التَّنافرُ اللِّساني (Tongue Twisters)
التعليم واللغات >>>> اللغويات
لابدَّ أن سبق لك وتحداك أحدهم بتكرار قول عبارةٍ مثل "الشَّمسُ المُتَمشْمسة" أو "خَيطُ حرير على حيطِ خليل" بسرعة، لكنْ هل تعلم أنَّ كل لغة من لغات العالم تحمل عبارات كهذه وتُستعمَل للغرض نفسه الذي قد تظنُّ أنَّه ترفيهي فقط، ستتعرّفُ في مقالنا هذا ماذا تُخفيه هذه الألعاب اللسانية اللغوية وإلى ماذا تهدف.
يُعرِّف معجم كامبريدج التنافرَ اللساني على أنّه جملةٌ أو عبارةٌ صعبة القول خاصّة عند تكرارها بسرعة، وأكثر ما يميّزُ هذه العبارات هو تكرارُ بعض الحروف أو نفسها والتقارب الصوتيُّ لها؛ أيْ أنَّ ترتيب الحروف فيها هو ترتيب نادر لا يتواجد في الكلام العادي، إضافة إلى لمعالجة الدماغية عند قولها.
وتُسبِّب مجموعات معينة من الأصوات والعبارات تشويشًا للسان، ويبدو الدماغ في لحظةٍ فاقدًا للتنسيق والسيطرة على الفم، فيَحل حرفٌ بدلَ الآخر -غالبًا-؛ كأنْ يَحلَّ حرف السين بدل الشين أو حرف الحاء بدلًا من الخاء أو العكس، فعند قولك لكلمة مثل "القسطنطينية" فإنَّك قد أديت رقصة معقدة اشتركتْ فيها الشفاه واللسان والفك والحنجرة في زمن قصير جدًا.
وقد أعطت نتائجُ دراسةٍ تفصيلية غير مسبوقة لمحةً عن الشفرات العصبية التي تتحكَّم في إنتاج كلام سلس، والتي ساعدت بدورها في معرفة أين تكمن صعوبة التنافر اللساني، وفي توضيحِ آلية استخدام الدماغ لعضلات التحكم بالأصوات؛ فقد سجل فريقٌ من باحثِين أمريكيين بيانات للنشاط الدماغي لثلاثة أشخاص يعانون الصرع، ومكّنهمْ هذا التسجيل من الكشف عن كيفية اتحاد مجموعات عصبية بنائية أساسية لتشيكل أصوات الكلام للغة الإنجليزية الأمريكية؛ إذ تعمل أنماط من خلايا عصبية في أماكنَ مختلفة على مرور الوقت، وتبين أنَّه على الرغم ِ من استعمال أجزاء الكلام لأجزاء الجهاز الصوتي نفسها؛ لكن تختلف أنماط الخلايا العصبية للحروف الساكنة عن تلك الحروف الصوتية أو ما يسمى بحروف العلة، وهذه الأنماط المختلفة للخلايا العصبية قد تساعد في شرح كيفية التلعثم بإبدال أول حرفين ساكنين لكلمتين كـ (تواقعُ المواصلْ) بدلاً من (مواقع التّواصل)، أو كيفَ نخلُطُ بين حرفين صوتيين؛ كأنْ نقول "Wheel" بدلاً من "Whale"، لكنّنا نادرًا ما نستبدل أحرفًا ساكنة بأخرى صوتية.
Image: www.syr-res.com
(نشاطٌ دماغيٌّ لافتٌ للمنطقة المحدَّدةِ باللّونِ الأصفرِ عندَ نطقِ الحروفِ الصوتيّةِ والسّاكنة)
وقد توصَّل الفريق إلى أنّ الدماغ يُنسّق الكلام عن طريق ما تحتاجه العضلات للتحرك وليس مثلما تبدو الوحدات الصوتية الناتجة مثلما كان مفترضًا، وكشفت بيانات الدراسة عن ثلاث مجموعات للحروف الساكنة، وهي أصوات مقدمة اللسان مثل /sa/، وأصوات قاعدة اللسان مثل /ga/ وأصوات شفوية مثل /ma/؛ في حين انقسمت الحروف الصوتية إلى مجموعتين؛ مجموعة الحروف التي تتطلب تدوير الشّفاهِ كـ /o/، ومجموعة تشمل كل ما لا يتطلب شفاهًا مدورة مثل /e/ و/a/، فتداخل تمثيلات الأحرف في الدماغ تداخلًا كبيرًا يُعلِّلُ صعوبةَ التنافر اللساني؛ إذ إنَّ صوت حرف السين /s/ والشين /sh/ مُخزنان في الدماغ على أنَّهما صوتان في مقدمة اللسان؛ ممَّا يُفسِّرُ احتمالية اختلاط الأمور على الدماغ بالنِّسبة إلى هذينِ الصَّوتينِ، في حينِ أنَّ ذلك لا يحدثُ عند اشتراك أجزاءٍ مختلفةٍ من اللسان باللفظ؛ فـ "الشمس المتمشمسة" هي عبارة صعبة لكنْ إنْ كانت "السمس المتمشمشة" فالأمر يبدو أسهل أكثر.
فوائد التنافر اللساني:
يمتلك التنافرُ اللساني تطبيقًا عمليًا إضافة إلى الجانب المسلي من قولها وتكرارها، فتُستَعمل في جلسات علاج النطق والكلام كالتأتأة، وتُستَعمل لتطويرِ مهارات الأطفال اللغوية أيضًا، ويمكِنُ للأشخاص اللجوءَ إلى التنافر اللساني عند تعلم لغة جديدة؛ فهي تساعد في تعلُّم اللهجة وتعلّم أصوات الأحرف غير الموجودة في اللغة الأم، وهي تُخفِّف ظهور لهجة اللغة الأم عند التحدث باللغة المُتَعَلَّمة الجديدة؛ فمنْ يَستعمِل التنافر اللساني لعلاج مشكلات الكلام؛ يُدرِّبُ عضلات الفم ليتمكَّن من اللفظ والتكلم بوضوح، وليصبحَ مع الوقت قادرًا على قول مقاطع صوتية كانت تُعَد صعبة النطق بالنسبة إليه، ولا يقتصر الأمر على من يواجه مشكلاتٍ في النطق والكلام بل يُردد الأشخاص الذين كانوا قد تجاوزا صعوبات في الكلام والحديث التنافرات اللسانية كتمارين إحماء قبل البدء بخطاباتهم أو كلامهم كالممثلين والسياسيين والخطباء والمعلمين والعلماء وطلاب الجامعات.
ومن أشهر التنافرات اللسانية في بعض لغات العالم نذكر:
_في اللغة الانكليزية:
.Peter Piper picked a peck of pickled peppers
وتعني " أخذ بيتر بايبر قضمةً من الفلفلِ المخلّل"
_في اللغة الألمانية:
.Bei Leid lieh stets Heil die Lieb
_في اللغة السويدية:
."Sju skönsjungande sjuksköterskor skötte sjuttiosju sjösjuka sjömän på skeppet "Shanghai
_في اللغة الفرنسية:
.Un chasseur sachant chasser sait chasser sans son chien de chasse.
_في اللغة التركية:
Bu yoğurdu sarımsaklasak da mı saklasak، sarımsaklamasak
da mı saklasak
_في اللغة الإيطالية:
.Trentatré Trentini entrarono a Trento، tutti e trentatré˛trotterellando
المصادر: