لماذا يقبل البعضُ العلوم الزائفة والترهات أكثر من غيرهم؟ (الجزء الثاني)
منوعات علمية >>>> العلم الزائف
لعلَّك ستُدهش إنْ علمتَ أن استبياناً دولياً وَجَدَ أن 71% من الأمريكيين يُؤمنون بالمعجزات و42% يؤمنون بوجود الأشباح و41% يعتقدون أن التخاطر ممكنًا بينما 29% يؤمنون بعلْمِ التنجيم والأبراج.
وهناك استبيانٌ آخر بيَّنَ أنّ اعتقاد البشر بأشياءٍ كنظرياتِ المؤامرة والظواهر العلميّة الزائفة موجودٌ ومنتشر،ٌ حيث يُوجد 21% من الأمريكيين يعتقدون أن الحكومات تُخفي أموراً لها علاقةٌ بالفضائيين و28% منهم يعتقدون أن هناك نخبةً سلطويّةً تتهيَّأ لإنشاء نظامٍ عالميٍّ جديد (NWO)، ولكن العجيب فعلاً هو إيمان 14% منهم بذي القدم الكبيرة "Bigfoot" ... ياللغرابة!
Image: https://i.ytimg.com/vi/n5_zk-QWCw8/hqdefault.jpg
ويبقى السؤال، لماذا يصدق البعض تلك التفاهات؟
لعلَّ الإجابة تكمُنُ لدى بحثٍ نفسيٍّ جديدٍ وَجَدَ أنَّ هنالك علاقةٌ بين أنواع القناعات الشخصيَّة والإيمان بنظريات المؤامرة والعلوم الزائفة وكذلك التصديق بالخوارق مع الترابط فيما بينهم وهذا ما يطرح سؤالاً في بالنا: كيف يُمكن تفسير تلك النتائج؟
إنّ تصديقَ البشرِ بتلكَ التُّرهات هي ما يجعلُ المنجّمين بأفكارِهِم وكأنهم من عالمٍ آخر وهذا ما يُسمى بالتفكير السحري "magical thinking" والذي يقعُ ضمن مصطلحٍ آخرٍ يُسمى التفكير الإدراكي أو المعرفي "cognitive styles" الذي يُعنى بالطريقةِ التي نُفكر بها وتجعل العالم يمتلئ بِحِسِّ الحياة. وفي الحقيقة يكمنُ ذلك في الطريقةِ التي نفكر فيها حول الأشياء أو ما لا يستطيع الوصول إليه تفكيرنا (ما نفشل بفهمه).
التفكيرُ المعرفيّ :
أوردَ باحثان من جامعة تولوس في فرنسا في تحقيقٍ لهما نماذجَ وأشكالَ التفكير الإداركيّ (المعرفي) وقُدرته على التنبُّؤ بمدى التصديق بالخوارق وذلك بعد اختيار عيناتٍ كانت لهم تجربة حادثة غريبة.
كيف درس العلماء ذلك؟
صمَّمَ الفريقُ عدداً من التجارب الذَّكيَّة لاختبار فرضيتهم وفي التجربة الأولى استدعى العلماء مجموعةً من الطَّلبة لحضور تجربةٍ للتَّنبؤ بالشخصيات في حَرَمِ الجامعة .وبعد التزوُّد بتواريخ ميلادهم ، تم تسليمهم وصفاً دقيقاً لشخصياتهم تبعاً للأبراج والنجوم التي ترتبط بالتواريخ، وفي الواقع تمَّ إعطاءُ كلِّ شخصٍ عشرُ جُمَلِ بارنوم "Barnum" تُعبر عن حقيقة شخصية كلٍّ منهم مثل (أنت تحتاج أن يحبك الناس لكن لديك شكوكٌ حول ما تفعله إنْ كان القرارُ المناسب أم لا ) ثم طُلِبَ من الجمهور أن يُحلَّلوا مدى صحة الوصف الذي أُعطي لهم .
