الخيمياء (هل نجح أحد بتحويل المعادن الرخيصة إلى ذهب؟)
منوعات علمية >>>> العلم الزائف
"الخيميائيون أناس غريبو الأطوار، لا يفكرون إلا بأنفسهم، وغالباً ما يرفضون تقديم المساعدة. من قال أنهم لم يتوصَّلوا إلى اكتشاف الحجر العظيم، أو حجر الفلاسفة؟ وأنهم لهذا السبب ينغلقون داخل صمتهم؟"
يحاول الخيميائيون بحسب كويلو الوصول إلى الإنجاز العظيم وهو بحسب ما جاء في الرواية: "الإنجاز العظيم، المكوَّن من جزءٍ سائلٍ وجزءٍ صلب ... الجزءُ السائل من الإنجاز العظيم يُسمى إكسير الحياة، وهو لا يقتصرُ على شفاء كل الأمراض، بل يمنعُ الخيميائيَّ، أيضًا من أن يَهرَم، أمَّا الجزءُ الصلب فيُسمّى حجر الفلاسفة". وكما نرى فقد امتلأ مقالنا بأسماءٌ غريبةٌ مثلَ إكسير الحياة وحجر الفلاسفة والتي تحوي في طيَّاتها بعض الغموض، فلنُكمل معاً علَّنا نُزيح بعضاً منه ونفهم ماهيَّة الخيمياء.
الخيمياء فنٌ غامضٌ ولا يقصد به الكيمياء التي نعرفها اليوم، ولكن من كان يمارس الخيمياء في القِدم كان يعتمد على مزيجٍ من الكيمياء، والطب، وبعض العلوم الزائفة كعلم التنجيم، وعلم الأعداد، بالإضافة إلى السحر والشعوذة. يهدُف الخيميائي في نهاية المطاف إلى إيجاد إكسير الحياة الذي يمنحه الخلود ناهيك عن قوة الإكسير الهائلة على شفاء الأمراض، بالإضافة إلى إيجاد حجر الفلاسفة الذي يسمح للمعادن الرخيصة أن تتحوَّل إلى فضة أو ذهب.
صورة العناصر الأربعة الأساسية في الخيمياء:
Image: Heiko Barth | Shutterstock
يعتقد الخيميائيُّون بأن كلّ شيئ مكونٌ من عناصر طبيعية أربعة هي الماء، والهواء، والنار، والأرض. بالإضافة إلى ثلاث مواد أساسية أخرى هي الملح، والكبريت، والزئبق. إنّ كل الطلاسم الخيميائية والرموز المعقدة والأنظمة الغامضة ترتكز على هذه الأعمدة السبعة فقط.
بعض الطلاسم الخيميائية:
Image: http://aetherforce.com/wp-content/uploads/2014/06/Alchemy_Pg__2_by_aprologuetothechaos.jpg
..
ينظر الخيميائيون كذلك إلى الطبيعة نظرةً روحانيةً متطرفة، حيث يعتقد هؤلاء أنّ روح الكون تسري في كل شيء في هذا الوجود، فليس الإنسان والحيوان فقط هم من يملكون أرواحاً ولكن المعادن أيضاً، فالمعادن تنبض بالحياة وتنمو في جوف الأرض. بالإضافة إلى ذلك فإن المعادن، كما يعتقد الخيميائيون، ماهي إلا صورٌ مختلفة للشيء ذاته في مراحله المختلفة، وتسعى هذه المعادن بدون توقف للوصول إلى الكمال الروحي. لتبسيط الموضوع لنأخذ الرصاص والذهب، فالرصاص بحسب الخيمياء ما هو إلا شكل غير مكتمل النضوج لمعدن أسمى كالفضة والذهب، ويستمر الرصاص في سعيه للوصول إلى الكمال على المستوى الروحي والتحول إلى ذهب. تحدث عمليَّة تحول الرصاص إلى ذهب بشكل مستمر في جوف الأرض ولكنها عمليةٌ بطيئةٌ للغاية وتتطلب فترات زمنية طويلة جداً، ولذلك يعمل الخيميائي على تسريع هذه العملية في مخبره وبالاستعانة بحجر الفلاسفة بالطبع.
تاريخ الخيمياء وأشهر الخيميائيين
لا يوجد مصدرٌ مؤكَّد لكلمة الخيمياء، فمن المؤرخين من اعتقد أن أصل الكلمة يعود إلى الكلمة المصرية القديمة "chem” أو "qem” والتي تعني أسود أو الأرض السوداء، فيما ردَّ مؤرخون آخرون الكلمة إلى الأصل الإغريقي "chyma” والتي تعني السبك والصهر، والتي يُرادفُها الكلمة العربية "Al Kimia” أي الكيمياء والتي اشتقت منها كلمة الخيمياء.
