كيف نستفيد من بيانات المدن الذكيّة؟
المعلوماتية >>>> عام
يتضمن مكدّسُ تقانات المدن الذكية -في حال وجوده- جوانبَ من تقنياتٍ شبكية، أجهزةِ استشعارٍ وأجهزةٍ فيزيائية، تقنياتِ تواصلٍ، نُظُمٍ فيزيائيةٍ إلكترونية، نُظُمِ معلومات، إدارةِ بيانات، نُظُمِ التوزيع والاتحاد federation and distribution، البياناتِ المفتوحة، التحليلات، التصوّر، تعلّمِ الآلة والعديد من المكوّنات الأخرى. وبالمثل فإنّ مفهوم المدينة الذكية يشمل مجموعةً متنوّعة من المجالات، بدءاً من استهلاك الطاقة إلى المواصلات والنقل، بالإضافة إلى إدارة البنى التحتية للمدينة وفهم آراء وسلوك السكان. ونتيجةً لذلك تَكون المدينة الذكية في أفضل حالاتها نظاماّ من عدّة نُظُم، وفي أغلب الحالات تَكون عدةَ نُظمٍ من النظم.
سيتضمن هذا المقال دورَ التقانات الدلالية في المدن الذكية، باستخدام أمثلةٍ من مبادرتَي: MK:Smart وHyperCat.
البيانات المترابطة وتقانات الويب الدلالي في المدن الذكية:
يعتبر تعقيد وتنوّع المدن الذكية هو السبب الرئيسي لكون البيانات المترابطة وتقانات الويب الدلالي مفتاحاً أساسياً لإنشاء حالات الاستخدام في الفترة الأخيرة. حيث تسمح البيانات المترابطة بدمج المعطيات ضمن بيانٍ مفاهيمي شائعٍ وقابلٍ للوصول والتصفّح، مع ترك المعطيات مُوزَعةً ومُراقَبةً ضمن نُظمٍ مختلفة، وذلك تحت رقابة مختلف المساهمين. وقد أظهر استعمال تقانات البيانات المترابطة تأثيرَه في عدّة حالات، حيث كانت المعلومات تأتي من مصادرَ مختلفة ويستلزمُ وضعُها معاً بطريقةٍ شاملةٍ تَحقّقَ تنوّعِ التطبيقات، دونَ الحاجة لترميزِ قيودِ هذه التطبيقات ضمن نموذج البيانات. وقد أضافت تقانات الويب الدلالي إلى ما سبق، القدرةَ على تطبيق نماذج بيانات ذاتِ معنىً، وذلك عن طريق مفرداتِ وأنطولوجيات الويب المشتركة، ممّا أدى إلى تحسين التشغيل البيني ما بين النظم (التي قد تتشارك ذات المعنى ولكنها تنمذجه بطريقةٍ مختلفة) وإلى الوصول إلى مستوىً أعلى من تحليل المعطيات.
تعدّ MK:Smart ( هنا ) مبادرةً تعاونيةً كبيرة مموّلةً بشكلٍ جزئي من قبل مجلس تمويل التعليم العالي في إنكلترا HEFCE، وتحت إدارة الجامعة المفتوحة والاتصالات البريطانية BT كشريكٍ صناعيٍ كبير. وتهدُف هذه المبادرة إلى تطوير حلولٍ مبتكرة لدعم النمو الاقتصادي لميلتون كينز(Milton Keynes (MK، وهي مدينةٌ جديدةٌ في باكينغهامشير، المملكة المتّحدة. ويركّز هذا المشروع على تشكيل مركز بيانات MK الحديث، والذي يدعم كسب وإدارة مجموعةٍ واسعةٍ من بيانات نظم المدن ذات المصادر المتنوّعة، ويتضمن ذلك بياناتٍ عن الطاقة، استهلاك المياه، بيانات النقل، البيانات المكتسبة من خلال الأقمار الصناعية، البيانات الاجتماعية والاقتصادية، وبيانات الحشود من شبكات التواصل الاجتماعي والتطبيقات المتخصصة. وتكمنُ الفكرة في بناء منشأةٍ مشتركة لإدارة وتكامل وإعادة تقديم هذه المعطيات بشكلٍ فعّالٍ إلى التطبيقات والخدمات، ممّا يقلّل من كلفة تطوير هذه التطبيقات ويخلق ميكانيكياتٍ ذكية لمعالجة المعطيات (كالتنقيب عن المعطيات data mining، التحليل، التجميع والربط) وذلك على نطاق المدينة بأكملها وباستعمال بنىً تحتية مشتركة للمعطيات.
