الاقتصاد الخفي الجزء الأول
الاقتصاد والعلوم الإدارية >>>> اقتصاد
يعتبر الاقتصاد الخفي من الظواهر القديمة في جميع المجتمعات الإنسانية، فتعددت وتنوعت المصطلحات الدالة عليه في الأدبيات الاقتصادية، يُذكر منها: اقتصاد السوق السوداء، أو الاقتصاد الموازي، وكذلك الاقتصاد غير الرسمي وهو المصطلح الأقرب علمياً إلى توصيف الظاهرة، بينما مصطلح "اقتصاد الظل" فهو الأكثر شيوعاً واستخداماً في الأدبيات الأجنبية. ويعود هذا الاقتصاد في تكوينه إلى مجموع الدخول الناتجة عن نشاطات اقتصادية لا تجد طريقها إلى التوثيق والتسجيل لدى الدوائر المعنية لحساب الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد الوطني، وتتوزع في معظمها إلى عمليات غير مشروعة: كزراعة المخدرات أو الاتجار غير المشروع؛ وعمليات التهريب عبر الحدود بالإضافة إلى الاتجار بالأعضاء البشرية وعمليات التزوير الخ ...، ويدخل ضمن الاقتصاد الخفي أيضاً الدخول الناتجة عن عمليات مشروعة قانوناً لكن لا يتم الإفصاح والتوثيق لكامل النشاط ويتم التكتم على جزء منها من أجل التهرب الضريبي، كعدم التصريح عن العدد الحقيقي للعمال بغرض التهرب من التأمينات الاجتماعية، بالإضافة أيضاً إلى الدخول الناتجة عن عمليات مشروعة قانوناً إلا أن القانون لا يلحظ آليات لتوثيقها، والإفصاح عنها لدى مؤسسات الدولة المعنية مثل: الدروس الخصوصية في المنازل الخ .... [1]
ولا شك أن الاقتصاد الخفي أصبح يولد دخولاً مرتفعة وتشكل حصة مهمة نسبةً للناتج المحلي الإجمالي للدول، حيث اتجهت هذه الدخول نحو قنوات غسيل الأموال، التي باتت تهدد سلامة المراكز المالية عالمياً؛ لما لها من آثار سلبية في اقتصاديات الدول النامية والمتقدمة.
ويشار إلى أن الاقتصاد الخفي يشتمل على دخول نشاطات مشروعة وغير مشروعة، فتشكل نسبة الدخول غير المشروعة من حجم الاقتصاد الخفي بين الثلث والنصف، أي بالمتوسط 40%.[2]
1-9. أسباب ظهور ونمو الاقتصاد الخفي.
عُرف الاقتصاد الخفي في أعمال عديدة مثل السرقة والاختلاس والرشوة والابتزاز، وبدأ يتضح معنى الاقتصاد الخفي منذ أن تم وضع التشريعات والإجراءات المنظمة والعقوبات. وتختلف أسباب نمو الاقتصاد الخفي من دولة إلى أخرى، ولكن يمكن الدلالة على أهم تلك الأسباب، كما يلي: [3]
1- أعباء الضرائب على الشركات وإلزامها في الضمان الاجتماعي.
2- كثافة التعليمات Intensity of Regulation: تقاس عادة في عدد القوانين والتعليمات، مثل: عدد الإجراءات المطلوبة للحصول على ترخيص مصنع.
3- الخدمات العامة: ُنقص التهرب الضريبي من واردات الدولة، مما يؤدي إلى تقديم سلع وخدمات رديئة من قبل الدولة، لذا تلجأ الأخيرة إلى رفع معدلات الضرائب -لتغطية النقص الحاصل في الإيرادات وتلبية متطلبات الجودة- الأمر الذي يدفع رؤوس الأموال العاملة في ظل الاقتصاد الرسمي الهروب من الضرائب إلى مظلة الاقتصاد الخفي.
4- تخفيض ساعات العمل الأسبوعية، والتقاعد المبكر، ونمو معدل البطالة. [4]
5- انخفاض الولاء للمؤسسات الحكومية وهبوط مؤشر الثقة لدى المواطنين من ناحية تخفيض الضرائب.
6- سوق العمل: تكلفة العامل في سوق العمل الرسمي باتت مرتفعة، لدفع التأمينات الاجتماعية، والتعويضات وغيرها.
7- الفساد الإداري: كثير من الأشخاص يوضعون في مكان يتاح لهم أن يقبلوا الرشوة مقابل التستر عن أعمال غير مشروعة، فالعملية هي أساساً غير قانونية والأموال الناتجة عنها للطرفين غير مشروعة. [2]
2-9. الآثار السلبية للاقتصاد الخفي في الاقتصاد الرسمي.
