ما هي أضرار العلم الزائف؟
منوعات علمية >>>> العلم الزائف
بالحلقة الماضية من سلسلة العلم الزائف، حكينا عن تعريف العلم الزائف وأهم الفروقات بينه وبين العلم الحقيقي والموثوق، وحكينا كمان إن العلم الزائف هو ألدّ أعدائنا كباحثين عن العلم.
وانطرح سؤال: انو طيب ليش ما بتتركو هالمشعوذين ومدّعي العلم بحالون؟ طالما في جمهور عم يستمتع بإنجازاتون الوهميّة وكذباتون، ليش مصرّين انكم تحكو عن هالموضوع وتفتحو هالملفات؟ والجواب رح تقرأوه معنا بهالحلقة التانية من السلسلة تحت عنوان: ما هي أضرار العلم الزائف.
منذ فترة طويلة، وفلاسفة العلم مشغولون بالبحث عن تعاريفَ واضحةٍ للتمييز بين العلم والعلم الزائف واللاعلم، وتكمن أهمية تحديد تلك الحدود في ثلاثة جوانب:
الجانب الأول هو فلسفيّ، فالفصل بين العلم الحقيقيّ وغيره خطوةٌ أساسيّة لإنارة دربنا نحو المعرفة، وهي قضيّة جوهريّة في نظرية المعرفة وطبيعة الحقيقة والاكتشاف.
الجانب الثاني مدنيّ، فمجتمعاتنا تنفق الملايين من أموال دافعي الضرائب على مؤسسات البحث العلميّ، والحكومات بحاجةٍ إلى أجوبةٍ واضحة حول أسئلةٍ من قبيل: هل يجب على معاهد الصّحة تمويل أبحاث الطبّ البديل؟ هل على وزارات الدّفاع أن تنفق الملايين على دراسة التخاطر؟
الجانب الثالث أخلاقيّ، فخلافاً للاعتقاد السائد، لا يقتصر العلم الزائف على بعض الخرافات البريئة غير المؤذية، بل هو جهلٌ مؤذٍ يشكّل تهديداً جديّاً لسلامة الناس وقد يكون قاتلاً في بعض الأحيان! وعلى سبيل المثال فإن الملايين من الناس حول العالم قد فقدوا أرواحهم بسبب رفضهم لتلقي العلاج الطبيّ واعتمادهم على علاجاتٍ شعبيّة غير نافعة، أو رفض حكوماتهم في بعض الأحيان لتقبّل الأساسيّات الطبيّة عن الوقاية من بعض الأمراض كالإيدز، أو تصديقهم لإشاعاتٍ مثل أنّ اللقاحات تسبّب التوحّد!
ويكون التمييز بين العلم الصّحيح والزائف في أعلى درجات الأهميّة حين نصل إلى المواضيع الطبيّة، فهناك بعض العلاجات الشعبيّة الناجعة حقاً، مثل شرب دم سلحفاةٍ طازج في الصّين لمكافحة الزكام، والذي أثبت نجاحه في كثيرٍ من الحالات، فهل علينا إذاً نقله من خانة الطبّ الزائف واعتباره طباً حقيقياً؟
الجواب هو لا، علينا أن نتعلّم التمييز بين الأدوية التي تحتوي على مستخلصات بعض المكوّنات الطبيعية التي تمّت دراستها واختبارها، وبين المكوّنات الطبيعية نفسها، فالأسبيرين على سبيل المثال يحتوي على مستخلص لحاء الصفصاف، (وهو علاج شعبيّ مستخدمٌ لتسكين الآلام منذ عصر أبقراط).
لقد جرّب الإنسان خلال تاريخه الطّويل مختلف أنواع النباتات والمواد الطبيعيّة، ومن الطبيعي أن يصادف أنّ لبعضها تأثيرٌ ما مفيد، ولكنّ ما يجعل الأسبيرين هو ما يندرج تحت خانة العلم الحقيقيّ هو أن العلماء قاموا بتجارب مدروسةٍ لاستخلاص، وعزل، وتجريب المادة الفعالة منه، ومن ثمّ دراسة تأثيرها العلاجيّ على الجسم حتى التوصّل إلى شكلٍ مقبولٍ للاستعمال الآمن والمفيد.
مثالٌ آخر يساعدنا على التمييز: تدّعي بعض المعتقدات الشعبيّة بامتلاك الإنسان لطاقةٍ تسمى (طاقة تشي)، وبالطبع فهي علمٌ زائف بسبب أنّ تلك الطّاقة غير محسوسةٍ ولا يوجد لها تأثيرٌ ملموسٌ وهي غير قابلةٍ للقياس والاختبار.
ولكن ماذا عن الجسيمات المعروفة ببوزونات هيغز؟ ألم تكن أيضاً في وقت من الأوقات فرضيّةً غير قابلةٍ للقياس والاختبار؟ فلماذا اعتبرنا البحث عنه علماً حقيقياً؟
تكمن الإجابة في نقطتين: أولاهما أنّ التنبؤ بوجود جسيمة الهيغز تمّ بناءً على نظرياتٍ فيزيائيّة راسخةٍ أثبتت نجاحها لا عن عبث، والثاني هو أنّ هذا التنبؤ تمّ تدقيقه رياضياً وتمثيله ودراسته بشكلٍ عالي الدّقة والموثوقية، ونحبّ أن نشير هنا إلى أنّ رصد جسيم الهيغز قد تمّ فعلاً بعد هذا التنبؤ (للإطلاع هنا )، وأنّه لو لم يتمّ رصده لكان أُعلِن عن خطأ النظرية وفقاً لمعيار قابلية الدّحض الذي تكلّمنا عنه في المقال السابق.
وقد يجادل أحدهم هنا: ما الضّرر في أن نؤمن بوجود الطاقة (تشي)؟ أو نشرب دم السلاحف؟ أو نعتنق أيّ معتقداتٍ أخرى لا تنفع ولا تضرّ؟ والجواب هو في أنّ تلك الممارسات عدا عن كونها مضيعةً للوقت والجهد والمال، فهي قد تقود إلى نتائج قاتلةً حين يتمّ إهمال تشخيص وعلاج المرض الحقيقيّ وإهدار وقت المريض الثمين بدلاً عن ذلك في ما لا ينفع بينما جسده فريسةٌ لازدياد المرض.
الفكرة الأهمّ بالنسبة لي، تكمن في أنّ الخلط بين العلم الحقيقي والزائف خطرٌ على عقولنا نفسها، علينا أن نحترم عقولنا وندرّبها على أن تستند دائماً وفقط إلى الوقائع المنهجيّة والمنطق السليم، وتعتمد مبدأ الشكّ والنقد الدائم، لمحاربة الخرافة والزيف.
المصدر: هنا