وعلى الرغم من إن ما سبق قد يبدو تطبيقاً مثالياً لتخزين المعطيات data warehousing، إلا أن وجود بعض مشاكل المفاهيم التقليدية لتكامل المعطيات يجعل ذلك صعب التطبيق. وفي الحقيقة فإن العدد الهائل من مصادر المعطيات المتنوّعة يعني وجوب تطبيق جهودٍ كبيرةٍ في نقل المعطيات لتناسب شكل البنية التحتية لنظام إدارة المعطيات، بالإضافة إلى نموذجِ المعطيات العالمي والمشترك، ومن الممكن أن تصبح الجهود المطلوبة لإدارة هذه الوسائل المركزية غيرَ قابلةٍ للتحمّل. أما المشكلة الأخرى فهي أن البنية التحتية لإدارة المعطيات الخاصة بمركز بيانات المدينة الذكية لم تُبنَ بطريقةٍ تدعمُ جميع المتطلبات الخاصة بمجموعةٍ معينةٍ من التطبيقات، الخدمات أو أنماط الوصول. فغايةُ هذه الأنظمة هي دعم الابتكار عن طريق جعل المعطيات متوفّرة بطريقةٍ متجانسة، غير مكلفة ومرنة، وذلك لدعم تطبيقاتٍ من الممكن ألّا تكون محدّدةً بعد.
وتستطيع البيانات المترابطة والويب الدلالي أن تقدّما فائدةً تقنيةً وذلك بدعم مفهوم التكامل الفضفاض للمعطيات والذي يُبقي هذه المعطيات قريبةً من أصلها قدر المستطاع دونَ الحاجة إلى ترميز النماذج والمخططات ضمن النظام، والتي قد تَحدًّ في حال وجودها من إمكانية تطبيق هذه المعطيات.
يمثّل الشكل التالي منهجَ العملِ المتّبع ضمن مركز معطيات MK، حيث يُلاحَظُ في تصميم البنية عدمَ الاعتماد على نقطةِ تخزينٍ واحدة أو على تقنيةِ تخزينٍ واحدة، لأنّ إدارة وصيانة وحدات التخزين الصغيرة أسهلُ وأكثرُ متانةً من إدارة مخازن المعطيات الكبيرة الحاوية على آلاف المجموعات من المعطيات ذات المصادر الواقعةِ خارجَ مركز المعطيات الرئيسي. كما أنّ الاعتماد على الأنابيب المتعددة يمكّننا من اختيار طريقة التخزينِ الملائمةِ لكلّ صيغةٍ من صيغِ المعطيات القادمة من مصادرَ مختلفة. وتُدعى هذه الطريقة بالتكامل الكسول lazy integration لأنّ تكاملَ المعطيات يتم فقط في المرحلة الأخيرة من مركز المعطيات، بحيث تبقى المعطيات التابعة لكلِّ مصدرٍ معزولةً خلال كامل البنية ممّا يسهّل إدارة هذه العملية.
Image: https://www.computer.org/cms/Computer.org/ComputingNow/issues/2016/02/mic2015060066.pdf
فهرسة البيانات المترابطة الدلالية لمركز معطيات المدينة الذكية:
إنّ أغلب الجهود المبذولة في تطبيق البيانات المترابطة ومبادئ الويب الدلالي كانت تركّز على التشغيل البيني للمعطيات فيما يخصّ محتوى هذه المعطيات، وذلك لاكتشاف الطريقة الأسهل لاستعمال مجموعات المعطيات المختلفة، مع بعضها. ولكنّ إحدى عواقب استعمال هذا المنهج والاعتمادِ على مبادئ البيانات المترابطة، هو تدّخُلُ العديد من المصادر في الدفقِ الداخلِ إلى مركز المعطيات، ولا بدّ من تعقّب المعلومات الخاصة بمصادر المعطيات هذه. وعلى الرغم من أن هذه المشكلة ليست بجديدة، إلا أنها تتضخّم فيما يخصّ المدن الذكية بسبب تواجد العديد من مراكز المعطيات (مركز على الأقل لكلّ مدينة) وكل مركزٍ يتعامل مع آلاف المجموعات من المعطيات ذات المصادر المختلفة كما ذكرنا سابقاً، ولا بدّ أن تكون المعلومات الخاصة بها مفهومةً وواضحة لأن المنهجيات التقليدية تصبح غير فعّالة عند تعاملها مع درجة تعقيد كبيرة.