يمكن الكشف عن الآثار السلبية للاقتصاد الخفي من خلال أسباب ظهوره- الخفي- وهي: [5]
1- انخفاض الإيرادات الحكومية من الضرائب المفروضة.
2- الخطأ في تخصيص الموارد بين القطاعات.
3- تنشيط عمليات غسيل الأموال في المصارف.
وكنتيجة حتمية للأسباب والآثار السابق ذكرها، سوف تظهر إحصائيات لا تمثل الواقع الحقيقي لحجم الناتج المحلي الإجمالي ومعدلات النمو الاقتصادي، وعن معدلات التضخم والبطالة أيضاً. ومن المحتمل أن ينتج عن هذه المؤشرات الخاطئة؛ سياسات اقتصادية مشوهة، تؤثر في الاستقرار الاقتصادي ككل: من ارتفاع في التضخم وزيادة البطالة، ورفع الضرائب، وتمتد أحيانا لتظهر مشكلات جديدة.
3-9. طرق تقدير الاقتصاد الخفي.
تعددت الطرق وتنوعت من دراسة لأخرى بحسب نشاطات الدولة وهيكلها الاقتصادي، ونسبة ونوع النشاطات المشروعة وغير المشروعة، لكن بشكل عام هناك أربع طرق مستخدمة لتقدير حجم الاقتصاد الخفي: [6]
1- طريقة التقدير المباشرة: تعتمد هذه الطريقة على حساب قيمة تقديرية للدخل الناتج من مختلف النشاطات الفرعية؛ التي ترتبط بنشاط الاقتصاد الخفي، ثم القيام بجمع القيم الجزئية إلى بعضها البعض حتى تحصل في النهاية على قيمة الاقتصاد الخفي على مستوى الدولة ككل.
2- طريقة التقدير غير المباشرة: يتم تقدير النمو في اقتصاد الظل؛ على أساس التفاوت بين إحصاءات الدخل والإنفاق في الحسابات القومية.
3- الطرق الإحصائية: تعتمد هذه الطريقة على حساب الفرق بين عدد السكان الذي يفترض أنهم جزء من قوة العمل الاقتصادية بناء على الإحصاءات السكانية، وعدد السكان المسجلين رسميا باعتبارهم قوة العمل الفعلية في الدولة.
4- طريقة الناتج القومي: تعتمد على تقدير حجم الاقتصاد الخفي بمقارنة التقديرات الرسمية للناتج القومي الإجمالي من جانب الاستهلاك بالتقديرات الرسمية للناتج القومي من جانب الدخول. بافتراض أن الاقتصاد الخفي يؤثر فقط في الدخل دون الاستهلاك، وتستخدم هذه الطريقة في الولايات المتحدة وبريطانيا. [2]
5- مزيج من عدة مناهج وعدة مؤشرات وتدعى (MIMIC): وهي الطريقة الأكثر شيوعاً حيث يتم تقدير حجم اقتصاد الظل بوصفه دالة للمتغيرات المشاهدة، التي يفترض تأثيرها على اقتصاد الظل وهي: العبء الضريبي، وعبء القواعد التنظيمية الحكومية. والمتغيرات التي تتأثر بأنشطة اقتصاد الظل: كالسيولة، وساعات العمل الرسمية، والبطالة وما إلى ذلك. وتتميز هذه الطريقة عن غيرها لكونها تنظر في العديد من الأسباب والآثار في آن واحد.[7]
المراجع:
[1] نجم عدنان،2010-ظاهرة الاقتصاد الخفي وغسيل الأموال، المصادر والآثار. مجلة الإدارة والاقتصاد، العدد 81، جامعة الموصل.
[2] حمدي عبد العظيم، 1997- غسيل الأموال في مصر والعالم. الطبعة الأولى، أكاديمية السادات للعلوم الإدارية، طنطا، مصر.
[3] Schneider F.، 2008- Shadow Economies and Corruption all over the World: Empirical Results for 1999 to 2003. Forthcoming in International Journal of Social Economics، 35/9، September.
[4] Dominik H. E.، 2003- The Shadow Economy and Institutional Change in Transition Countries. Institut der deutschen Wirtschaft، Köln.
[5] Brennan G; Buchanan J.، 1985- The reason of rules. Constitutional political economy. Cambridge University Press، Cambridge، Great Britain.
[6] Schneider F & Williams C.، 2013- The Shadow Economy. The Institute of Economic Affairs. London، Great Britain.
[7] تاج الدين ميادة صلاح الدين، 2006- الأثر المتبادل بين غسيل الأموال والاقتصاد الخفي. مجلة تنمية الرافدين، العدد 87، كلية الإدارة والاقتصاد، جامعة الموصل.
تم نشر البحث في مجلة بحوث جامعة حلب - العدد 13- عام النشر 2014