نظرية العقد (Contract Theory)
الاقتصاد والعلوم الإدارية >>>> اقتصاد
العقود موضوعٌ جاف ونظريٌّ جداً جوانبه القانونيّة مُعقّدة وممّلة ولكن ليضمن المتعاقدون حقوقهم، عليهم أن يعرفوا الكثير لأنّ القليل جداً من التّنازلات من شأنه أن يسبب خسارة أحد الأطراف لصالح الآخر. العقود تنظم التّعايش الاجتماعي والعمل الاقتصادي حيث تقوم الاقتصادات الحديثة على مجموعة من العقود التي لا تُعدُّ ولا تُحصى. طوّر كل من Hart وHolmström نماذج نظريّة جديدة من شأنها أن تزيد أهميّة تقييم العقود في الاقتصاد والمجتمع، وتُعدّ الأدوات النظريّة الجديدة التي صمّماها قيّمةً لدورها في إغناء فهمنا للعقود والمؤسسات، فضلاً عن فهم المخاطر المحتملة في تصميم العقود. فلكل مجتمعٍ العديد من العلاقات التعاقدية، من ضمنها:
- العقود بين المساهمين في شركة ما ومدرائها التنفيذيين.
- العقود بين شركات التأمين وأصحاب السيارات.
- العقود بين الهيئات والجهات العامّة ومورّديها.
- حلّ المشاكل العمليّة في مجال الأعمال التّجارية.
عادةً ما تنطوي مثل هذه العلاقات على تضارب في المصالح، لذا يجب أنّ تُصمّم العقود بشكلٍ ملائم بما يضمن اتخاذ قراراتٍ تصبُّ في مصلحة الطرفين. أثبت Hart وHolmström في نظريتهما أهميّة التّصميم الواضح للعقود في العالَم الاجتماعيّ والاقتصاديّ معاً، وكيف أنّ العالم الاقتصاديّ سيكون محميّاً عن طريق العقود. فقد طوّرا نظرية العقد (Contract Theory) من خلال وضع إطارٍ شاملٍ لتحليل العديد من القضايا المتنوعة في تصميم التعاقدات، يُذكر منها:
- تحديد أجور كبار المسؤولين التنفيذيين وفقاً لأدائهم.
- الخصومات ودفعات المشاركة في التسديد (copayment)* في شركات التأمين.
- خصخصة أنشطة ومؤسسات القطاع العام.
في أواخر سبعينيات القرن المنصرم، شرح Bengt Holmström بوضوح كيف يتوجب على (principle) القاعدة -المصدر- (المساهمين في شركةٍ ما) تصميم العقد الأمثل لتعيين (agent) الوكيل -الممثل- (المدير التنفيذي لتلك الشركة)، مع العلم أنّه -إلى حدٍ ما- لا يمكن للمساهمين مراقبة أعمال المدير التنفيذي. وبعبارةٍ أكثر تبسيطاً، تقوم نظريّة العقد على مبدأ أنّ لكلّ عقدٍ طرفان أحدهما عليه القيام بمهمةٍ ما للآخر دون أن يعرف أيٌّ من الطّرفين إلى أي مدى يمكن الاعتماد على الآخر في الالتزام بما عليه. تصميم عقدٍ جيدٍ يحدّد الحوافز التي سينالها الطرف المُوكَل بالمهمّة في حال تمّ تنفيذها في وقتها وضمن المعايير المُتفق عليها مما من شأنه أن يسهّل وينظّم سير العمليات التجاريّة بما يصبُّ في مصلحة الجميع. يحدد نموذج **informativeness principle الذي طوّره Holmström بشكلٍ دقيق كيف يتوجب على العقد أنّ يربط بين ما يتقاضاه الوكيل (المدير التنفيذي، على سبيل المثال) وبين المعلومات التي تتعلق بأدائه، حيث يوضّح لنا كيف للعقد المثالي أن يحقق الاتزان بين كلٍ من المخاطر والحوافز. في بحثٍ لاحق، قام بتعميم نتائج أبحاثه على حالاتٍ أكثر واقعيّة. و على وجه التحديد:
- الحالات التي لا ُيكافئ فيها الموظفون بأجورٍ ماديّةٍ وحسب، بل بترقياتٍ محتملةٍ أيضاً.
- عندما يوسّع الوكلاء (المدراء) نشاطاتهم لتشمل مهاماً عدّة بينما لا تستطيع قاعدة المبدأ (المساهمين في الشركة) مراقبة سوى بعض مناحي الأداء.
- عندما يستغل بعض أفراد الفريق جهود الآخرين.
