قطة شيشاير الكمومية: تجربة جديدة تظهر غرابة عالم ميكانيك الكم
الفيزياء والفلك >>>> فيزياء
اتضح أن ذلك ممكن في عالم الذرات والجسيمات الذي تحكمه قوانين ميكانيك الكم بما تملكه من خواص تعاكس حسنا البديهي أحياناً. ففي تجربة تمت مؤخراً تمكن فريق من الفيزيائيين من جعل النيوترونات تتحرك في جهة في حين يتم التأثير على أحد صفاتها في جهة مختلفة كلياً وكأن الصفة وحدها تحركت باتجاه والنيوترون باتجاه اخر تماما. اكتشف الفيزيائي ياكير اهارونوف هذا المبدأ في التسعينات ونُشر لأول مرة عام 2001 من قبل زميله جيف تولاكسين وقد أطلق عليه اسم "قطة شيشاير الكمومية".
يمكن للجسيمات بحسب قوانين ميكانيك الكم أن تكون في حالتين فيزيائيتين (مكانين مختلفين مثلاً) في نفس الوقت. فمثلا لو مررنا حزمة من النيوترونات عبر بلورة سيليكون بحيث تنفصل الحزمة لحزمتين دون أن نقيس بشكل مباشر إلى أي حزمة ذهب كل نيوترون فسنجد أن القوانين تقتضي أن كل نيوترون موجود في الحزمتين معاً. اي ان حالته قبل القيام بأي قياس هي تراكب من حالتين هما الوجود في الحزمة الاولى والثانية فيما يعرف بمبدأ التراكب في ميكانيك الكم.
تسمى هذه التقنية التجريبية " قياس تداخل النيوترون " وقد تم ابتكارها في السبعينات في جامعة فيينا وتبين لاحقاً أنها اداة فعالة للتحقق مما تتنبأ به الخواص الأساسية لميكانيك الكم.
ولكن هل يمكن لهذه الآلية أن تفصل الجسيمات عن الخواص التي تحملها؟ للتحقق من ذلك تم اجراء التجربة في مصدر النيوترونات الموجود في معهد لوي لانغفان في غرينوبيل.
- الجسيمات ذهبت من هذه الجهة:
مع أن الجسيمات لا تملك شحنة كهربائية ولكنها تملك خاصة تدعى العزم المغناطيسي. أي يمكننا لأغراض التشبيه فقط أن نتخيل وجود مغناطيس صغير داخل كل نيوترون (هذا التشبيه لا ينطبق على الواقع ولكنه مفيد لتخيل ما قد يحصل في التجربة). وبالتالي يمكن التأثير على هذه الخاصة في النيوترونات بوجود حقل مغناطيسي خارجي.
في البداية تُفصل حزمة النيوترونات لحزمتين بواسطة مقياس التداخل المذكور ثم نختار توجيه العزم المغناطيسي للنيوترونات في كل من الحزمتين بحيث تكون جهة العزم المغناطيسي بجهة الحركة في حالة الحزمة العليا وبعكس جهة الحركة في حالة الحزمة السفلى. بعد أن يتم اعادة جمع الحزمتين بشكل مناسب نختار النيوترونات التي تملك عزماً مغناطيسياً بجهة الحركة فيما يسميه الفيزيائيون "اختيار لاحق". وسنفكر في هذه الحالة أن النيوترونات المختارة ستكون حتما نيوترونات الحزمة العليا ونحن محقون في ذلك (تذكروا أن العزم المغناطيسي لنيوترونات الحزمة العليا كان بجهة الحركة). وبالتالي لو اثرنا على نيوترونات الحزمة السفلى بحيث نخفف من عددها مثلا فذلك لن يغير من خيارنا النهائي في شيء وسيبقى عدد النيوترونات التي تملك عزماً مغناطيسيا بجهة الحركة هو ذاته. بينما لو نقص عدد نيوترونات الحزمة العليا سنجد ذلك يؤثر مباشرة على عددها في الحزمة النهائية. حتى الان الأمور بديهية وطبيعية لنا.
- أما صفات الجسيمات فذهبت من الجهة الأخرى:
تصبح الأمور غريبة عندما نؤثر بحقل مغناطيسي على الحزمة السفلى. فعند إعادة جمع الحزمتين بشكل مناسب سنجد عدد النيوترونات يختلف مع أننا لم نؤثر بشيء على الحزمة العليا. ولكن عند تطبيق الحقل المغناطيسي على الحزمة العليا بدلاً من السفلى لم يلاحظ الفريق وجود تغيير. بعبارة بسيطة فالأمر وكأن الجسيمات التي اخترناها في النهاية ذهبت مع الحزمة العليا ولكن عزمها المغناطيسي (صفتها) ذهب مع الحزمة السفلى لذلك لن نؤثر على هذه الصفة إلا بتطبيق الحقل المغناطيسي على الحزمة السفلى فقط.
- تطبيقات مستقبلية
مع أن هذا التأثير الذي لاحظه الفريق اثناء القيام بالتجربة يعد غريباً ومعاكساً لبديهتنا فهو مثير للاهتمام من ناحية امكانية استخدامه في اجراء قياسات شديدة الحساسية والتي كثيراً ما اصبحت تعتمد في مبدئها على مبدأ "التداخل الكمومي".فعندما يمتلك نظام كمومي (كالذرات أو الجسيمات) صفة ترغب في قياسها بدقة شديدة وصفة أخرى تجعل هذا النظام عرضة للتشويش يمكن عندها فصل الصفتين عن بعضهما باستعمال فكرة قطة شيشاير الكمومية مما قد يخفف من التشويش والاضطراب في النتائج. وقد نشر الفريق نتائج عمله في مجلة Nature Communications أواخر شهر تموز.
لابد أن ميكانيك الكم سيحمل إلنا العديد من الأفكار الغريبة مستقبلا ولكن حتى ذلك الحين إذا شعرتم أن المقال غريب حاولو استخدام مبدأ قطة شيشاير الكمومية لتفصلو مابين المقال غرابته.
المصدر: هنا
البحث المنشور: هنا