أشادَ الكثيرُ منهم بتطابق الجُمل مع شخصياتهم الحقيقية، ولكن هل هذا صحيح؟
خضعت العيَّنةُ المُختارة قبلَ هذا الاختبار لاختبارٍ آخرَ يُسمى اختبارَ الانعكاس المعرفي "CRT" حيث يشبه هذا الاختبار في مضمونه استبيانَ الإيمان بالخوارق؛ يُكوَّن من ثلاث خاناتٍ بسيطةٍ تقيسُ مدى حدسية التفكير ومدى انعكاسه (هل أنت حدسي(بديهي ) أم انعكاسي ) لنعرف ذلك انظر إلى هذا المثال:
لنفترض أنَّ كرة سلة وخفاش معًا تساوي 1.10 دولار والخفاش لوحده يساوي دولاراً واحداً أكثر من الكرة، فكم سعر الكرة؟
الجواب السريع والبديهي الذي سيأتي لمعظم الأشخاص هو 0.10 دولار، ولكنَّه إجابةٌ خاطئة. إنْ كنت قد فكَّرت بهذا الرقم فأنت بديهيٌ لكن هناك أشخاص يتجنبون الإجابة الأولى التي تأتي إلى أذهانهم ويُطلق عليهم ذوي التفكير الانعكاسي (إن كنت فضولي فالإجابة هي 0.05دولار )
Image: http://toppersworld.com/wp-content/uploads/2016/03/24-bat-basketball-logo-desing.jpg
انعكاسيُّ أم بديهي!
وجدَ الباحثون أن المفكِّرين بحدسيَّةٍ اعترفوا أنَّ تلك المعلومات تَصِفُ شخصياتهم بشكلٍ واضحٍ، بينما الأشخاص ذوي التفكير الانعكاسي شككوا في صحة جمل "بارنوم" وتكهَّن الباحثون أنه رغم التناقض بين العقول الانعكاسية والعقول البديهية إلا أنهم يقبلون خبرتهم الغريبة كدليلٍ لوجود الظواهرِ الخارجيةِ ولاختبارِ دافعِ هذا التفكير، قرر الباحثان اختبار تجربةٍ أخرى .
في التجربة الثانية، اختيرت مجموعةٌ أخرى من الطّلبة لكن هذه المرة تم إخبارهم أن الغرض من هذا الاختبار هو فحصُ وقياس التخاطر ولتسهيل المهمة تم تعيينُ شخصٍ مزيفٍ ليُمثِّل أنَّه قارئٌ للأفكار. خلال التجربة طلبَ من الحضور اختيارَ بطاقةٍ من مجموعِ خمس بطاقاتٍ ليقوم قارئ الأفكار بقراءة ما يَلُوحُ في أذهان الطَّلبة وتخمينِ ماهيَّة البِطاقة التي تمَّ اختيارها، ثم سُئِل الحضور فيما بعد عن كيفية تفكيرهم بهذا الأمر، هل هو نتيجةٌ للحظ أم احتمالاتٍ أو تفسيرٍ غير علميٍّ مثل التصورات التخيلية "extrasensory perception" كالحاسة السادسة ( هل تتمتع بها؟) لمعرفة المزيد عن الحاسة السادسة انقر هنا
أظهرت نتائجُ تلك التجربة أن المُفكّرين غير الإنعكاسيين ( الحدسيين ) سيجدون في التصورات التخيُّليَّة( الحاسة السادسة ) تفسيراً لخبرتهم الغريبة، ولكن المُفكرين الانعكاسيين سيرونها حظاً إحصائياً أو نتائجَ إحصائية نابعة من الحظ.
لكن ما يُثير الاهتمام فعلاً أنَّ هنالك سؤالٌ لم يُجيب عليه الباحثان خلال التحقيق ألا وهو لماذا تكون العقول الحدسية أقدرَ على تبني التفكير السِّحري؟
يُمكن لعلماءِ النَّفس المعرفيَّ أن يُقدموا توضيحاً ممكناً كإجابةٍ لهذا السؤال، تتمثلُ في التضليل بالتزامن "The conjunction fallacy" وهو مصطلحٌ صِيغَ من قِبل علماء النفس دانييل كاهينمان وأموس تفيرسكي، وببساطة يَصِفُ هذا المصطلح الخطأ المتسبِّبَ في أنَّ البشرَ يعتقدون أن بعض الحالات هي أفضل من حالةٍ عامةٍ أخرى.
وعلى سبيل المثال :
(أ) ليندا تستطيع التنبؤ بالمستقبل .
(ب) ليندا تستطيع التنبؤ بالمستقبل وقراءة الأفكار أيضاً (التخاطر)
منطقياً، إنّ احتمال ترابط الحدثين مع بعضهما البعض أقلُّ أو يساوي احتمال أن يكون الحدث وحده، بمعنى آخر على الرَّغم من أن الجملة (ب) قد رسمت إحساساً بأنها معقولةٌ بالنسبة للفَهم الخاطئ أو التضليل الحاصل لحدثَيْنِ مُهمَّين هما الإستبصار وقراءةُ الأفكار، وقوانين الإحتمالات تقول أن ليندا تستطيع فعل شيئين سحريين أقل أو يساوي احتمال فعلها لشيءٍ واحدٍ بمفرده.