بدأت الخيمياء في مصر القديمة ومن ثم انتقلت إلى اليونان، وكان للعرب دورٌ محوريٌّ في تطور الخيمياء، فقد تُرجمت كتب الخيمياء اليونانية إلى العربية واشتغل العديد من العلماء العرب في الخيمياء قبل أن تصل إلى القارة الأوروبية. ولا يسعنا ذكر أسماء جميع الخيميائيين، ولكن سنكتفي بذكر أشهرهم على الإطلاق؛ فمنهم الطبيب السويسري باراسيلسوس "Paracelsus” وكذلك الكاهن والراهب الألماني ألبرتوس ماغنوس "Albertus Magnus” ولعلَّه أمرٌ مفاجئٌ للبعض القول أن اسحاق نيوتن الفيزيائي الانكليزي الشهير كان هو الآخر أحد أشهر الخيميائيين. أما على الصعيد العربي الإسلامي فنذكر خالد بن يزيد والرازي وجابر بن حيان.[4]
ولكن بامكانك أن تجد في القائمة على الرابط أدناه أسماء خيميائيين آخريين وبينهم عدد من العرب المعروفين.
( هنا)
Image: http://www.cst.rnu.tn/.../20110513100225__histoire.jpg
هل تحقق حلم الخيميائيين أم لا؟
يُمكن القول أن الحلم كما كان ينظر له الخيميائيين لم يتحقق، ونكتشف ذلك بسهولة من خلال معرفة أن لا رجال خالدون يعيشون بيننا، أما على صعيد تحويل المعادن إلى ذهب فسنقول وبشكل صادم أن الحلم تحقق، واستطاع بعض العلماء تحويل البزموت وهو العنصر المجاور للرصاص في الجدول الدوري إلى ذهب، ولكن قبل أن تعتقد أن الثراء أصبح سهلًا انتظر واستمع إلى القصة الكاملة.
لم يكن الجدول الذري للعناصر كما نعرفه اليوم موجوداً على أيام الخيميائيين، وبالتالي لم يعرفوا أن الرصاص والذهب هي عناصر ذرية مختلفة لذلك التحويل بينهما صعب للغاية، ولكنّه ليس مستحيلًا! فماذا نحتاج إذًا لتحويل الرصاص إلى ذهب؟ في الواقع سنستبدل حجر الفلاسفة بمسرِّع للجسيمات وسنحتاج مصدراً هائلًا للطاقة. وسنعود في الزمن أكثر من 30 عاماً إلى مخبر لورانس بيركلي في كاليفورنيا. قام العالم ديفيد مورسي المسؤول عن التجربة مع بعض من زملائه بتشغيل مسرع الجسيمات ومن ثمّ قام بتسريع حزمةٍ من نوى الكربون والنيون إلى سرعةٍ قريبةٍ من سرعة الضوء، ومن ثم صدم بهذه الحزمة رقائق من عنصر البزموت، وعندما اصطدمت حزمة النوى بذرات البزموت قامت بنزع جزء من نواتها. بعدما قام الفريق بفحص الحطام الناتج وجدوا عدداً من ذرات الذهب!. حيث فقدت ذرة البزموت أربعة بروتونات متحولة إلى ذرة من الذهب.
يمكن استبدال البزموت بالرصاص أثناء التجربة ولكن هذا الأمر سيجعل فصل الذهب أكثر صعوبة على حسب تعبير "مورسي" حيث يقول: "إننا نستخدم البزموت لأنه يملك نظيراً مستقراً وحيداً، في حين أن الرصاص يمتلك أربعة نظائر مستقرة”.
ها نحن قد حولنا الرصاص إلى ذهب فما المشكلة إذًا؟ تكمن المشكلة في التكلفة الباهظة جداً لهذا التحويل، حيث تقدر تكلفة تشغيل مسرع الجسيمات في وقت تنفيذ التجربة أي في عام 1980 بخمسة آلاف دولار في الساعة الواحدة، وقد استمرت التجربة حوالي يوم كامل للحصول على بضع الذرات من الذهب. للحصول على أونصة من الذهب أي حوالي 28 غرام فالتكلفة التقديرية هي ألف ترليون دولار أي 1 وبجانبه خمسة عشرة صفراً، وإذا علمت أن سعر الأونصة في ذلك الوقت يساوي 560 دولاراً فقط، فستستنج مباشرةً عدم جدوى الموضوع نهائياً.
إنّ عدم نجاح الخيميائيين في مسعاهم لا يقلل من قدرِهِم نهائياً، ولا يُمكن بأي حال تجاهل ما قدموه للعلم بشكل عام ولعلم الكيمياء بشكل خاص، فلولا جهود هؤلاء لما كنا سنشاهد علم الكيمياء كما هو عليه اليوم.
المراجع
1- هنا
2- هنا
3- هنا
4- هنا