المنتجات العضوية.. امتيازٌ غذائي أم فقاعةٌ تسويقية؟
الغذاء والتغذية >>>> مدخل إلى علم التغذية
بعدَ مجموعةٍ من المقالاتِ التي تطرّقنا فيها لمختَلفِ أنواعِ الأغذيةِ العضويّة، نستعرضُ معكُم ما مرّ خلالَ سلسلة الأغذيةِ العضويّةِ لنرى أي الكفّتين هي الراجحة، كفّةُ الأغذيةِ التقليديّةِ؟ أم كفّةُ الأغذيةِ العضويّة ذاتِ الأسعارِ الخياليّة؟ فما هو الشيءُ الذي قد يجذبُك نحو اسهلاكِ الأغذيةِ العضويةِ؟
إنّ الإجابةَ عن هذا السؤال بسيطةٌ ظاهرياً، فالأغذية العضويةُ تتصفُ حقيقةً بمجموعةٍ من المميزاتِ التي تجعلُها تبرزُ مقارنةً بالأغذية التقليدية، كالالتزامِ بعدمِ استخدامِ المبيداتِ الحشرية أو الأسمدةِ الكيميائيّة الصناعيّة أو البذور المعدّلةِ وراثياً، فضلاً عن الامتناعِ عن تربيةِ الحيوانات تربيةً مقيّدة أو استخدامِ الهرمونات في أعلافِها. ولكنّ جميعَ هذه الأمورِ تتطلبُ من المنتِجِ أو المربّي التزاماً وصبراً شديدَين، خاصّةً وأنّ الانتقال بالأرضٍ أو المزرعةِ من الإنتاج التقليديّ إلى الإنتاجِ العضوي يحتاجُ وقتاً طويلاً. ويعدّ جميعُ ما ذُكر آنِفاً من الشروط الضروريّةِ للحصول على ختمِ الأغذية العضوية الذي تمنحُهُ الجهاتُ الناظمةُ والواضعةُ للتشريعات الغذائية في كل دولة، وأشهرها وزارةُ الزراعةِ الأمريكية التي تنظّمُ هذه العمليةَ الجهات في الولايات المتحدة.
ماذا عن الفوائد الصحية؟
يستهلكُ العديد من الأشخاصِ الأغذيةَ العضويةَ خوفاً ممّا قد تحتويه المنتجات التقليدية من بقايا مبيداتٍ حشريّةٍ أو هرموناتٍ أو مضاداتٍ حيويةٍ، علماً أن بعض الدول تفرضُ حدوداً لا يُسمح بتجاوزها فيما يخصّ نسب هذه المواد في المنتجات التقليدية، ممّا يقلّلُ الفروق المعنويةَ بين النوعين. ولبحث هذه الناحية، أُجريت حديثاً دراسةُ مراجعةٍ كبيرة، شملت ما يُقارب الـ 200 بحثٍ حول المقارنةِ بين المنتجاتِ العضويةِ والتقليدية من حيثُ ما تحتويهِ من مكوّناتٍ غذائيةٍ، وبقايا مبيداتٍ حشريةٍ، فضلاً عن التلوّث بالأحياء الدقيقة. وقد لوحظ بطبيعةِ الحال بعد تحليل نتائجِ جميعِ هذه الدراسات حدوثُ انخفاضٍ في تراكيز المبيدات الحشرية، ولكنّ الفروقات وفقا ًللباحثين لم تكن شديدة التفاوت، مما يؤكّد أن الغسيل الجيّد للخضار والفاكهةِ قبل استخدامِها كفيلٌ بتخليص المنتجات التقليديّةِ من بقايا المبيدات الحشرية دون الحاجة لشراء المنتجات العضوية.
أما من حيثُ المكوّناتِ الغذائية، فقد أثبتت العديد من الدراسات، والتي تطرّقنا لها سابقاً، أن المنتجاتِ العضوية تميّزت بارتفاعِ نسب مضادّات الأكسدة الطبيعيّة في المنتجات النباتية والحيوانيّة إضافةً إلى ارتفاع الأحماض الدهنية غير المشبعة والمفيدة في المنتجات اللحمية. وهو ما يعتبر أمراً إيجابياً للمستهلك. إلّا أن دراسةَ المراجعةِ الأخيرة لم تتمكن من إثباتِ فروقات معنويةٍ يمكن تعميمُها بمستوىً واحدٍ على جميعِ الأبحاثِ الممتوفّرة، وبمعنى آخر، فإن هذه الكمياتِ الإضافيةَ من المواد الغذائية ليست ذات تأثيرٍ كبيرٍ على الصحّة، خاصّةً وأن معظم الدراساتِ لم تتجاوز العامين، وهي مدةٌ غيرُ كافيةٍ للجزم بتَبعاتِ استخدامِ الأغذيةِ العضويةِ على الصحة، فضلاً عن قلّةِ عدد الدراسات المجراة على الإنسان، وكثرتِها على حيواناتِ التجارب.
من جهةٍ أخرى، نوّه العلماءُ إلى وجود عدّة عوامل يمكن أن تتداخلَ مع اختلافِ التركيبِ الكيميائي للمنتجات الغذائية، ولم يتمَّ أخذُها بعين الاعتبارِ في الأبحاثِ السابقة التي تمّت مراجعتُها، فنسب المغذيّات في الخضار والفواكه خاصّةً تختلف لأسباب كثيرة، كاختلاف الأنواع والأصناف من الناحيةِ الوراثيّةِ ونُضجِ الثمرةِ، ووقتِ القطاف، وحتّى الطقس. والأمرٌ مماثلٌ بالنسبةِ للحيوانات، فهناك عددٌ كبيرٌ من السلالاتِ الحيوانيةِ التي يمكنُ أن تختلف في إمكانيةِ تخزينِها للمواد الغذائيةِ في أجسامِها. وبناءٌ عليه، لا يُمكنُ عدُّ الزراعةِ العضويةِ سبباً رئيسياً في الاختلاف الملحوظةِ، فالخطُّ الفاصلُ بين منتجٍ غنيّ بالمغذّيات وآخر أقلَّ منهُ ليسَ مرتبطاً بكونِه مزروعاً بطريقةٍ عضويةً أم لا.
بما أنّ الأمر غيرُ محسومٍ بعد، كيف يتسنّى لنا أن نضمن الحصولَ على أفضلِ النوعيات من المنتجاتِ الغذائية مع خلوِّها من الموادِ الصناعية دون الحاجةِ لدفعِ مبالِغ كبيرةٍ لشراء المنتجاتِ العضوية؟ هذا ما تحاول الدراسات الحديثة الوصول إليه، وهو ما يحاولُ الباحثون اكتشافَه عبرَ إجراءِ دراساتِهم حول ما أصبح يسمّى بالـ Microgreens أو الخضراوات الدقيقة التي يعتقدُ العلماء بأنها تحتوي على موادَ مغذّيةٍ تتجاوزُ في كميّاتها النباتات الكبيرة.
المصادر:
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا