سلسلة كيف يعمل جسم الانسان؟- الغدد جارات الدرق
الطب >>>> كيف يعمل جسم الإنسان؟
هي أربعُ غُدد تقع في العُنُق ملتصِقةً بالوَجه الخلفي للغدّة الدَرَقيّة، اثنتان في الأَعلى واثنتان في الأَسفل خلفَ كلٍّ مِنَ الفصّين الأيمَنِ والأيسَر للدرق.
وعلى الرغم من اسمها، إلّا أنَّها تختلف اختِلافا جذريّاً عن جارتِها، فهي صغيرةُ الحجمِ سمراءُ أو بنيّة اللّون، سطحُها أملس، وذات شكلٍ يشبه شكل حبّةِ الفول (تزن الواحدة منها حوالي 20-40 ملغ بطول 6 مم وعرض 3 مم وثخانة 2 ميليمتر) على العكس من الغدة الدرقيّة الّتي قد يصلُ طولُها إلى 15 مم، كما تختلفُ عنها نسيجياً ووظيفيّاً كما سنرى لاحقاً.
لمحة نسيجية :
تتألّف الغُدد جارات الدَرَق من عددٍ كبيرٍ من الخلايا الّرئيسيّة (Chief Cells) المسؤولة عن إفرازِ الهرمون الدُرَيقي، ومن خلايا صغيرة تدعى الخلايا المُحبَّة للحمض (Oxyphil Cells) الّتي لم يُحدَّد دورُها الوظيفيّ بعد، إلّا أنّها تُعْتَبر عاملاً هاماً في اكتسابِ هذه الغدد لونَها البُنّي.
Image: صورة رقم 80-10 Guyton and Hall-Textbook of Medical Physiology
المنشأ الجنيني:
تنشأ جاراتُ الدّرق من الأديم الباطنِ* (Endoderm) للجنين، وتحديداً من الجَيبات البلعوميّةِ (pharyngeal pouches)، إذ تنشأ السّفليتان من الوجهِ الظّهري للجَيبة البلعوميّة الثّالثة أما العلويتانِ فتنشآن من الجَيبةِ البلعوميّة الرّابعة.
الوظيفة:
تُعدّ جارات الدَرَقِ مراقِباً فعّالاً لشواردِ الكالسيوم والفوسفات في السائل خارج الخلويّ** وتعملُ على الحفاظِ على تركيز هذه الشّوارد ضمنَ حدودها الطبيعيّة، إذ تفرِز الهرمون الدُرَيقي (Parathyroid hormone\PTH) الذي ينظّم مستوى الكالسيوم خارج الخلوي.**
• الكالسيوم هو أكثرُ المعادن وجودأ في الجسم، يوجد 99% منه في العظام والأسنان، بينما يتوزّع الباقي في الدم وباقي الجسم. له وظائفُ هامّةٌ كثيرةٌ في الجسم في الإشارات الخُلَوية وتنظيمِ نشاطِ البروتينات.
تحملُ أغشية خلايا جارات الدّرق مستقبلاتٍ حسّاسةً لشواردِ الكالسيوم، إذ يحرّض أيّ انخفاضٍ في تركيزِ شواردِ الكالسيوم في السّائلِ خارجِ الخلويّ الغُدَدَ على زيادةِ معدّل إفرازها للهرمون الدُريقي خلالَ دقائقَ معدودةٍ، وقد تتضخمُ هذه الغدد في محاولةٍ منها لرفعِ مستوى الكالسيوم إلى حدّه الطبيعيّ، إذ يصل حجمها في بعضِ الحالاتِ خمسةَ أضعافِ حجمِها الأًصليّ.
وبالمقابل، فإن جميعَ العواملِ الّتي تخفّض تركيزَ شواردِ الكالسيوم ستُخففُ نشاطَ جارات الدَرَق الإفرازيّ وقد تتسببُ في إنقاصِ حجمِها.
آليّة عمل الهرمون الدُرَيقي PTH:
• إنقاصُ طرحِ الكالسيوم وزيادةُ طرحِ الفوسفات:
يزيد الهرمون الدُرَيقي إعادةَ الامتصاصِ النّبيبيّ الكلويّ للكالسيوم، وفي نفسِ الوقتِ يُنقصُ إعادةَ امتصاصِ الفوسفات.
• التحريضُ على نزوح الكالسيوم والفوسفات من العظام (ارتشاف العظام):
يوثّر الهرمون الدُرَيقي على العظامِ بآليَّتين:
• تفعيلُ الخلايا العظميّة (Osteocytes) والخلايا بانيةُ العظم (Osteoblasts) التي تحرّضُ على نزوحِ الكالسيوم والفوسفات من العظامِ، وهي آليّة سريعة لزيادة مستوى الكالسيوم في الدم بغضون دقائق.
• تحفيز الخلايا ناقضَةُ العظم (Osteoclasts) ومن ثمّ يحدثُ ارتشافٌ ذاتيٌّ للنسيجِ العظميّ وإعادة الكالسيوم والفوسفات إلى السائل خارج الخلوي. وهذا الآلية بطيئة وقد تستغرق بضعةَ أيام.
كما تجدرُ الإشارة إلى أنّ الخلايا ناقضةُ العظم لا تحوي مستقبلاتٍ للهرمون الدُرَيقي، إنّما تُحفّزُ نتيجة إشارات ناتجة عن الخلايا العظمية والخلايا بانية العظم التي تحوي ذلك المستقبل.
