تعدد اللغات؛ حلم له مستوياته
التعليم واللغات >>>> اللغويات
كم لغةً تتكلم؟ لغةً وحيدةً أم لغتين أم ثلاثَ لغاتٍ أم ربما عدةَ لغات؟ هل تساءلتَ يوماً بِمَ يختلف عنك أولئك الذين يتكلمون لغتين أو أكثر منذُ الطفولة؟ يصنفُ اللغويون الناطقين باللغات وفقَ مجموعاتٍ بحسبِ عددِ اللغاتِ التي يتحدثونها. فإذا أردتَ أن تعرفَ إلى أيّة مجموعةٍ تنتمي، ندعوك إلى قراءةِ مقالنا الآتي:
تتعددُ اللغاتُ وتختلفُ على امتدادِ خارطةِ هذا الكوكب، ويقدّرُ اللغويون عددَ اللغاتِ الحيّةِ اليومَ بما يقاربُ 7000 لغةٍ محكيّةٍ في مختلفِ أقطارِ الأرض، ومن ثم يختلفُ البشرُ في قدراتِهم ومواهبِهم اللغويةِ خاصةً من ناحيةِ تعدّدِ اللغات، فنجدُ من يكتفي بلغتِه الأمِّ، ونجدُ من يتحدثُ بلغتين أو ثلاثٍ وربما بعدةِ لغات. لذلك وضع علماءُ اللغةِ تصنيفاً للناطقين باللغاتِ وفقاً لعددِ اللغاتِ التي يتحدثونها نستعرضُه في السطورِ الآتية:
أحاديُّ اللغةِMonolingual : وهو الشخصُ المُتحدِّثُ بلغةٍ واحدةٍ فقط. وبحسبِ الإحصائياتِ فإنّ أغلبَ المنتمين إلى هذه المجموعةِ ينتشرون في البلدانِ الناطقةِ باللغةِ الإنكليزيةِ كالولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ والمملكةِ المتحدةِ وأستراليا، لأنّ تعلمَ لغةٍ أخرى في هذه البلدانِ أمرٌ قليلُ الأهميةِ نظراً إلى كونِ اللغةِ الإنكليزيةِ اللغةَ الأولى أو الثانيةَ لغالبيةِ سكانِ العالم. ويشكلُ أحاديو اللغةِ ما نسبتُه 40٪ من مجملِ عددِ سكانِ الأرض.
ثنائيُّ اللغةِ Bilingual: وهو الشخصُ القادرُ على التحدثِ بلغتين اكتسبهما معاً أو في وقتين مختلفين من حياتِهِ وغالباً ما تطغى إحدى اللغتين على الأُخرى. ويشكلُ ثنائيو اللغةِ النسبةَ الأكبرَ من سكانِ العالم، إذ تصلُ نسبتُهم إلى 43% ، ومنهم الأمريكيون ذوو الأصولِ اللاتينيةِ الذين يتكلمون الإنكليزيةَ والإسبانية، وكذلك سكانُ البلدانِ الناطقةِ باللغةِ الفرنسيةِ في إفريقيا، إضافةِ إلى لغاتهم الأصلية، والمهاجرون عموماً.
ثلاثيُّ اللغةِ Trilingual: وهو شخصٌ شبيهٌ بثنائي اللغةِ لكنه قادرٌ على الحديثِ بلغةٍ ثالثة. وينتشرُ ثلاثيو اللغةِ في هونغ كونغ (لغة المندرين الصينية والكانتونية أو الصينية الجنوبية والإنكليزية) والنرويج (اللغة النرويجية والسويدية والإنكليزية) والفلبين ( التاغالوغية أو لغة جزر الفلبين والإسبانية والإنكليزية) والكثير من البلدان التي تعرضت لنفوذِ أكثرِ من لغةٍ أجنبية، ويشكلُ هؤلاءِ نسبة ١٣٪ من سكانِ الأرض.
متعددُ اللغاتِ Multilingual أو Polyglot: وهو شخصٌ يستطيعُ التحدثَ بأربعِ لغاتٍ فأكثر، وهؤلاء بالطبعِ قليلون، إذ لا تتجاوزُ نسبةُ الأشخاصِ القادرين على التحدثِ بأربعِ لغاتٍ 3% من سكان العالم، في حين أنه لا تتجاوزُ نسبةُ من يتحدثون أكثرَ من خمسِ لغاتٍ الواحد بالألف. ومن البلدان التي يوجد فيها متعددو اللغاتِ بكثرةٍ سويسرا (الألمانية والإيطالية والفرنسية والرومانش والإنكليزية) والمغرب (العربية والفرنسية والإسبانية والأمازيغية والإنكليزية) ويُعدّ النفوذُ الأجنبيُّ وتنوعُ مفرداتِ اللغةِ الأمّ عواملَ بارزةً في تعددِ لغاتِ مثلِ هذه البلدان. فعلى سبيلِ المثالِ: اللهجةُ المغربيةُ غنيةٌ بمفرداتٍ أجنبيةٍ، فهي خليطٌ من المفرداتِ العربيةِ والفرنسيةِ والإسبانية، ما يمنحُ متحدثي هذه اللهجةِ الفرصةَ في أن يكونوا متعددي اللغات.
مستوياتُ ثنائيةِ اللغة:
هناك درجاتٌ متعددةٌ لثنائيةِ اللغة، فليسَ من الضروري أن تكونَ قادراً على التحدثِ باللغتين بالطلاقة ذاتها كي تنضمَّ إلى نادي ثنائيي اللغة. ففي الواقعِ من النادرِ جداً أن يتكلمَ شخصٌ لغتين معاً بطلاقةِ من يتحدثون لغتهم الأم، فمعظمُ ثنائيي اللغةِ تطغى عندهم لغةٌ على أُخرى، ولكن ذلك لا يمنعُ الطفلَ من الوصول إلى درجةٍ من ثنائيةِ اللغةِ تتناسبُ مع حاجاتِه ونمطِ حياته، فقد يكونُ الطفل ثنائي اللغة على نحو غير فاعل؛ إذ يكونُ قادراً على فهمِ لغةٍ أُخرى مع عدمِ قدرته على الردِّ والتحدثِ بها. وقد يكونُ الطفلُ ثنائيُّ اللغةِ على نحوٍ أساسيٍّ؛ إذ يستطيعُ التحدثَ مع أسرته وبعضِ البالغين ولكنهُ يبدو متأخراً عن قرنائه من أحاديي اللغة. وقد يملكُ الطفلُ قدرةً مساويةً للمتحدثين بلغتهم الأمّ فلا يمكنُ تمييزُ لغتَه المحكية عن باقي قرنائه من أحاديي اللغة. وأياً كانت درجةُ ثنائيةِ اللغةِ التي حققتها، فإن ذلك بحدِّ ذاته يُعدّ شيئاً إيجابياً وغنياً في حياتك خاصةً للأطفالِ والأسر التي تتحدثُ لغتين أو أكثر، وسواءٌ كان ذلك داخلَ المنزلِ أو خارجَه.
كيفَ يُصبح الأطفال ثنائيي اللغة؟
هناك طرائق مختلفة لتربية طفلٍ يتحدثُ بلغتين أو أكثر، ومن أشهرها الطريقةُ التي تُسمى بـ (شخصٌ واحد-لغةٌ واحد) وغالباً ما تُستخدمُ هذه الطريقةُ في الأسر التي يتحدثُ فيها كلٌّ من الوالدين لغتَه الأمّ المُختلفة عن اللغةِ الأمّ للشريك. فعلى سبيلِ المثالِ أسرة تعيشُ في أستراليا تتحدثُ فيها الأمُّ مع أطفالها بلغةِ البلدِ الشائعةِ وهي الإنكليزيةُ (اللغة الأساسية) في حين أنه يتحدثُ الأبُ مع أطفاله بلغةِ بلده الأم كاللغة الألمانية (اللغة الثانوية).
ولهذه الطريقةِ فوائدُ كثيرةٌ تتمثلُ في قدرةِ كلٍ من الوالدين على التواصلِ مع أبنائهم كلّ بلغته الأمّ واكتسابِ الطفلِ اللغتين كلتيهما، لكن هذه الطريقةَ تحتاجُ إلى بعضِ التخطيطِ والمثابرة.
لذا يجب على الوالدَيْن الراغبين في أن يتكلم أبناؤهم اللغةَ الأولى جيداً توفير قدرٍ أكبرَ من التواصلِ بهذه اللغةِ وعدم الترددِ في اختيارها لغةً أولى لأطفالهم وتشجيعهم على استخدامها داخلَ المنزلِ وخارجه.
وتعدّ الهجرةُ إلى بلدٍ تختلفُ لغته عن اللغةِ الأمّ للمهاجرين سبباً في ثنائيةِ اللغةِ عندَ الأطفال. فقد يهاجرُ زوجان من البيرو إلى أستراليا، فيخاطبان أبناءهم باللغةِ الإسبانيةِ، في حين أنه يتحدثُ الأبناءُ باللغة الإنكليزية في المدرسة. وتتمثلُ الفائدة الكبرى لهذه الطريقة في تعرِّض الأطفال أكثر للغة الثانوية من الوالدين كليهما. قد يضغط المجتمع المحيط على الوالدين للتوقف عن مخاطبة أبنائهم بلغتهم الأم لكن ينبغي للوالدين تذكر الفوائد الكبيرة التي سيحصل عليها الأطفال من كونهم ثنائيي اللغة.
المصادر:
هنا