الخلفيّةُ الميكرويةُ الكونية CMB
الفيزياء والفلك >>>> علم الفلك
تبعًا لِلدكتور Erik M. Leitch من جامعة شيكاغو فإنَ الخلفية الميكرويّة الكونيّة هي عبارةٌ عن توهُّجٍ خافِت من الضوء غير المرئيّ الّذي يَملأُ الكون ويُشّعُ على كوكبنا من جميعِ الاتجاهات بنفسِ الشّدة. إنَهُ التوهّج الّذي خلّفهُ الانفجارِ العظيمِ مُنذ 14 مِليار سَنة، يتدفّق عبرَ الكون كالحرارَةِ الّتي تُشِعُّها ليلًا صَخرةٌ تعرّضت لأشعةِ الشمس طوال النهار.
تغيّرت الطريقةُ الّتي ينظُرُ بها العُلماء للكون مرارًا وتكرارًا عبر التاريخ، لكن أكثر شيءٍ أثرّ في نظرتنا الحالية للكون مُنذُ مَطلَعِ القَرنِ العشرين حتّى الآن، هُما فِكرتان اثنتان. الأولى هي أنَّ الكونَ المرئي هو جسمٌ شبهُ كرويّ ذو حجمٍ كبير بشكلٍ لا يُصَدّق. أما الفِكرةُ الثانية فهي أنَ الضوءَ يُسافِرُ بِسُرعَةٍ ثابِتة.
إنَ أبسط عواقِب هاتين الفكرتين هي أننا عِندما نَنظُرُ أبعد فأبعد إلى الأشياءِ البَعيدة، فإننا ننظُر أعمق فأعمق في الماضي. فعِندما تَرى كوكَبَ المُشتري ساطِعًا في السماءِ ليلاً، على سَبيلِ المِثال، فإنكَ في الحَقيقَةِ تَرى المُشتري قبلَ ساعةٍ تقريبًا مِن الآن، في حين أنَ الضوءَ الّذي تَلتَقِطهُ اليوم التِلسكوبات قادِمًا مِنَ المَجراتِ البَعيدة فقد انبَعثَ مُنذُ ملايين السِنين.
تنتشرُ الخلفيّةُ الميكرويّةُ الكونيةُ في كلِ مكانْ، فلو استطعْنَا رؤيةَ الأشعةِ الميكرويّة، لَكانت السماءَ مُضيئة بلونٍ موحّد ينتشر بشكلٍ منتظمٍ في كلٍ مكان. وهيَ كثيفةٌ جداً لِدرجةِ أنّنا لو استطعْنا رؤيتَها لما رأيْنا أيّ فراغٍ في السماء.
إنَها أقدَمُ ضوءٍ يُمكِنُنا رصدُه ، إنها أبعدُ وأقدمُ ما يُمكننا مَعرِفتهُ حاليًا. هذا الضوء الّذي سافر إلينا في رحلةٍ اتغرقت نحوَ 14 مليارِ سَنة، قبل وقت طويلٍ جدًا مِن وجودِ كوكبنا أو حتَى مَجرَتِنا. إنَها ما تبقى من طفولَةِ الكون. في ذلك الوقت لم يكن الكون مُظلِمًا وباردًا كما هو الآن، بل كان يَعصِفُ بالإشعاعات والجسيمات الأوليّة. أما الأشياء المألوفة التي تحيط بنا اليوم من نجومٍ وكواكِبَ ومَجرّات، وما شابه ذلك فقد تشكّلت في نِهايَةِ المَطاف مِن هذه الجُسيمات الأولية، عِندما تمدّد الكون و انخفضَت حرارتُه.
إنَ هذا الإشعاعَ المُتبقي أمرٌ بالِغ الأهميَة بالنسبةِ لِعلمِ الكونيات، لأنَهُ يَحمِل البصمَةَ الأحفورية لهذهِ الجُسيماتِ الأولية، فهوَ مخططٌ يُعبّرُ عن الاختلافات الضئيلة جدًا في كثافة الكون عَقِب الانفجار العظيم، ويمكنُنا مِن خِلاله معرفة معلوماتٍ مُهمة عن الكون، تمامًا مِثلَ تَحديدِ هويةِ المُشتَبهِ بِه مِن بَصماتِه.
عندما صدر ضوء الخلفية الميكروية الكونيّة مُنذُ بلايين السِنين، كان ساخنًا جدًا ومُشرِقًا كسطحِ نَجم. لكن توسُّعَ الكون أدى إلى تمدّد بنيته وتضاعُف حجمِه مساحة ألف ضعفٍ مُنذُ ذلك الوقت، الأمر الّذي جعلَ الطول الموجي لهذا الضوء يَتشوه ويَمتط ليُصبِحَ في مجال الامواج الميكرويّة مِنَ الطَيف الكهرومغناطيسي. إضافةً إلى انخفاض درجة حرارة هذهِ الإشعاعات لدرجاتِ الحرارة الحالية المُسجلة لها، والّتي يعتقِدُ العُلماء بأنها نحوَ 2.73 درجة فوق الصفر المطلق.
كيفَ اكتشفَ العُلماء الخلفية الميكرويّة الكونية؟
تنبأ العالمِ رالف ألفيرين Ralph Alpherin عامِ 1948 بوجودِ الخلفيّةِ الميكرويّةِ الكونيةِ أثناءَ قيامِهِ ببحثٍ عن مرحلة الاصطناعِ النووي عقب الانفجارِ العظيمِ معَ العالميْن روبرت هيرمان Robert Herman وجورج غامو George Gamo .
عام 1965، وتحديدًا في مُختبراتِ بيل للهواتفِ بولايَةِ نيو جيرزي فِي الولاياتِ المُتحِدةِ الأمريكية، تفاجأ العالِمان آرنو بينزياس Arno Penzias وروبَرت ويلسُن Robert Wilson بضجيجٍ عالٍ يَصدُرُ عن مُستقبلٍ راديوي كانا يقومان بتركيبه. وبعدَ مُحاولاتٍ عديدة فاشلة للتخلّص من هذا الضجيج المُستمر الناتج عن إشاراتٍ مجهولةِ المصدر، قاموا بتوجيهِ هوائيّ المُستقبل نحو بُقعةٍ أخرى مِنَ السَماء للتحَقُقِ ما إذا كان هذا الضجيج قادِمًا مِنَ الفَضاء، فحصلوا على الإشارة ذاتها مُجددًا.
في الوقت ذاته، كانت مجموعة مِنَ الباحثينَ في جامعةِ برينستون القريبةِ مِنَ المختبرات تقومُ بتجربةٍ للبحث عَنِ الخلفيّةِ الميكرويّةِ الكونيةِ. لذلك عِندما سَمِعَ الباحثونَ (روبيرت ديكي Robert Dicke وديف ويلكنسون Dave Wilkinson) بأمر الضجيج الّذي رصدتهُ مختبرات بيل، عَلِمُوا فوراً أنَّ هذا الضجيج ما هو إلا الخلفيّةَ الميكرويّةَ الكونيةَ.
نُشِرَتِ نتائجُ مختبرات بيل في العدد 142 من مجلةِ Astrophysical Journal لعام 1965، ولاحقاً تشاركَ كلٌ مِنَ العالمين أرنو وروبيرت جائزةَ نوبل في الفيزياء للعامِ 1978 للاكتشافِ الذي قاما به.
المصادر
هنا
هنا
للمزيد حولَ الأشِعة الكهرومغناطيسية الميكروية، اضغط الرابط: هنا