• زيادة الامتصاصَ المعويّ للكالسيوم والفوسفات:
يُعزّزُ الهرمون الدُرَيقي الامتصاصَ المعويّ للكالسيوم والفوسفات عن طريقِ تشكيل الكالسيتريول (1-25 ثنائي هيدروكسي كولي كالسيفيرول 1،25 dihydroxycholecalciferol) في الكليتَين، وهو الشكلُ الفعّال من الفيتامين د، الذي يزيد بدورهِ الامتصاصَ المعويّ للكالسيوم والفوسفات.
لمحة مرضيّة:
فرط نشاط جارات الدرق Hyperparathyroidism:
أكثر شيوعاً من قصورِ جارات الدَرَق ولهُ عِدّة أنواع:
• فرط نشاط جارات الدَرَق الأوليّ (Primary Hyperparathyroidism):
هو فرطُ (زيادة) إفرازِ الهرمون الدُريقيّ، ينتج عنهُ فرطُ كالسيوم الدّم (Hypercalcemia) ونقص فوسفات الدّم (Hypophosphatemia).
له أسبابٌ عديدةٌ كالورمِ الغدّيّ لجاراتِ الدرق Parathyroid adenoma وهو الأكثرُ شيوعاً (85% من الحالات)، وفرط تنسّج جارات الدّرق المنتشر (Diffuse Parathyroid Hyperplasia) في 15% من الحالات، في حين يُشَكّل سرطانِ جارات الدّرق Parathyroid Carcinoma 1% من الحالات، بالإضافة إلى عواملَ أخرى أقلُّ شيوعاً، كما قد تكون جُزءاً من متلازمات تكَوُّنُ الأورامِ الصَمّاوية المتَعَدِّدة MEN syndromes.
غالبا ما يصيبُ فرطُ نشاطِ جاراتِ الدرقِ الأوّليُّ الأشخاصَ الذين تجاوزوا الأربعين عاماَ، كما تُصاب به النّساء أكثرَ من الذّكور بمعدّل ذكرٍ واحدٍ مصاب لكل ثلاثِ نساءٍ مصابات.
• فرط نشاط جارات الدَرَق الثانويّ (Secondary Hyperparathyroidism):
هو فرطٌ وظيفيّ تعويضيّ لجارات الدّرق يحدثُ نتيجةَ نقص كالسيوم الدّم (Hypocalcemia)، أو بسببِ مقاومةِ النُّسُجِ المحيطيّة للهرمون الدُرَيقي (لا يستطيع التأثير بها)، فتُفرَزُ كمياتٍ كبيرةً من الهرمون.
من أشيع أسبابِه القصورُ الكُلَويُّ المُزمِن، وتكون حينها مستويات الكالسيوم في الدمِ منخفضةً ومستويات الفوسفات مرتفعة (Hyperphosphatemia)؛ على عكس ما هوَ مُتَوَقّعٌ عند زيادة مستوى الهرمون الدُرَيقي. كما يُعَذُّ سوءُ امتصاص الكالسيوم وتليّنُ العظام (Osteomalacia) وعوَزُ الفيتامين د واختلالُ استقلابِه من الأسباب الأقلِّ شيوعاً.
وفي هذه الحالات، فإنّ معالجة السبب الأصلي تُؤَدّي إلى معالجةِ فرطِ جارات الدرق.
• فرط نشاط جارات الدّرق الثالثيّ (Tertiary Hyperparathyroidism):
قد يحدثُ في حالةِ وجود فرطِ نشاطِ جارات الدَرَق الثانوي، في حالِ استمرارِ فرطِ إفراز الهرمون بعد معالجة المَرَضِ المُسَبِّب، مثل حالة زراعةِ الكِلى عند مرضى القصور الكلوي.
• فرط نشاط الّدرق في الحَمل (Hyperparathyroidism in Pregnancy):
وهو حالةٌ نادرة، وقد تؤدّي إلى مشاكلَ في مستويات الكالسيوم عند الجنين.
قصور جارات الدّرق (Hypoparathyroidism):
حالةٌ قليلةُ الشيوع تتظاهر بغيابِ أو ضعفِ إفرازِ الهرمون الدُرَيقي، ينتج عنها انخفاضٌ في كالسيوم الدّم وارتفاعٌ في فوسفات الدم، قد تحدث نتيجة التداخلات الجراحيّة على جاراتِ الدّرق أو عند الاستئصال التّام للغدّة الدّرقيّة، كما قد تحدثُ بسبب الشذوذات في الجَيبات البلعوميّة الثّالثة والرّابعة كما في متلازمة دي جورج (DiGeorge Syndrome).
الهامش:
*يتكون الجنينُ في الأسبوع الثالث من الحمل من 3 طبقات تُشكّل نواة أجهزة الجسم المختلفة التي ستتطور لاحقاً: الأديم الظاهر ectoderm، والأديم المتوسط mesoderm، والأديم الباطن endoderm.
**تُقسم السوائل داخل الجسم إلى ثلاث حُجُرات: السائل داخل الخلوي (يشكّل ثُلُثي ماء الجسم)، والسائل خارج الخلوي (ثُلث ماء الجسم). ويُقسم السائل خارج الخلوي إلى قسمين؛ بلاسما الدم والسائل الخلالي.
المصادر:
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا
Guyton and Hall-Textbook of Medical Physiology