ويُظهر بحثٌ حديثٌ أن الأشخاص الذين يُناصرون أفكار الخوارق وتصديق المؤامرات هم
أكثرُ عرضة لل"The conjunction fallacy" فمثلاً الأشخاص الذين يُؤيدون نظريات المؤامرة حول نفس الحدث هو نفسه الإيمان بأن مؤامرةً واحدةً هي دليلٌ على الإيمان بمؤامرةٍ أخرى، واحتمل أن تفسيرين أو أكثر من تفسيرات التآمر في أحداث العالم هي صحيحةٌ وفي الوقت نفسه غير محتملة الحدوث، وربما التصديق بخارقة واحدة يؤدي إلى التصديق بالأمور السحرية المصادفة التي تحدث ( هذا ليس من قبيل المصادفة )
وربما تتسائل لماذا يقتل السحر؟
عليك أن تتذكر أن ليس كلّ شيء سيُفسَّر بالعلم فالمعلومات الخاطئة في هذا النوع يُمكن أن تؤذي، حيث أثبتت دراسةٌ حديثةٌ أنه عند مشاهدة أشخاصٍ لفيديو حول المؤامرة لمدة دقيقتين، أثر ذلك على قبولهم للعلم وكذلك المشاركة المجتمعية وانتماءاتهم اتجاه بلادهم وهذا ما يُسمى بتأثير المؤامرة "conspiracy-effect". وعلى الرغم من أنَّ الباحثين لا يستطيعون قياس النمط المعرفي، إلا أن المفكرين غير الانعكاسيين أكثرُ عرضةً للمعلومات الخاطئة من غيرهم.
وتُماثل هذه المعلومات ما لاحظه الفريق الفرنسي حول احتمالية تعرُّض الأفراد الانعكاسيين إلى الحيل الماكرة بشكلٍ كبيرٍ، ويُمكنك أن تُلاحظ أن الملايين من الدولارات تُدفع للأشخاص الذين يقرؤن الأفكار أو يتحدثون إلى الموتى.
هل يوجد طريقة لحماية البشر من الألاعيب المتعلقة بالتفكير السحري ؟
نعم، هناك طريقة اقترحتها دراسةٌ تتمثّل بربط التصديق الحدسي بالأمور ودمجها مع العمليات الإحساسية ووفقاً لذلك بيّنت دراسةٌ حديثةٌ أخرى أن إعداد البشر للتفكير بفعاليّة يُقلل الميول للاشتراك في تلك الأمور مثل التفكير التآمري. فمن المهم أن نُلاحظ أنّ التفكير الحدسي و التفكير الانعكاسي كلٌّ على حدى هو الأفضل دائماً، ولكن أن يعملا معاً هو أفضل الخيارات .
وعندما يكون أمامنا العديد من الخيارات فإن الاعتماد على الشعور الغريزي الفطري يمكن أن يكون مفيداً، والخدعة الحقيقة هي معرفة متى يُمكن أن نعتمد على الحدس الخاص بنا أو متى يكون علينا أن تستخدم قوانا التحليلية لفهم الأمور. وعلى الرغم من أن حدسنا يخدُمُ مصالحنا في بعض الحالات إلا أنه علينا الاستفادةُ من القليل من التفكير الانعكاسي عندما نريد اتخاذ قرار قبول تفسيراتٍ غريبةٍ تحدثُ في حياتنا .
المراجع :
1- van der Linden، Sander.2015. Those who favor Bigfoot، UFOs and ghosts share a thinking style.1 September. Scientific American {accessed 10 June 2016} available from:
هنا
2- Lobato، Emilio. Mendoza، Jorge. Examining the Relationship Between Conspiracy Theories، Paranormal Beliefs، and Pseudoscience Acceptance Among a University Population. Applied Cognitive Psychology. Volume 28، Issue 5، pages 617–625، September/October 2014
هنا
3- هنا
4- Non-Reflective Thinkers Are Predisposed to Attribute Supernatural Causation to Uncanny Experiences. Pers Soc Psychol Bull July 2015 41: 955-961
هنا
هنا
5- هنا
6-هنا
7-van der Linden، Sander. The conspiracy-effect: Exposure to conspiracy theories (about global warming) decreases pro-social behavior and science acceptance. Personality and Individual Differences. Volume 87، December 2015، Pages 171–173.Science Direct
هنا
8-Swamia، Viren. Voracekb، Martin. Stiegerb، Stefan.S. Tranb، Ulrich. Furnham. Adrian. Analytic thinking reduces belief in conspiracy theories. Cognition. Volume 133، Issue 3، December 2014، Pages 572–585.Science Direct .
هنا