PETRONAS Twin Towers أطول برجين توأمين في العالم
العمارة والتشييد >>>> التشييد
برزت الحاجة إلى بناء البرجين مع حضور النزعة إلى التطوير التي بدأت بها الحكومة الماليزية لتحويل ماليزيا من بلد يعتمد اقتصادياً على الموارد الخام إلى الاعتماد على الصناعة والإنشاء بحلول عام 2020 حيث تبنت حكومة مهاتير بن محمد آنذاك ترجمة مبادئ الإسلام بما يخدم المعرفة التقنية الغنية، ومن هذا المنطلق أُعلنت المسابقة في عام 1990 فازت فيها شركة أميريكة بمشروع "مدينة مثالية ضمن المدينة" بكلفة 2 بليون دولار لينهض بمركز مدينة كوالالامبور ذي المساحة 405 ألف متر مربع (40.5 هكتار) وقد تضمنت المرحلة الأولى من تنفيذ هذا المشروع بناء البرجين التوأمين.
كيف مزجت الثقافات لتعطي الشكل المعماري للبرجين:
يعتبر تصميم هذين البرجين مزيجاً بين التراث الإسلامي والثقافة الماليزية حيث صُممت الصفيحة الطابقية "البلاطة" للبرج بالاعتماد على أنماط معمارية تعود للتراث الإسلامي، فهي عبارة عن شكل نجمي ذي 8 نقاط انكسار مشكل من تراكب مربعين فوق بعضهما وذي وصلات دائرية صغيرة بين نقاط التقاء المربعين ويرمز هذا الشكل للوحدة والتناغم والاستقرار والعقلانية وهي مبادئ سامية في الإسلام، كما تضمن التصميم زخارف ماليزية معاصرة مقتبسة من الحرف التقليدية اليدوية مثل : ال Songket وهي زخرفات تعود للثقافة الماليزية و الإندونيسية تُنقش على الأثواب والحرير إضافة إلى المنحوتات الخشبية التي تعود لثقافة البلاد، لتعطي خليطاً بين التراث الإسلامي والثقافة الماليزية.
ولزيادة المساحة القابلة للاستثمار وتجاوز مشكلة المساحات المحجوزة للخدمات والانتقال التي تواجه ناطحات السحاب تم إضافة امتداد (ملحق) لمسقط كل برج ابتداء من الأرض وحتى الطابق 44.
Image: Cesar Pelli & Associates.
هيكل إنشائي بسيط، مواد بناء متوفرة، ووثوقية تنفيذ:
إن الهيكلية الإنشائية للبرجين اعتمدت في أساسياتها على وجود نواة مركزية وأعمدة محيطية وجوائز حلقية وأساسات وتدية من البيتون المسلح عالي المقاومة يصل في بعض الأماكن إلى 80 ميغاباسكال، يخفف البيتون تكلفة البناء بشكل كبير مقارنة بالفولاذ كما يؤدي وزنه النسبي الكبير إلى لعب دور المخمد بدلاً من الاستعانة بعناصر تخميد مضافة إلى المنشآت المعدنية كما يحدث عادة في تصميم ناطحات السحاب.
بالإضافة إلى البيتون تم استخدام الصفائح المعدنية لبلاطات الأرضيات لتخفيف الوزن وتسهيل قابلية تعديل التقطيع المعماري للطوابق بالإضافة إلى زيادة ارتفاع الضوء "تخفيف الارتقاع الطابقي المحجوز لتمرير التمديدات الخدمية المختلفة"، و لم يتمكن المصممون من الاستغناء عن المقاطع الفولاذية في بعض أجزاء البرجين كالجسر السماوي والقمة، لتلبية المتطلبات المعمارية المعقدة بوزن خفيف وسرعة وسهولة في التنفيذ، وزيادة دقة التنبؤ بتشوهات الزحف مع الزمن.
تنتقل الحمولات من الصفائح المعدنية للبلاطات إلى الجوائز الحلقية ومن ثم إلى أعمدة دائرية موزعة بشكل دائري على محيط المبنى ويبلغ عددها 16 عمود تتراوح أقطارها بين 2.4 متر إلى 1.2 متر على محيط المسقط الرئيسي و 12 عمود تترواح أقطارها بين 1.4 متر إلى 1 متر على محيط المسقط الملحق، كما صممت الجوائز الحلقية مدببة أو فخذية Tapered or Hunched " متغيرة السماكة على محور امتدادها في بعض المناطق لتحقق شروط المتانة.
أما النواة الخرسانية فتتمثل وظيفتها الأساسية في تحمل أحمال الرياح والزلازل إضافة إلى ذلك توضع المصاعد وأدراج المخارج والمعدات الميكانيكية فيها، و تتراوح سماكة جدرانها بين 75 سم و 35 سم.
وللتأسيس اعتُمد على أوتاد الاحتكاك حيث نُفذت قبعتا أوتاد "واحدة لكل برج" بسماكة 4.5 متر، وصُبّت كل قبعة "13.2 ألف متر مكعب من البيون" دفعة واحدة بعملية استمرت لمدة 50 ساعة متواصلة لتجنب الاختلاف الحراري الناتج عن الصب المتقطع كما استخدمت المياه المُبرِّدة لتنجنب الشقوق نتيجة ارتفاع درجة حرارة الخرسانة خلال الإماهة، بلغ عدد الأوتاد لكل قبعة 104 وتد خرساني تصل أعماقها حتى 105 متراً!.
أما العنصر الصغير ذو الشهرة الكبيرة فهو الجسر السماوي الواصل بين البرجين" SkyBridge ":
يتكون الجسر من بلاطتين معدنيتنين، و يصل بين الردهات السماوية The Sky Lobbies في الطابقين 41 و42 من كل برج، وقد أُنشِئ هذا الجسر من أجل تأمين سهولة الانتقال بين الطوابق العلوية للبرجين مع تقليل استخدام المصاعد و بالتالي التقليل من حجم أدراج المخرج التي هي في الطوابق التي تحت الجسر.
وبسبب الارتفاع العالي للجسر الذي يبلغ 170 متر عن سطح الأرض وطوله الكبير الذي يبلغ 58.4 متر فقد استخدم في إنشائه الفولاذ مما جعله خفيف الوزن وسهل الإنشاء، تستند الجوائز المعدنية الحاملة لبلاطتي الجسر على بلاطات البرجين بمساند بسيطة تسمح بالدوران والحركة الانسحابية؛ لمنع نقل الإجهادات الناتجة في الجسر عن حركة البرجين النسبية بين بعضهما إلى بلاطات البرجين.كما تستند جوائز الجسر على أربعة شدادات معدنية ترتفع انطلاقاً من الطابق 29 لتحتوي مخمداً نابضياً للإجهادات الجانبية وتلتقي لتشكل مسنداً كروياً يستند عليه جائز الجسر في منتصفه، تعمل هذه الشدادات على تأمين استناد مركزي للجسر أثناء حركة البرجين.
Image: 1997 John Wiley & Sons, Ltd.
Image: 1997 John Wiley & Sons, Ltd.
احتل البرجان المركز الأول بين عامي 1998 و 2004 إلى أن تفوق عليهما في الطول برج تايبي Taipei ومن ثم برج خليفة فيما بعد، بقي البرجان يمتعان بخصوصية كونهما التوأم الأطول في العالم مع ذلك، لكن لناطحات السحاب آثار أكبر من مجرد منافسة عالمية قصيرة الأمد:
أدت المتطلبات المعمارية للبرجين والصعوبات الاقتصادية لاستخدام الفولاذ كعنصر إنشائي أساسي إلى تطوير صناعة الاسمنت في ماليزيا ليصبح أكثر مقاومة بثلاث مرات إضافة إلى إنشاء خبرة محلية في تطبيق نظام مراقبة جودة فريد من نوعه لضمان مقاومة هذه الخرسانة.
كما تطلب الإكساء الخارجي للبرجين إدخال صناعة جديدة إلى ماليزيا وهي صناعة الستائر الجدارية من الستانليس ستيل لتغطية الاحتياج البالغ 32 ألف نافذة في البرجين، حيث اشترط على شركة أميريكة إدخال المعدات الأساسية لهذه الصناعة إلى ماليزيا،بالإضافة إلى مهمة التدريب والتعليم.
تضمن البرجان ما يقارب 214 ألف متر مربع و 186 ألف متر مربع في الملحقين كمساحة قابلة للاستثمار.
أي إن ميدالية البرجين رحلت وتركت خلفها صناعة جديدة كلياً دخلت البلاد، وتطوراً عظيماً في صناعة الاسمنت سينعكس على كامل عملية التشييد فيها، ومساحاتٍ هائلةً جاهزة للاستثمار التجاري والسياحي والخدمي.