التغيّر المناخي يُنذرُ سكانَ منطقتنا بالهجرة!
الطبيعة والعلوم البيئية >>>> علم البيئة
قام باحثونَ من معهد ماكس بلانك للكيمياء ومعهدِ قبرص بدراسةٍ جديدة؛ خَلُصَت إلى أنّ التغيرَ المناخي الذي نشهده بوضوحٍ في منطقة الشرقِ الأوسط وشمالِ إفريقيا سيتسبّب في الهجرة من أجزاءٍ كبيرةٍ ضمنَ موطِن أولى الحضارات الإنسانية هرباً من آثاره الكارثية، ويؤكد الباحثونَ على أنّ التغيرَ المناخي سيؤثرُ بشكلٍ كبيرٍ على البيئة والصحةِ البشرية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والتي تضم أغلبَ الدول العربية، وتعدُّ موطناً لأكثرَ من نصفِ مليارِ نسمة، وسيجعل ظروفَ الحياةِ فيها أسوأ، لأنّه سيزيدُ من عدد الأيامِ الحارة ومن مدّةِ تعرّضِ المنطقة للموجات الحارة والعواصفِ الغبارية الصحراوية، خصوصاً في فترة الصيف التي تتميزُ أصلاً بالحرارة العالية؛ مما سيجعلُ بعضَ المناطقِ فيها غيرَ صالحةٍ للسكن.
________
كيف أُجريَت الدراسة؟
كانَ هدفُ الدراسة استقصاءَ كيفيةِ تَنَامي درجةِ الحرارة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال القرنِ الحادي والعشرين، وذلك بمقارنةِ النتائج المتوقَّعةِ في فترتي منتصف ونهاية القرن الحادي والعشرين، مع بياناتٍ مناخيةٍ مُوَثّقَةٍ تعودُ إلى فترةٍ مرجعيّةٍ من الماضي القريب (تمتدُ ما بين عامي 1986 و2005). قسّمَ الباحثون منطقةَ الشرق الأوسط وشمالِ إفريقيا إلى أربع مناطقَ فرعية، وقاموا في البداية بمقارنةِ بياناتِ المناخ لهذه المناطقِ خلال الفترة المرجعيّة، مع تنبؤاتِ النماذج المناخية وعددُها ستةٌ وعشرون نموذجاً خلالَ ذاتِ الفترة.
ولأنّ تنبؤاتِ النماذجِ أظهرتْ ارتباطاً قوياً مع البيانات الحقيقيةِ المُقَاسة، فقد استــُــخدمت هذه النماذج لتوقُّعِ الظروفِ المناخية للفترتين المستقبليتين في منتصف القرن الحادي والعشرين (ما بين عامي 2046 و2065)، وفي نهايته (ما بين عامي 2081 و2100)، ومقارنتِها مع الظروف المناخية المُسجلةِ في الفترة المرجعية (بين عامي 1986 و2005).
أستندَ الباحثونَ في حساباتهم على سيناريوهينِ مستقبليينِ اثنين لمساراتِ التأثير الإشعاعي المعروفةِ بمسارات التركيز التمثيلية Representative Concentration Pathways (RCPs)، والتي كانَ قد حدّدها تقريرُ التقييم الخامسُ للهيئة الحكومية الدولية المَعنيةِ بتغيُّرِ المناخ IPCC عامَ 2013، وهما:
1- السيناريو الأول RCP4.5: ويَفترضُ أنَّ الانبعاثاتِ العالميةَ لغازاتِ الدفيئة ستبدأُ بالانخفاض بحلول عام 2040، وأنَّ الأرضَ ستخضعُ في نهاية القرن الحادي والعشرين لاحترارٍ ناتجٍ عن تأثيرٍ إشعاعيٍّ يُقدّرُ بحوالي 4.5 واط لكلّ مترٍ مربع.
ويرتبطُ هذا السيناريو بشكلٍ وثيقٍ مع الهدف الذي وضعته قمةُ الأمم المتحدة للمناخ الأخيرة، والذي يؤكدُ على ضرورة تقييد الاحترار العالمي بأقلّ من درجتين مئويتين.
2- السيناريو الثاني RCP8.5: يفترضُ استمرارَ انبعاث غازات الدفيئة دون قيود، مما سيسببُ خضوعَ الأرض لتأثيرٍ إشعاعي في نهاية القرن الحادي والعشرين بمعدلِ 8.5 واط لكل متر مربع، ولذلك يُدعى "سيناريو بقاء الأمور على حالها".
في هذا السيناريو ستزدادُ درجة الحرارة السطحية الوسطية للأرض لأكثرَ من 4 درجات مئوية مقارنةً بالأحقاب قبل الصناعية.
