الأزهار هي منْ تنقل البكتيريا إلى النّحل
البيولوجيا والتطوّر >>>> بيولوجي
لكنّ هذا يحتّم على النّحل أن يبقى بصحّة جيّدة كي يتمكّن من القيام بدوره على أكمل وجه، وما يُبقيه كذلك، هو وجود علاقة ديناميكيّة وتعاون ما بين الوسط الحيويّ الميكروبيّ (Bee microbiome)* الموجود في أمعاء النّحل، والبيئة الّتي يعيش ويتغذّى فيها من جهةٍ، وسلامة جسم النّحل نفسه من جهةٍ أخرى.
يجري العلماء الكثيرَ من الدّراسات لفهم طبيعة الوسط الحيويّ الميكروبيّ لدى النّحل، ومدى تنوّعه، ودوره الحاسم في المحافظة على صحّة النّحل وحمايته من الإصابة بالعدوى، ويتمّ ذلك بشكلٍ مماثلٍ للدّور الّذي تقوم به الفلورا المعويّة لدى الإنسان، وتناولت العديد من المؤسّسات البحثيّة هذا الموضوع في الآونة الأخيرة، وأُجريت أغلب هذه الأبحاث على نحل العسل (Honey bee) والنّحل الطنّان (Bumble bee) نظراً لسهولة التّعامل معهما، وقدرة العلماء على التّحكّم بالظّروف المحيطة بهما، كما أنّ أغلب عمليّات تلقيح الأزهار التّجاريّة تعتمد أنواعَ نحل العسل، بينما لم ينَل النّحل البريّ (wild bees) إلّا قدراً قليلاً من الاهتمام.
وبالرّغم من قلّة الدّراسات والبحوث حول أنواع النّحل البريّ، إلا أنّ لهذه الأنواع من النّحل دوراً حاسماً وكبيراً في عمليّة تلقيح الأزهار. ومن المتوقّع زيادة التّركيز البحثيّ على النّحل البريّ قريباً، إذْ سينال الاهتمام الأكبر بسبب تدنّي أعداد نحل العسل، نتيجةَ ظاهرة غريبة فتكت بأعداد كبيرة منه، تُدعى اضطراب انهيار المستعمرة colony collapse disorder.
المزيد عنه في مقال سابق: هنا
عمّ تتحدث الدّراسة؟
نشرت مجموعة من الباحثين في جامعة كاليفورنيا riverside UC في جريدة علم البيئة الخاصّ بالكائنات الدّقيقة دراسةً توضّح أنّ الأزهار تلعب دور وسائط لانتقال البكتيريا الّتي تُعدّ جزءاً من الوسط الحيويّ البكتيريّ الموجود في أمعاء النّحل.
وقد تبيّن لأوّل مرّة أنّ أنواع النّحل البرّيّ والأزهار تتشارك أنواع البكتيريا نفسها، وبالتّالي فإنّ النّحل لا يحصل على الرّحيق فقط من الأزهار بل يأخذ منها أيضاً البكتيريا الّتي تعيش في أمعائه.
يقول إم سي فريدريك: "يعتقد العلماء أنّ النّحل البرّيّ، هو بمثابة وثيقة التّأمين، عندما لا نستطيع أن نجد كفايتنا من عمليّة التّلقيح بنحل العسل، ولهذا يجب علينا أن نفهم النّحل البرّيّ بشكل أفضل لنتمكّن من الاستفادة منه أكثر، ويضيف: "نحن نقوم بوضع جميع احتياجاتنا لعمليّة التّأبير ضمن نظام وحيد، ولكن ماذا لو انهار هذا النّظام؟! أي ما الّذي ستؤول إليه الحال إذا خسرنا هذه الوسيلة الوحيدة، وهي نحل العسل، ألا يجب علينا أن نجد بديلاً لتلك الوسيلة على سبيل الاحتياط؟!."
فالنّحل البريُّ يقوم بتلقيح النّباتات الزّهريّة تماماً كما يقوم بها نحل العسل، ولكن ليس هنالك إمكانيّةٌ لتجميع هذا النّوع وتنظيمه في مكان واحد بشكل فاعل ليقوم بتلقيح المحاصيل بطريقة منظّمة ومنسّقة، أو تلقيح أحد أنواع المحاصيل فقط بشكل نوعيّ، كأشجار اللّوز في كاليفورنيا مثلاً.
وكانت التّجربة على النّحو التّالي: جمع الباحثون مجموعةً من النّحل البرّيّ والأزهار في موقعين من ولاية تكساس، وآخر في المرج الخاصّ بالجامعة، وأنشؤوا لها أعشاشاً مشابهةً لتلك الّتي تصنعها بنفسها في ثقوب مهجورة ضمن جذوع الأشجار الّتي تتمّ صناعتها من قبل الخنافس.
حيث حفر الباحثون ثقوباً في قطع من الخشب، وثبّتوا هذه الأعشاش الصّنعيّة في الحقول مع الأزهار البريّة. استوطنت مجموعات النّحل الّتي جمعها فريدريك وزملاؤه الأعشاشَ الخشبيّة واستقرّت ضمنها، وبدأت أعمالها، ثمّ قام الباحثون بجمع النّحل، وتحليل الوسط الحيويّ البكتيريّ الموجود في الأمعاء، بالإضافة إلى تحليل حبّات الطّلع الّتي يحملها النّحل.
وكي يضمن فريديريك عدم تلقيح النّحل جميعَ الأزهار، قام بتغليف جزء من الأزهار بأكياس خاصّة قبل أن تتفتّح، ثمّ جُمعت الأزهار التي زارها النّحل بالإضافة إلى الأزهار التي لم يقم النّحل بزيارتها.
فماذا كانت النّتيجة؟
لوحظ بعد التّحليل أنّ البكتيريا وُجدت في الأزهار جميعها سواء أتمّت تغطيتها أم لم تتمّ.
أي أنّ البكتيريا انتقلت إلى الأزهار المغطّاة، إمّا عبر سطح النّبات، أو عبر الهواء، أو عبر حشراتٍ صغيرة جداً مثل الثربس thrips.
ويعتقد الباحثون في UC riverside أنّ البكتيريا المشتركة بين الأزهار والنّحل البرّيّ، قد تكون ذات فائدة ما، ولهذا الغرض سيتمّ إجراء المزيد من الدّراسات عن كثب مستقبلاً.
أمّا السّبب الّذي يجعل هذه البكتيريا ذات فائدة، فهو وجود بكتيريا العصيّات اللبنيّة Lactobacillus ضمن هذه المجموعات، والعصيّات اللبنيّة هي مجموعةٌ من البكتيريا تضمّ العديد من الأنواع الّتي يستخدمها الإنسان في حفظ الكثير من الأطعمة وتحويلها لمخلّلات مثل مخلّل الخيار والملفوف، كما تدخل في صناعة خميرة الخبز الّتي لا غنى لنا عنها في صناعة المعجّنات.
إضافةً إلى أنّها تسهم في حفظ الرّحيق nectar وغبار الطّلع الّذي يخزّنه النّحل البرّيّ في أعشاشه كغذاءٍ جاهزٍ لليرقات التي ستفقس قريباً.
المصادر:
هنا
هنا