تعتبر HyperCat ( هنا ) مثالاً واضحاً عن المبادرات التي تهدف إلى حلّ هذه المشكلة. حيث قامت innovateUK – وهي وكالة دعم الابتكار في المملكة المتحدة – في عام 2014 بتمويل برنامجٍ يدعى إنترنت الأشياء (Internet of Things (IoT، وتمّ بعدها تمويلُ ثمانيةِ مشاريعَ لتوفير مجموعات IoT، حيثُ ركّزت كلُّ مجموعةٍ على مجالٍ مختلفٍ كالمواصلات الذكية، المطارات، المنازل الذكية، المدارس وغيرها. وقد تمّ تجميع هذه المجموعات حول مركز المعطيات للحصول على التغذية من مستشعراتٍ متعدّدة الأنواع. وقد كان من الأهداف الكبيرة لهذا المشروع هو تحقيقُ التشغيل البيني بين مراكز المعطيات ذات المجالات المختلفة، والذي أدّى إلى ظهور HyperCat، وهو معيارٌ لتمثيل واستخراج معطيات مراكز إنترنت الأشياء لتحسين اكتشاف المعطيات والتشغيل البيني. وتعتمدُ هذه الفكرة على تفعيل مخازن موزّعة من المعطيات ليتمّ استعمالها بشكلٍ مشترك من قبل التطبيقات، حيث يصبح بإمكان هذه التطبيقات أن تستعلم عن فهارسها بصيغةٍ موحّدة وقابلةٍ للقراءة من قِبَل الآلة. وقد أدّى ذلك إلى تشكيل بيانات المعرفة knowledge graphs لمجموعات المعطيات المتوفّرة عبر عدّة مراكز، والتي تستطيع التطبيقاتُ الوصولَ إليها والاستعلامَ عنها بغضِّ النظرِ عن مكان تواجدها. وقد استطاعت HyperCat تحقيقَ ما سبق عن طريق تطبيق مبادئ بناء البيانات المترابطة والويب الدلالي، فالوصول إلى البيانات يتمّ عن طريق بروتوكولاتِ وصيغِ الويب المعيارية نفسها (مثل HTTP وJSON وغيرها)، ويتمّ تعريف الموارد باستعمال URIs، كما تمّ وضع دلالاتٍ مشتركةٍ لواصفاتِ مجموعاتِ المعطيات. وبذلك يمثّل HyperCat نقطةَ انطلاقٍ حقيقية لحلّ مشكلة إدارة المصادر المتعدّدة، والمجمَّعةُ في عدّةِ مراكز معطيات وذلك باستعمال مفاهيم البيانات المترابطة والويب الدلالي. يشرح كلُّ فهرسٍ من HyperCat مجموعةً من الـ URIs التي تمثّل مصادرَ المعطيات، ولكلٍّ منها زوجٌ من العلاقات والقيم، وبذلك يستطيع المخدّم أن يقدّم مجموعةً من المصادر إلى الزبون بحيث يترافق كلُّ منها مع شروحٍ دلالية.
Image: https://www.computer.org/cms/Computer.org/ComputingNow/issues/2016/02/mic2015060066.pdf
يُظهِر الشكل السابق كيفيةَ تواصل التطبيقات ومراكز المعطيات ضمن HyperCat، وذلك لمعرفة المعطيات الموجودة في كلّ مركز وكيفية الوصول إليها.
يُعدّ مفهوم مركز المعطيات الخاص بالمدن الذكية تمثيلاً واضحاً عن التحديات التي بدأتْ البياناتُ المترابطة والتقنياتُ الدلالية بمواجهتها، ولا بدّ من مكاملة ذلك باستعمال المعايير مثل HyperCat، وذلك للسماح للمدن الذكية بالاستمرار في النمو. ومن كل ما سبق نرى أنّ مراكز معطيات المدن الذكية لا تسمح بتفعيل أنظمة المدن الذكية وحسب، ولكنها تعطي أنظمةً ذكيةً تستطيع إدارة مجموعات كبيرة من المعطيات باستعمال تقنيات البيانات المترابطة والويب الدلالي ممّا يؤمّن دعماً ذكياً لاستهلاك هذه المعطيات والاستفادة منها.
-----------------------------------------------------------------------------
المصدر:
هنا