في منتصف الثمانينات، Oliver Hart قدّم مساهماتٍ جوهريّة لفرعٍ جديد من نظرية العقد الذي يعالج حالةً مهمّة ألا وهي العقود غير المكتملة (incomplete contracts). يستحيل على أي عقدٍ كان توصيف كل الاحتمالات الممكنة، لذا يوضح فرع النظرية هذا التوزيعات المثاليّة لحقوق السيطرة والتحكم (حقوق السيطرة بين مقدمي رؤوس الأموال من جهة ومنفذي ومدراء المشاريع من جهةٍ أخرى). أيُّ طرفي العقد يحقّ له اتخاذ القرار وتحت أي ظروف؟ نتائج بحث Hart في العقود غير المكتملة ألقت الضوء على مواضيع الملكيّة والسيطرة على الأعمال وكان لها تأثيراً واسعاً على علوم الاقتصاد، بالإضافة إلى العلوم السياسيّة ودراسات القانون. بحثه قدّم لنا أدواتٍ نظريّة لدراسة أسئلةٍ تتمحور حول مواضيعٍ عديدة منها:
- ما هي أنواع الشركات التي يمكن دمجها؟
- ما هو المزيج الصحيح للتمويل بالاقتراض و تمويل أسهم رأس المال (Debt and Equity Financing)؟***
- قضايا خصخصة المؤسسات الحكوميّة (المدارس و المستشفيات على سبيل المثال) و حوكمة الشركات.
من خلال مساهمتِهما الأوليّة، أطلق Hart وHolmström نظرية العقد باعتبارها مجالاً رئيسياً للأبحاث. وعلى مدار العقود الماضية، قام كل منهما بدراسة العديد من التطبيقات النظريّة. إنّ عملهما في تحليل الترتيبات التعاقديّة المثلى يضع الأساسات الفكريّة التي تُبنى عليها السياسات والنظم القانونيّة في العديد من المجالات، من تشريعات الإفلاس إلى الدساتير السياسيّة.
يبقى أن نذكر أخيراً أنّ جائزة نوبل للاقتصاد لا تعود إلى مؤسسة ألفريد نوبل، وبالتّالي هي ليست جائزة نوبل بالمعنى الدقيق للكلمة. فقد أُنشئت جائزة نوبل عام 1895 في فئات الطّب والفيزياء والكيمياء والأدب والسّلام، وتمّ فيما بعد إضافة جائزةٍ للاقتصاد بعد تأسيس البنك المركزي السويدي عام 1968.
* الخصومات هي المبالغ التي ينصّ عليها العقد ويتوجب على العميل دفعها قبل أن تقدّم شركة التأمين خدماتها. بمعنى، إذا كان مبلغ الخصومات محدداً ب 5000 في عقد تأمينٍ صحي فإنّ شركة التأمين لن تقوم بتغطية أي نفقات إنّ لم تتجاوز المبلغ المذكور. أما دفعات المشاركة في التسديد (copayment) هي المبلغ الذي يتمُّ تحديده في العقد ويتوجب عليك دفعه حتى بعد تجاوز مبلغ الخصومات. على سبيل المثال ليكن هذا المبلغ 50 وتكلفة إجراء الفحص الطبّي الواحد هي 500 في حال كنت قد تجاوزت مبلغ الخصومات (5000) فإنّ شركة التأمين ستغطي مبلغ 450 فقط ويتوجب عليك مشاركة الدفع بمبلغ 50.
** نموذج informativeness principle هو مبدأ جودة تقديم المعلومات الذي طوّره Holmström في عام 1979 و الذي ينصّ على أنّ العقد المثالي هو ذاك الذي يُبنى على كل المعلومات المتوفرة عن أداء الموظفين و المدراء كونها تساعد في تقديم أكثر دقة عن جودة وكفاءة أدائهم. تُعتبر تلك المعلومات مقاييس لتحديد التعويضات والحوافز التي يتلقاها الوكيل (الموظفون أو المدراء). لذا تعتمد فعاليّة الترتيبات التعاقديّة إلى حدٍ كبير على هذا المبدأ.
*** التمويل بالاقتراض Debt Financing هو الحالة التي تحصل فيها الشركة على تمويل لأعمال الشركة عن طريق الاقتراض (أما ديون أو سندات). تمويل أسهم رأس المال Equity Financing هو الحالة التي تحصل فيها الشركة على تمويلٍ لأعمالها عن طريق بيع حصةٍ من ملكيّة الشركة.
المصادر
NobelPrize.org، Press Release: The Prize in Economics Sciences 2016. هنا
Hölmstrom، B. (1979). Moral hazard and observability. The Bell journal of economics، 74-91. هنا moral hazard.pdf
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا