كيف يخترعُ Eminem قوافياً بطرفةِ عين؟
التعليم واللغات >>>> اللغويات
يخترعُ مغنو الرابِ أمثالَ "Eminem" و "Philadelphia’s Cassidy" القوافي بشكلٍ فوريٍ وعندَ الطلبِ دونَ أيِ عناءٍ يُذكر، وهذا ما يُعتبرُ أحدَ أشكالِ الفنونِ الأكثرَ تحديّاً، وهذا ما دفعَ بعضَ الباحثين للقيامِ بدراسةٍ علميةٍ لمعرفةِ كيفَ يفعلُ الدماغُ ذلك.
كشفتْ دراسةٌ جديدةٌ أنَّ أجزاءَ دماغِ مؤدّي الراب المرتبطةَ بالتحفيزِ والتنظيمِ والدمجِ تصبحُ نشطةً عندما يقومونَ بالارتجالِ الحرِ، بينما تهدأُ الأجزاءُ المسؤولةُ عنِ التحكمِ والسيطرةِ الذاتيةِ، وهذا يُظهرُ أنَّ هؤلاءِ"الرابرز" يوقفونَ عملَ أجزاءِ الدماغِ التي قد تشوشُ على استرسالِهمُ الإبداعيَ بشكلٍ مؤقتٍ.
يقولُ ألين براون رئيسُ قسمِ اللغةِ في المعهدِ الوطنيِ للصمِّ والاضطراباتِ التواصليةِ الأُخرى (NIDCD) "إذا ركّزَ لاعبٌ رياضيٌ انتباههُ على ما يقومُ بهِ وكيفيةِ تحريكِ جسمهِ لالتقاطِ كرةٍ فإنه سيتجمّدُ في مكانهِ ولن يقومَ بذلك"، وبشكلٍ مشابهٍ فإنَّ مؤدي الراب قد يواجهُ التحديَ نفسهُ عند قيامهِ بتركيبِ القوافي "حيث يجبُ عليه تعليقُ انتباههِ لبعضِ الوقتِ".
الدماغ المرتَجِل:
يهتمُ براون وزملاؤهُ بدراسةِ الطريقةِ التي يُفكّرِ فيها الدماغُ بشكلٍ إبداعيٍ، ولمعرفةِ ذلكَ قاموا مسبقاً بدراسةِ الارتجالِ في الموسيقى، ونقلوا تركيزهمُ الآن لدراسةِ تقاطعِ الموسيقى واللغةِ في الدماغِ، حيثُ بدؤوا العملَ مع اثنينِ من مؤدييِ الرابِ الحرِّ وهما مايكل إيغل و ريزيك باير لدراسةِ ذلك.
ساعدَ إيغل وباير الباحثينَ في تعميمِ بحثهمِ في مجتمعاتِ مؤديي الرابِ الحرِ في مدينتي واشنطن وبالتيمور، وأدّى ذلكَ إلى جمعِ 12 من مؤديي الراب الذكور كمتطوعينَ ليقوموا بتأليفِ الجملِ المقفاةِ أثناءَ وجودهم في آلةِ تصويرِ رنينٍ مغناطيسي (fMRI) والتي تقومُ بقياسِ مستوى الأكسجينِ في الدماغِ وتزوّدُ الباحثينَ بخريطةٍ لتدفقِ الدم، ما يُساعدُ في إظهارِ المناطقِ النشطةِ في الدماغِ بالإضافةِ إلى المناطقِ التي تكونُ في طورِ الرّاحة.
حيثُ تمَّ إعطاؤهم مساراً موسيقياً معيّناً ومجموعةً من كلماتِ الأغاني لحفظها عن ظهرِ قلب، وبعدَ تأديتهم لهذهِ الكلماتِ التي حفظوها بطريقةِ الرابِ في جهازِ الرنينِ المغناطيسي، أُعيد تشغيلُ النغمةِ الموسيقيةِ من البدايةِ وطُلبَ منهم أن يؤلفوا ما يحلوا لهم من الرابِ الحر.
تقولُ سيوان ليو إحدى القائمينَ على هذهِ الدراسةِ "لقد تحدثوا بشكلٍ كبيرٍ عن محيطهم ووجودهم في آلةِ التصويرِ المغناطيسي، وأحياناً تكلموا عن مهنتهم وعن عددِ الألبوماتِ الموسيقيةِ التي نشروها".
التّدفّقُ الحر:
وأياً كان الرابر الذي تمتْ دراسةُ دماغهِ، فقد نشطت جميعُ أدمغةِ مؤديي الراب بشكلٍ مختلفٍ أثناءَ الارتجالِ عنها أثناءَ سردِ الكلماتِ التي حُفظت عن ظهرِ قلب، حيثُ كان القشرُ المتوسطُ للدماغِ ما قبلَ الفصِ الجبهيِّ أكثرَ نشاطاً خلالَ فترةِ الرابِ الحرِ، بينما كانَ القشرُ الظهرانيُ الجانبيُ ما قبلَ الفصِ الجبهيِّ أقلَ نشاطاً. وتقعُ هاتانِ المنطقتانِ في الجزءِ الأماميِ للدماغِ، حيثُ يعدُّ القشرُ المتوسطُ للدماغِ ما قبلَ الفصِّ الجبهيِ مسؤولاً عن تنظيمِ المعلوماتِ ودمجها بينما تُعنى المناطقُ الظهرانيةُ الجانبيةُ بالسيطرةِ الذاتيةِ والمراقبةِ والرقابةِ الذاتيةِ.
وجدَ الباحثونَ أيضاً أنَّ القشرَ المتوسطَ للدماغِ ما قبلَ الفصِّ الجبهيِّ كانَ مضيئاً أثناءَ التصويرِ بالرنينِ المغناطيسي في الوقتِ ذاتهِ الذي أضاءتْ فيهِ مناطقُ اللغةِ والحركةِ في الدماغ، وهذا لا يُعدُّ أمراً مفاجئاً إذا أخذنا بعينِ الاعتبارِ أنَّه كان على مؤديي الراب أن يفكروا بالكلماتِ ويقوموا بإنتاجها لاحقاً عن طريقِ عضلاتِ الفمِ والفكِّ. بالإضافةِ إلى ذلكَ، فقد ارتبطت هذهِ الشبكةُ من المناطقِ الدماغيةِ بشكلٍ كبيرٍ مع لوزةِ الحلقِ أثناءَ تأديةِ الرابِ الحر، ما يشيرُ إلى بعضِ النشاطِ العاطفيِّ المرتبطِ بوظيفةِ لوزةِ الحلقِ في تركيبةِ الدماغِ العميقة.
ووجدَ الباحثونَ أيضاً أنَّ مناطقَ الانتباهِ في القشرِ الظهرانيِّ الجانبيِّ ما قبلَ الفصِّ الجبهيِّ بدأت بالاستيقاظِ مجدداً قُبيلَ انتهاءِ المسارِ الموسيقيِ المحددِ للمتطوعين في هذهِ الدراسةِ، ما قد يشيرُ إلى الحاجةِ إلى بعضِ السيطرةِ والانتباهِ عند اختتامِ أغنيةِ راب.
قامَ إيغل وباير بتقييمِ درجةِ الإبداعِ اللغوي في المساراتِ التي سجَّلها مؤدو الرابِ، ووجدَ الباحثونَ درجةَ نشاطٍ أعلى في الجزءِ العلويِ من القشرِ المتوسطِ للدماغِ ما قبلَ الفصِّ الجبهيِّ لدى أولئكَ الذينَ نالوا درجةَ تقييمٍ إبداعيةٍ عاليةٍ، كما وجدوا أيضاً الكثيرَ منَ النشاطِ في الجزءِ الخلفيِّ الجانبيِّ الصدغيِّ من الدماغِ، والكثيرَ من النشاطِ أيضاً في القسمِ الخلفيِّ من فصِّ الدماغِ المتموضعِ خلفَ الأذنِ مباشرةً، وهو القسمُ المرتبطُ بالمفرداتِ اللغويةِ أو ما يُعرفُ بـ"المعجمِ العقلي".
هذا ولا زالَ الباحثونَ غيرَ متأكدينَ من إمكانيةِ تدريبِ شبكةِ "العقلَ الارتجاليِّ" للوصولِ إلى تفكيرٍ أسرعَ، وتقترحُ هذهِ الدراسةُ عدمَ وجودِ شيءٍ خياليّ فيما يرتبطُ بالإبداعِ، وهذا ما أكدَّ عليهِ ألين بقولهِ "إنّ الأمرَ فقط عبارةٌ عن عملياتِ إعادةِ ترتيبٍ لنشاطِ الدماغِ والعملياتِ الإداركيةِ والتي بدورها تُعدُّ جزءاً طبيعياً من تجاربنا اليومية".
نشرَ الباحثونَ نتائجهم في دوريّةِ التقاريرِ العلميةِ (Scientific Reports) في تموز من عام 2012.
تظهرُ هذهِ الصورةُ المناطقَ المتعلقةَ بالتنظيمِ والتحفيزِ في الدماغ (باللون الأصفر) وكيف تصبحُ أكثر نشاطاً عندما يبدأ مؤدو الراب بالارتجالِ الحر، بينما تبدو المناطقُ المرتبطةُ بالسيطرةِ الذاتيةِ خامدةً (باللون الأزرق).
Image: www.syr-res.com
المصدر الرئيسي:
هنا
مصدر الدراسة
هنا