحاطٍ بالأوعيةِ الدّموية ويأخذُ أشكالاً مختلفةً وفقاً لبنية الجسمِ وطريقة توضّعه، يصلُه الطعامُ بعد ابتلاعهِ ليقوم بهضمه وتفكيكه بآليتيّن: ميكانيكيّةٌ وكيميائية، إذ تقومُ عضلاتُ جدران المعدة القويّة بالتقلُّص ضاغطةً على الطعام لسحقهِ ومزجه بالعصارة المعديةِ الحامضيّة الأنزيميّة مُحوّلةً إيّاه لمادةٍ نصفِ سائلة مهضومة جزئياً تُدعى الكَيْمُوس.
في الحياة الجنينيّة، تنقسمُ القناة الهضمية إلى ثلاثة أجزاءٍ: أماميٌّ وسفليٌّ وأوسط، إذ تتطوَّر المعدةُ من الجزء الأمامي من الأديم الباطنِ Endoderm، وتظهرُ في الأسبوع الرابع من الحياة الجنينة على هيئة اتساعٍ مغزليّ الشكل في المنتصف، ينمو الجزء الظهري على نحوٍ أسرعَ من القسم البطني مشكلاً الانحناءَ الكبيرَ للمعدة، ثم تدور المعدة 90 درجةً على المحور الطولي - وبذلك يصبح الانحناء الكبير في الأيسر- لتأخذَ الاتجاهَ النهائيَ الذي نراه عند الإنسان البالغ.
Image: https://embryology.med.unsw.edu.au/embryology/index.php/File:Stage_22_image_085.jpg
أما من الناحية التشريحيّة، فتقع المعدةُ في الجزء الأعلى من البطن، وتمتدُّ بين الخاصرة اليسرى ومنطقتي الشُرسوف والسرّة. ويقع أمامَها الجدارُ الأماميُّ للبطن وجزءٌ من القفصِ الصدريِّ والرئةِ اليسرى والفصُّ الأيسرُ من الكبد. فيما يقع خلفَها الكيسُ الصغير (الجِراب الثَّرْبي) والحجابُ الحاجز والطِّحالُ وغُدة الكَّظر اليسرى والجزءُ العلويُّ من الكُلية اليسرى والبنكرياس، في حين يكون القولونُ المستعرضُ إلى الخلف والأسفل منها. بينما يمتدُّ الحجابُ الحاجز فوقَها.
ينتهي المريء بـ "المَصرَّة المريئية السفليّة" لينفتحَ بعدها على المعدة بمنطقة تسمّى"الفؤاد Cardia" وهي البوابة العلوية للمعدة.
يلي الفؤادَ في الأيمن تقوّسٌ يُسمَّى"الانحناءُ الصغيرُ للمعدة" وهو استمرارٌ للجزء الأيمن من المريء. بينما يكون الانحناءُ الكبير للمعدة في الأيسر، ويبدأ من فتحة الفؤاد مُحدِثاً قوساً للأعلى والخلف والأيسر مشكلاً زاويةً حادة مع المريء تُسمّى "ثُلْمةُ الفؤاد Cardiac Notch" أو "زاوية هس Hiss Angle "، وتُسمّى المنطقةُ العلويّة من تحدّبه "القاع Fundus"، يليه جسمُ المعدة الذي ينتهي بالبوّاب pylorus وهو البوابة السفلية للمعدة حيث توجد مَصرّةٌ تَنفتح بواسطتها على العفج وهو الجزء الأوّل من الأمعاء الدقيقة. وتوجد عند البوّاب حدبةٌ صغيرة تكوّن تجويفاً داخلياً هو "الجيب البوابيPyloric Antrum ".
تكون المَصرَّتان المريئية السّفلية والبوابيّة مغلقتين خارج أوقاتِ تناول الطعامِ، وتنفتحان فقط عند مرورِ الطعام من المريء إلى المعدة ومن المعدة إلى العَفَج على التوالي، فتحافظان بذلك على الحمض المعدي محصوراً ضمن المعدة، وإنّ أيّ خلل فيهما سيؤدّي إلى اضطراباتٍ مرضيةٍ سنذكرُها لاحقاً ضمن هذا المقال.
