طريقةٌ مبتكرةٌ لتخزين ذكريات الخلايا البشرية
الهندسة والآليات >>>> التكنولوجيا
يُعتبرُ نظامُ تخزين الذاكرة التماثُليّ، أول نظام يستطيعُ تسجيل بيانات تَتَعلقُ بمدةِ وشدّةِ الأحداثِ التي تَحْصل ضمنَ الخلايا البشرية، ويستطيع أيضاً مساعدة العلماءِ في دراسةِ الآلية التي تسبب تَمايز الخلايا، وتشكيلها للأنسجة المختلفة أثناءَ مرحلةِ التطور الجنيني، إضافة لمعرفة كيفية تأثر الخلايا بالظروف البيئية المحيطة، وبالتغيرات الجينية التي تسبب حدوث الأمراض.
يقول تيموثي لو Timothy Lu البروفسور المساعد في قسم الهندسة الكهربائية وعلوم الحاسب وقسم الهندسة البيولوجية: " قُمنا في سبيلِ سعينا نحو فهمٍ أعمق للبيولوجيا بهندسة خلايا بشرية، تكونُ قادرة على تسجيلِ تاريخها الذاتيّ ضمنَ سِجلات مرمّزة جينياً، ويُفتَرَضُ بهذه التقنيةِ أنْ تُعطِي رؤية أوضح لكيفية تنظيم الجينات، وتطور الأحداث الأخرى ضمن الخلايا التي تُساهم في تطور أو ظهور مرض ما".
الذاكرة التماثلية:
ابتكرَ العديدُ من العلماء طُرُقَاً متنوعة؛ لتسجيلِ المعلوماتِ الرَقْميّة ضمنَ الخلايا الحيّة باستخدام أنزيمات تُدعى Recombinases وهي المسؤولة عن تحفيزِ إعادة التركيب الجيني، حيث قاموا ببرمجة الخلايا لتقومَ بقلبِ قطاعات (أجزاء) من حِمضها النووي DNA عند وقوعِ حدثٍ معيّنٍ، كظهور تفاعل كيميائي ما، لكنّ هذه الطريقة تَصْلُحُ فقط لكشفِ حالة وقوع الحدث دون أن تخبرنا بحجم أو بمدة التفاعل الذي حدث.
قامَ الباحثون بابتكار طُرق لتسجيل المعلومات التماثلية في البكتيريا، ولكن حتى الآن لم ينفذها أحد في الخلايا البشرية.
يعتمدُ النموذجُ الجديدُ منMIT على نظام تعديل الجينات المعروف باسم CRISPR، والذي يتألفُ من أنزيم مسؤول عن تقطيعِ DNA والمُسمّى Cas9، إضافة لشريط قصير من RNA المسؤول عن قيادة الإنزيم إلى منطقة معينة من الجينوم لإجراء عملية القطع.
يُستَخدَمُ نظام CRISPR بشكل كبير في عملية التعديلِ الجيني، وتمّ تعديله بقرار من فريق MIT ليستخدم في تخزين الذاكرة. يقومُ النظامُ في البكتيريا بتسجيلِ الالتهابات الفيروسية السابقة، بحيث تستطيعُ الخلايا التعرف عليها، والدفاع ضد الهجوم الفيروسي.
قامَ الباحثون عند استخدام CRISPR لتعديل الجينات، بابتكار شريط RNA يسمى الرنا الدليل RNA guide، مسؤول عن عملية مُطابَقة تتالي السلسلة الهدف في الجينوم المُضيف للكائن الحي. أما بالنسبة لطريقة ترميز الذكريات، فقد صمم فريق MIT طريقةً مختلفة حيث بنوا شريط دليل يقوم بالتعرف على DNA الذي يقوم بترميز الشريط الدليل المطابق تماماً، مبتكرين ما أطلقوا عليه اسم شريط RNA دليل ذاتي التوجيه self-targeting guide RNA، وباستخدامه يقوم Cas9 بقطع DNA مولّداً طفرة تصبح سجلاً دائماً للحدث، وعندما يتم تعديل سلسلة DNA هذه تقوم بتوليد شريط RNA دليل جديد، يُوجه إنزيم القطع إلى DNA الطافر حديثاً، مما يسمح بالمزيد من التعديلات لتتراكم طالما أن إنزيم القطع مفعّل، أو أن RNA الدليل معبر عنه.
