سلسلة "كيف يعمل جسم الإنسان؟" - الجهاز العصبي: الدماغ (الجزء الثاني)
الطب >>>> كيف يعمل جسم الإنسان؟
لمحة فيزيولوجية:
على الرغم من وزنه وحجمه الصغيرَيْن، يستهلك الدماغ 20% من أوكسجينِ وسكر الدم ليحافظ على وظيفةٍ سليمة وصحيحة، وذلك نظراً لدقةِ الوظائف التي يقوم بها الدماغُ وتعقيدِها. وأيُّ نقصٍ أو انقطاعٍ للدم عن الدماغِ سيؤدي وبشكلٍ سريعٍ إلى أعراضٍ عديدة، كاضطرابِ الوظيفة الدماغية أو عدمِ التوجهِ "عدم معرفة الزمان أو المكان أو الأشخاص" أو حتى فقدانِ الوعي. فما هي الوظائف التي يقوم بها ذلك الصندوق الصغير؟
1- استقبال الأحاسيس:
يتلقى دماغُنا في كل ثانية عدداً كبيراً جداً من المعلوماتِ عن حالة الجسم والوسط المحيط من كافة المستقبلات في الجسم، تنتقل تلك المعلوماتُ بمعظمها إلى الباحاتِ الحسيةِ المختلفةِ في القشرة المخية، كالباحةِ البصريةِ في الفصّ القفوي والباحة السمعية في الفصّ الصدغيّ وغيرها، ليكوّن الدماغُ فكرةً عن حالةِ الجسم الداخلية والخارجية. بعض هذه المعلومات الحسية تُخبِر الدماغَ عن نظم القلب ومعدل التنفس وحرارة الجسم وضغط الدم وغيرها من الإحساسات التي يدركها الدماغ دونَ وعيٍ منا، والقسمُ الآخرُ من المعلومات يخبرُ الدماغ عن أحاسيسَ ملموسةٍ فينا كالمعلومات البصرية والسمعية واللمسية والشمية والذوقية.
2- الأوامر الحركية:
توجد باحةُ الأوامرِ الحركية في القشرة المخية أيضاً، في مقدمة الفص الجداري، وبعد أن يتلقى الدماغُ المعلوماتِ الحسيةَ ويعالجها، يصدرُ أوامرَ من هذه الباحةِ إلى العضلات الإراديةِ وغير الإراديةِ استجابةً لهذا الحس. يتحكم دماغُنا بشكلٍ مباشرٍ بغالبيةِ العضلات في جسمنا، حيث تتحكم القشرة المخية بمعظم العضلات الهيكلية "العضلات التي نتحكم بها إرادياً" بينما تتحكم المادة الرمادية في جذعِ الدماغ والنوى القاعدية بالعضلات الملساء "العضلات التي لا نستطيع التحكم بها إرادياً كعضلة القلب أو الحجاب الحاجز أو عضلات المعدة وغيرها" وتحد من الحركات غير المرغوب بها.
3- المعالجة:
كما قلنا سابقاً، تصل المعلومات الحسية إلى الدماغ وتنتقلُ إلى باحات المعالجةِ، حيث يتفحصها الدماغ ويحاول مقارنتها مع معلوماتٍ أو تجاربَ سابقة لتزود الدماغ بأدقِّ صورةٍ ممكنة عن هذا الإحساس أو غيره، ثم تعملُ هذه الباحةُ على إخراجِ الأمرِ الحركيّ الأنسب "قد يكون الأمر إفرازياً وليس بالضرورةِ حركةً فقط" ليُطلَق هذا الأمر من الباحات الحركية. لا تقتصر مهمة المعالجة على حدوث التنبيه والاستجابة له، بل تلعب الباحات دوراً هاماً في في تكوين أفكارنا وخططنا وشخصياتنا.