نتائجُ الدراسة:
تدعو النتائجُ للقلق من ناحية ارتفاع درجة الحرارة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ويمكن تلخيصها فيما يلي:
أولاً: ستزدادُ درجات الحرارة الصيفية في المنطقة إلى أكثرَ من الضعفين، حتى لو ازدادت درجة حرارة الأرض بمعدل درجتين مئويتين فقط مقارنةً مع الحقبة قبلَ الصناعية (أي وفقاً للنموذج الأفضلِ لمسارات التركيز التمثيلية RCP4.5).
ثانياً: بحلول منتصف القرن 21، لنْ تقلَّ درجاتُ الحرارة خلال الفترات الأكثرِ حرارةً عن 30 درجة ليلاً، وقد تصلُ حتى 46 درجةً نهاراً. وفي نهايةِ القرن، قد ترتفعُ درجاتُ الحرارةِ في منتصف النهار في الأيام الحارة حتى 50 درجةً مئوية.
ثالثاً: يُتَوَقَّع أنْ يزدادَ تَكرارُ الموجات الحارةِ بحوالي عشرةِ أضعاف ما هي عليه الآن، كما يُتوقَّع أنْ تصبحَ مدةُ موجاتِ الحرارة في المنطقة أطول وبشكلٍ كبيرٍ جداً.
وحتى لو استمرَ انخفاضُ انبعاثاتِ غازاتِ الدفيئة بعدَ عام 2040 (أي وفقاً للسيناريو الأول RCP4.5) فإنّ عدد الأيام ذاتِ الحارة العالية جداً يُتوقعُ أنْ يزدادَ من معدّل 16 يوماً في السنة خلالَ الفترة المرجعية (أي بين عامي 1986 و2005) إلى 80 يوماً في السنة بحلول منتصف هذا القرن، و118 يوماً في السنة بحلول نهاية هذا القرن.
أمّا إذا استمرَّ انبعاثُ غازات الدفيئة بالمعدلِ الذي تنبعثُ فيه اليوم (أي وِفق النموذج RCP8.5)، فإنّ عددَ الأيام الحارة جداً قد يرتفعُ لأكثرَ من 200 يوم.
النتيجة الرابعة: ستشهدُ منطقة الشرق الأوسط وشمالِ إفريقيا الارتفاعَ الأعلى لدرجات الحرارة في فصول الصيف الحارةِ أصلاً، حيث يُتوقع أنْ يكونَ الارتفاعُ الأكبرُ لدرجات الحرارة في هذه المنطقة وفي كلا السيناريوهين (RCP4.5، وRCP8.5) خلال فترة الصيف، حيثُ يكونُ الجو بطبيعته حاراً جداً، وذلك على خلاف باقي أجزاء الكرة الأرضية التي ستكون الزيادةُ الأكبرُ لدرجات الحرارة فيها خلال فترة الشتاء.
ويُعزى هذا للتضخيم الحراري الذي تقومُ به الصّحاري في هذه المنطقة كالصحراء الكبرى، حيث أنّ الصحاري لا تحتجزُ الحرارةَ بشكلٍ جيد، بالتالي لا يمكنُ أنْ يَبْرُدَ سطحها الحار والجاف لدى تبخّر المياه الجوفية، ولأنّ الإشعاعَ الحراري هو من يضبطُ توازنَ الطاقة السطحية؛ فإنّ أثرَ غازات الدفيئة وبخارِ الماء سيزدادُ بشكلٍ غيرِ متناسبٍ ما بين الصحراءِ والمناطقِ الأخرى.
لنْ تقفَ الأمور عند هذا الحد!
بالإضافة إلى نتائج هذه الدراسة، كان فريقُ البحث قد نشر مؤخراً ما توصّل إليه حول زيادة تلوث هواء الشرق الأوسط بالجزيئات الدقيقة (الدقائقيات)، فقد وثّقَ ازديادَ غبار الصحراء في الجو فوق السعودية والعراق وسورية حتى 70% منذ بَدْء هذا القرن، ويُعزى هذا بشكلٍ رئيسي إلى زيادة العواصف الرملية نتيجةَ الجفاف الذي استمرَّ لفتراتٍ طويلةٍ في هذه المنطقة، والذي يُتوقع أنْ يساهمَ التغيرُ المناخي في زيادته؛ مما سيزيدُ الظروفَ البيئيةَ في هذه المنطقة سوءاً.
(للاطلاع على نتائج هذه الدراسة: هنا)
ومن خلال ما تَقَدّم، نجدُ أنّه بغض النظر عن السيناريو الذي سينجمُ عن التغير المناخي، فإن تدهوراً كبيراً في مناخ الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قادمٌ لا محالة، وسيكون لذلك عواقبُ وخيمةٌ على الصحّة البشرية والمجتمع، وبالنتيجة قد يُضطرُّ الكثيرُ من الناس لمغادرةِ مناطقهم عاجلاً أو آجلاً.
للاطلاع على الدراسة الكاملة: هنا
هنا