Image: data:image/jpeg;base64,/9j/4AAQSkZJRgABAQAAAQABAAD/2wCEAAkGBxISEhUSEhIVFhUXGBcXFhgXFxgWFRcaFRgXFxgYFRcYHyggGholGxcYITEhJSkrLi4uFx8zODMtNygtLisBCgoKDg0OGhAQGS8lICAxKysrLS0tLS0vLS0vKy0uLSsrLS8tKy0tLS0rKy0tLS0tLTEtLSstLS0tLS0tLS0tLf/AABEIAN4A4wMBIgACEQEDEQH/
تتكون المعدِة من ثلاثِ طبقاتٍ، هي من الداخل للخارج: الطبقةُ المخاطيّةُ وتحتَ المخاطية والطبقة العضليّة والطبقة البريتوانية.
• الطبقة المخاطية وتحت المخاطية:
الطبقة المخاطية هي الطبقة الداخلية لجدار المعدة وهي ظِهارةٌ تحتوي عدةَ أنواعٍ من الخلايا معظمها أسطواني، يختصُّ كلُّ نوعٍ منها بإفراز موادَّ معيّنة، وتختلفُ أنواعُ الخلايا المُشكِّلة للظِهارة بين أقسام المعدة المختلفة، وأهمُّ مفرزاتِ هذه الخلايا:
1- المخاط المعدي القاعدي: الذي يغطّي سطحَ المعدة الداخليّ فيحميهِ من أضرارِ الإفرازات الحامضية.
2- الإنزيمات المعدية الهاضمة: ومنها طليعة الببسين واللّيباز المعدي.
3- الحمض المعدي: يوفّرُ الوسطَ الحامضيَّ الضروريَّ لقتل البكتريا وتحويلِ طليعة الببسين إلى الببسين الفعال.
تتوضعُ الطبقة تحتَ المخاطيةِ أسفلَ الظِهارة المَعدية وتحتوي نسيجاً ضاماً ليفياً وأوعيةً دمويةً بالإضافة إلى ضفيرة مايسنر العصبية*
• الطبقة العضلية أو الجدار العضلي:
ويتكوّن من ثلاثِ طبقاتٍ من الأليافِ العضلية الملساء:
- داخليةٌ ذاتُ أليافٍ مائلةِ التوضّع: وهي خاصّةٌ بالمعدة وغير موجودةٍ في باقي أجزاء الجهاز الهضميّ وتكون مسؤولةً عن تفكيك الطعام ميكانيكياً ومزجه من خلال تقلُّصاتِها.
- متوسّطةٌ ذاتُ أليافٍ دائريةِ التوضّع.
- خارجيةٌ ذاتُ أليافٍ طولانيةِ التوضّع.
تتوضع ضفيرةُ أورباخ العصبية* بين الطبقتين العضليتين الأخيرتين.
تُكسبُ هذه الطبقاتُ المعدةَ المتانةَ وقابليّةَ التمدّد، لا سيما عند تناولِنا الوجبات الكبيرة.
• طبقة البيرتوان (المصلية) Serosa:
وهي رقيقةٌ وملساءٌ تفصل المعدة عن بقية الأحشاء الموجودة داخل التجويف، وتعمل على تسهيل حركتها.
أمّا فيما يتعلٌقُ بأمراضِ المعدة الأكثرِ شيوعاً، فسنستعرضها تباعاً:
• القَلَسُ المعدي المريئي: وفيه تعودُ محتوياتُ المعدة، بما فيها الحمض المعدي، إلى الأعلى نحو المريء، وهي إمّا أن تكونَ لا عَرَضيةً أو أن تسبّبَ "حرقة الفؤاد"، وعندما تصبحُ أعراضُ القَلَسِ مزعجةً أو تحدثُ على نحوٍ مُتكرّرٍ تُسمّى أمراضَ الجَزر المعدي المريئي (GERD)، وتشمُلُ أهمُّ الخطوطِ العلاجيةِ استخدامَ مضادّاتِ الحموضةِ أو حاصراتِ مستقبلاتِ H2 أو مثبطاتِ مِضخَّةِ البروتونات (Proton pump inhibitors).