4- التعلم والذاكرة:
تُخزَّن المعلومات في دماغنا بطرائقَ مختلفة تبعاً لمصدر هذه المعلوماتِ ومدةِ حاجتنا لها، لتُـقسَم ذاكرتُنا إلى ذاكرة قصيرة الأمد وأخرى طويلة الأمد. تبقى المعلومات في الذاكرةِ قصيرةِ الأمد لفترةٍ قصيرةٍ جداً والمعلومات الحديثة تحلُّ محلَّ القديمة، لتُنسى تلك الأخرى عند تشكل ذكريات أحدث، وكل ذلك خلال ثوانٍ إلى دقائقَ معدودةٍ ما لم تنتقل تلك الذكرياتُ إلى الذاكرة طويلة الأمد. عند الحاجة للمعلوماتِ أو تكرارِها مجدداً ومجدداً تنتقل تلك المعلوماتُ إلى الذاكرةِ طويلةِ الأمد في الحصين لتُخزَّن هناك، أما الذكريات المتعلقة بالوظائف الحركية كقيادة السيارة والسباحة والمشي في الطفولة فتخزَّن في النوى القاعدية.
5- التوازن والاستتباب:
لا نقصدُ بالتوازنِ هنا توازنَ الجسم وعدمَ سقوطه "ولو أنها وظيفة المخيخ"، وإنما وجودُ حالةِ توازنٍ واستقرارٍ في وظائف الجسم، كالوظيفةِ التنفسية وضغطِ الدم وانتظامِ نظم القلب ومستوياتِ الهرمونات ضمن الدم، أو مثلاً الجوعُ والعطشُ والنعاسُ وغرائزُ أخرى. وجودُ هذه الوظائفِ وغيرها بحالةٍ مستقرة ومستتبة هو من وظائف الدماغ، وتحديداً وظيفةُ الوطاء والبصلة السيسائية.
6- النوم:
يعتقدُ البعضُ أن النومَ هو مرحلةُ راحةٍ للدماغ، إنما وعلى العكس تماماً ينشطُ الدماغُ بشكل كبير خلال النوم، حيث يتحكم الوطاءُ بالساعة البيولوجية. وعند إعلان الساعةِ البيولوجية موعدَ النوم تُرسَل المعلومات إلى جذع الدماغ لينقصَ تحفيزَه للقشرة المخية، والذي يولد بدوره شعوراً بالنعاس يقود إلى النوم.
عند النوم يتوقف الدماغُ عن مراقبةِ حالة الوعي للجسم، ويُنقِص من حساسيةِ بعض المستقبلات الإرادية ويرخي العضلات الهيكلية، ويكمل مهامه بهدوء، كتخزين الذكريات، الأحلام وتطور النسيج العصبي!
7- المنعكسات:
المُنعكَس هو استجابةٌ لا إراديةٌ لمنبهٍ داخلي أو خارجي، وهنالك العديدُ من المنعكَسات التي يتحكم الدماغُ بها كتوسع وتضيق الحدقةِ مع الضوء، العطاس، السعال. بعض المنعكسات يكون للحماية من خطر "كالسعال الذي يكون لتنظيف الطرق الهوائية مما علق بها" أو لمساعدة الجسم "كتوسع الحدقة في الظلام لمحاولة إمرار أكبر قدر من الضوء إلى العين والرؤية قدر الإمكان"، وفي كلا الحالتين، لا يمكن لنا أن نتحكم بتلك المنعكسات إرادياً.
لمحة مرضية:
تأتي اضطراباتُ الدماغِ وأمراضُه بأشكالٍ مختلفةٍ ومتعددة؛ كالرضوض والالتهابات والجلطات والنوبات الدماغية، أما أورامُ الدماغ فتأخذ حيزاً كبيراً من الاضطرابات. وفي هذه الفقرة سنستعرض بعض الخطوط العريضة:
النوبات الدماغية:
يعد الصرعُ أحدَ أهمِّ مسببات النوبات الدماغية، وهو واحدٌ من الأذيات الدماغية الناجمة عن نشاطٍ كهربائيٍّ شديدٍ وغيرِ طبيعيّ في الدماغ. كما من الممكن لرضوض الرأس والالتهابات والجلطات أن تسبب الصرع أيضاً!.
الرضوض "الأذيات الرضية"
- ارتجاج الدماغ: يؤدي ارتجاج الدماغ إلى اضطراب مؤقت في وظيفة الدماغ، قد يترافق مع فقد الوعي الارتباك. وقد يتظاهر ارتجاج الدماغ أحياناً بالصداع مع مشاكل في الذاكرة والتركيز.