قامَ الباحثون بإجراء مثال عَمَليّ من خلال هندسة دارة جينية، تقومُ بالتعبيرِ عن الأنزيم Cas9 فقط، حيث يتم إطلاق هذا الأنزيم فقد عند وجود جزيئة هدف كـ TNF-alpha والتي تُنتَج عبر الخلايا الَمناعيّة عند حدوث التهاب، لذلك وفي أي وقت يتواجدُ فيه TNF-alpha سيقوم أنزيم Cas9 بِقَطع DNA المرمز لسلسلة الدليل مُحْدثاً طفرات، وكلما ظهر TNF-alpha أكثر أو زاد تركيزه، سيتشكل المزيد من الطفرات المتراكمة في سلسلة DNA، وبإعادة سلسلة DNA لاحقاً يستطيع الباحثون تحديد الكمية التي ظهر فيها TNF-alpha
يقولُ أحدُ العلماء المشاركين بأن هذا السلوك التَماثُليّ الغنيّ هو ما كنا نبحث عنه، إذ كلما زادت كمية أو مدة TNF-alpha نحصل على كمية أكبر من الطفرات. بالإضافة لذلك، فإننا نُريدُ اختبار النظام على الحيوانات الحيّة، فتسجيل واستخراج المعلومات من الخلايا الحيّة في الفئران سيُجِيبُ على العديدِ من الأسئلة البيولوجية القيّمة، ويرى الباحثون أن هذا النظام قادر على تسجيل الالتهابات عند الفئران.
تَنتُجُ معظمُ الطفرات عن حذفِ أجزاء من سلسلة DNA، لذلك قامَ الباحثون بتصميمِ شريط RNA الدليل ليكون أطول من النكليوتيدات nucleotides الـ 20 المُعتادة حتى لا تكون قصيرة جداً لأداء مهمتها. إن سلاسل من 40 نكليوتيد ستكون أطول من الحاجةِ لتسجيلِ مدة تصل لشهر كامل، كما صمم الباحثون سلاسل من 70 نكليوتيد، تستطيع تسجيل الإشارات البيولوجية لمدة أطول أيضاً.
ملاحقة التطور والأمراض:
أشار الباحثون أيضاً إلى إمكانية هَندسة خلايا، تستطيع الكشف والتسجيل من أكثر من دخل واحد، من خلال إنتاج أكثر من شريط RNA دليل ذاتي التهديف (التوجيه) في الخلية الواحدة، حيث يكون كل RNA دليل، مرتبط بدخل معين ولا يتم إنتاجه إلّا بوجود (تفعيل) هذا الدخل فقط، وفي هذه الدراسة أشارَ الباحثون أنهم قد يستطيعون تسجيل وجود كل من الصاد الحيوي دوكسي سيكلين antibiotic doxycyclineوجزيء يعرف باسم IPTG.
يعتقد الباحثون أن هذه الطريقة قد تستخدم في الدراسات على الخلايا البشرية والأنسجة والأعضاء المُعاد هندستها، ومن خلال برمجة الخلايا؛ لتصبح قادرة على تسجيل عدة أحداث؛ سيستطيع العلماء استخدام هذا النظام لرصد الالتهاب أو العدوى أو لمراقبة تطور السرطان. كما يمكن الاستفادة من هذا النظام لتَعقّب الآلية التي تتمايز بها الخلايا إلى أنسجة مختلفة خلال التطور عند الحيوانات من المرحلة الجنينية إلى البلوغ.
يقول الباحث بيرلي المشارك في هذا البرنامج، بأنه ومع هذه التقنية من الممكن أن نملك مسجلات registers مختلفة للذاكرة، قد نستطيع من خلالها تسجيل ظهور إشارات مختلفة تمكننا من تحديد مدة كل إشارة وشدتها، كما قد نكون بهذه الطريقة قد أصبحنا أقرب إلى فهم ماذا يحدث أثناء النمو.
المصدر: هنا