• عسرُ الهضم: اضطرابٌ معديّ هضميّ قد يكون سبُبه أيَّ حالةٍ مرضية تصيب المعدة.
• القرحةُ الهضميةُ (قرحة المعدة): عبارةٌ عن تآكل في بِطانة المعدة يسبّبُ الألم والنزيف، وغالباً ما يعودُ سببُه إلى تناولِ مضاداتِ الالتهابِ غير الستيروئيدية أو الإصابة بالملويّة البوابيّة. ويمكنكم قراءة المزيد حول القرحة في مقالنا السابق:
هنا
• التهابُ المعدة: هو التهابٌ في بِطانةِ المعدة، ويمكن أن ينتجَ عن تناولِ الكحول أو التدخين أو تناولِ الأسبرين أو غيره من مضادات الالتهاب غير الستيروئيدية مدةً طويلةً، أو العدوى ببكتريا الملويّة البوابيّة، أو الصَّدمة الشديدة.
• سرطان المعدة: وهو شكلٌ نادرُ الانتشار من السَّرطان، ويتمثّلُ بسرطانٍ غديّ أو ورمٍ أرومي لمفاويّ.
• متلازمةُ زولينجر إليسون (ZES): تنتجُ عن أورامٍ غديةٍ تُفرزُهرموناتٍ تزيدُ بدورها إنتاجَ الحمض المعدي، وتؤدي هذه المتلازمةُ النادرةُ إلى حالاتٍ شديدةٍ من القَلَسِ المعدي المريئي والقرحةِ الهضمية.
يعتمدُ تشخيصُ أمراضِ المعدة بشكلٍ عام وبصورةٍ أساسية، على وصفٍ مفصّلٍ لكلّ الأعراضِ لدى المريض، ولكن إذا ما كانتِ الأعراضُ حادةً جداً، أو لم يستجبِ المريض للعلاج، أو كان الطبيبُ يشكّ في إصابةِ المريض بمرضِ الجَزر المعدي المريئي (GERD) أو غيره، فقد يحتاجُ إلى إخضاع المريض لعدد من الفحوصات الطبّيّة الإضافية، ومنها:
- التصويرُ بالأشعةِ السينية (X -ray) مع لُقمةِ الباريوم (Barium).
- التصويرُ بالرنين المغناطيسي أو التصويرُ الطبقيُّ المحوري.
- التنظيرُ الداخليُّ (Endoscopy): ويمكن أن يشمُلَ أخذَ خَزعةٍ لتشخيصِ بعضِ الحالاتِ كما في الإصابة بالملويّة البوابيّة أو السرطان.
- فحصٌ لمستوى (تركيز) حموضةِ المعدة.
هامش:
*ضفيرة مايسنر العصبية: مسؤولةٌ عن التعصيبِ الذاتيّ للخلايا الظِهارية والعضليةِ المخاطية في الطبقة تحتَ المخاطية.
*ضفيرة أورباخ: مسؤولةٌ عن التعصيبِ الذاتيّ لطبقتي العضلاتِ الدائرية والطولانية، وبالتالي توليدِ الحركات التمعُّجيَّة.
أخيراً، يُمكنكم الاطلاع على مقالتِنا السَّابقة ذاتِ الصّلة للمزيد من الفائدة.
معدة بشرية تمَّت تنميتُها في المخبر:
هنا
هل بإمكان حبةٍ صغيرةٍ أن تكشفَ عن سرطان المعدة أو الكولون؟
هنا
لقراءة مقالاتنا الأخرى ضمن سلسلة كيف يعمل جسم الانسان: هنا
المصادر:
هنا
هنا
هنا