- نزيف داخل الدماغ: قد يحصل النزيف بعد رضّ أو حادث معين، أو نتيجة انفجار جلطة ما "بعد ارتفاعٍ في ضغط الدم مثلاً".
أورام الدماغ:
تشملُ أورامُ الدماغِ كلَّ نموٍّ نسيجيٍّ غيرِ طبيعي داخل الدماغ، سواء أكان هذا النموّ حميداً أو خبيثاً. وتأتي خطورةُ أورامِ الدماغ بنوعيها من احتماليةِ ضغطِها على بنى دماغيةٍ هامةٍ قد تؤدي لاحقاً إلى تعطيلها أو التأثير على عملها.
أذيات الدماغ الوعائية:
- الجلطات: تشكلُ خثرةٍ في أحدِ الأوعية الدموية المغذية للدماغ، مما يؤدي إلى نقصانِ أو انعدامِ مرور الدم والأوكسجين إلى منطقة معينةٍ من الدماغ يرويها ذلك الوعاء، وبالتالي موتها. لا يقتصرُ خطرُ الجلطةِ على موت تلك المنطقة من الدماغ أو أذيتها، فأذيةُ تلك المنطقة أو موتها سيؤدي إلى أذيةِ العضو أو الطرف الذي تتحكم به وتعصبه، وبالتالي اضطرابُ وظيفته أو فقدانها.
- أمهات الدم الدماغية: في حالِ وجود منطقة ضعيفةٍ في جدار أحد الشرايين المغذية للدماغ، يمكن لهذه المنطقة أن تنتفخ كالبالون وتمتلئ بالدم. وفي حال انفجار أم الدم هذه ستنتشر الجلطات والخثرات الصغيرة في فروع هذا الشريان.
- النزيف فوق الجافية وتحت الجافية: خطرهما كخطر الأورام من حيث تجمع الدم والضغط على الدماغ أو أحد أجزائه.
أذيات الدماغ المناعية:
- التصلب اللويحي المتعدد (MS): يهاجم الجهازُ المناعيّ في هذا المرضِ أعصابَ الجسمِ نفسَه مسبباً أذيتها، مما يؤدي لتشنجِ العضلاتِ والتعبِ والضعف. يمكن لتلك الأذية أن تكونَ نوبيةً تحدث كل فترةٍ وأخرى، أو قد تتطور الإصابة وتتفاقم بشكل ثابت.
- التهاب الأوعية الدموية: يؤدي التهاب الأوعية الدموية المغذية للدماغ إلى نوباتٍ وصداعٍ وارتباك، وقد تصل الحالة إلى نوبات فقدان وعيٍ أيضاً.
أذيات الدماغ التنكسية العصبية:
- داء باركنسون: تؤدي الإصابةُ بداءِ باركنسون إلى أذيةِ الأعصابِ في المنطقة المركزيةِ من الدماغ وانحلالها، مما يؤدي إلى اضطراب وظيفتيّ الحركة والتنسيق. تتمثل علاماتُ المرض الباكرةُ بارتعاش اليدين، تصلب الأطراف والجذع، بطءِ الحركة وصعوبة الحفاظِ على وضعية ثابتة.
- ألزهايمر: تبدأ الأعصاب في مناطقَ محددةٍ في الدماغ بالانحلال لأسباب غيرِ معروفة، مما يؤدي إلى ضياعٍ مستمر ومتزايدٍ في الذاكرة والوظيفة الدماغية، وتغيرٍّ في السلوك والشخصية. يعتقد أن لتراكم النسج غير الطبيعية في بعض مناطق الدماغ "مثل اللويحات والمشابك" دوراً في حدوث هذا المرض.
كلا المرضين السابقين لا علاج لهما حتى الآن.
مقالات ذات صلة:
أنماُط الذَّاكرة والنشاط الدماغي هنا
أورام الدماغ عند الأطفال هنا
داء باركنسون:
هنا
داء ألزهايمر هنا
العتاهة Dementia:
هنا
التصلب اللويحي المتعدد Multiple Sclerosis:
هنا
السكتة الدماغية Stroke:
هنا
رضوض الرأس عند الأطفال Head trauma:
هنا
كما يمكنكم قراءة مقالات أخرى ضمن سلسلة "كيف يعمل جسم الإنسان؟":
هنا
المصادر:
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا