كيفَ تآمر َأينشتاين وشرودنجر معاً لقتلِ القطّة؟ الجزء الأول
الفيزياء والفلك >>>> فيزياء
تتحدثُ حِكايةُ شرودنغر عن قطّةٍ مُحتجَزةٍ داخلَ صندوقٍ مُحكمِ الإغلاق، مع وجودِ بعض الموادِ المُشعّةِ بداخلِه، وزجاجةٍ مليئةٍ بالسُمّ. إنْ تحلّلَتْ هذهِ الموادُ المشعّةُ، سيتحررُ جهازٌ خاصٌّ يُشبِهُ المطرقةَ، ليُحطمَ الزجاجةَ المليئةَ بالسُمِّ ،فتُقتَلَ القطّة؛ لكن إنْ لم يحصُل أيُ نشاطٍ إشعاعي، ستعيشُ القطّة.
استخدمَ شرودنغر هذا السّيناريو البشع للسخريةِ منْ مُستقبلِ النّظريّةِ الكميّة (منْ وجهةِ نظرِه). فحسبَ وجهةِ نظرِ أنصارِ النظريّة الكميّة، طالما أنّ الصّندوقَ لم يُفتحْ، فإنّ القطّة ليست حيّة وليست ميّتة؛ بل ستكون في حالةٍ كميّةٍ غريبةٍ، فالقطّة ميتة وحيّة في آنٍ واحد!
تُعتبَرُ قصّةُ قطّةِ شرودنغر اليومَ من القصصِ المُمتعةِ، التي يُؤلِّفُ عليها البعض النُّكت أحياناً، أكثرَ من اعتبارِها قصّةً حزينة. وقد أصبحَتْ أيضاً، رمزاً المآزق التي يُمكن أنْ تقعَ الفلسفةُ والفيزياءُ فيها.
تنتشرُ قصّةُ قطّةُ شرودنغر في مواقعِ التّواصلِ الاجتماعي اليوم بشكلٍ واسع وسريع. لكنْ، عندما تُناقَش، غالباً ما يجري التغاضي عنْ أحدِ الأبعادِ الأساسيّةِ لهذهِ القصّة: البيئةُ التي ألهمَتْ العالِم شرودنغر لابتكارِ هذهِ الحكاية.
في أيام شرودنغر، كانَتْ ملامحُ الحربِ العالميّةِ تلوحُ في الأفق، وتلوحُ معها مشاهدُ المذابحِ والدّمار والتجزئة التي تنتظرُ ألمانيا وبنيتَها الفكريّة. بذلكَ، قد نجدُ تفسيراً منطقياً لتوجُّهِ أفكارِ شرودنغر نحوَ السُمّومِ والموتِ والدّمار.
تُذكِرُنا قصّةُ قطّةِ شرودنغر بأنّ العُلماءَ بشرٌ مثلُنا، لهم مشاعرُهم ومخاوفُهم، وينالُهم نصيبٌ من الهمومِ جراءَ الحروبِ كبقيَّتنا؛ فهي ليسَتْ مجرّدَ قصّةٍ مُخادعةٍ عن ميكانيك الكم فقط.
ما يجدرُ بكم معرفتُه قبلَ أنْ ندخُلَ في التفاصيل، أنّ شرودنغر لمْ يقم بصياغةِ سّيناريو القطّة لوحدِه؛ إنّما صاغَهُ مع العالمِ ألبرت أينشتاين Albert Einstein خلال صيفِ عام 1935، أثناء حوارٍ دار بينهما.
صداقةُ العالمانِ أينشتاين و شرودنغر
إنْ عدْنا قليلاً بالزمن إلى الوراء، نرى أنّ هذينِ العالِمينِ قد وطّدَا صداقتَيهُما في أواخرِ العشرينات من القرن العشرين عندما كانَا يعيشانِ في برلين. فقد كانَ لأينشتاين في تلكَ الأيام، شهرةٌ واسعةٌ حولَ العالَم بفضلِ النظريّة النّسبيّة، وكانَتْ بعضُ النّشاطاتِ السّياسيّة تتخلّلُ برنامجَه، كمشاركتِهِ في اجتماعاتِ عُصبةِ الأمم، ويُضافُ إلى ذلك سعيهِ في سبيلِ العلم؛ أمّا العالِم النمساويّ الأنيق شرودنغر، فقد ترفّعَ في عام 1927 إلى درجةِ أستاذٍ في جامعةِ برلين، بعد عام ٍ من طرحِه لِمُعادَلةِ الموجة في ميكانيك الكمّ، والمعروفةِ اليوم باسم "معادلة شرودنغر".
جمعَتْ العالمان صداقةٌ قويّةٌ، وكانا يُمضِيان معاً أوقاتًا ممتعةً في حفلات السّجق التي كانَ شرودنغر يقيمُها في بيتِه، أو عندما كانَا يركبانِ القاربَ في البُحيرةِ القريبةِ من منزل أينشتاين الصّيفي.
لكنْ قُدِّرِ لهذِه اللقاءاتِ الجميلةِ أنْ تتوقفَ قبلَ أوانِها، عندما استلمَ هتلر سُدّة الحُكمَ في ألمانيا في كانون الثاني من العام 1933. فبينَما كانَ أينشتاين يزورُ زملاءَه في جامعة باسادينا بولايةِ كاليفورنيا، قامَ النّازيون في غيابه بمُصادرةِ شقّتِه في برلين ومنزلِه الصّيفي، وقامُوا بتجميدِ حسابِه المصرفيّ. لذلك، سارعَ أينشتاين للاستقالةِ من أكاديميّة بروسان للعلوم، التي كانَ يعملُ بها في ألمانيا، واتخذَ الاجراءاتِ اللازمة لاستقرارِه في مدينة برنستون ، بولاية نيوجيرسي، كونِه أحدَ الأعضاءِ الأوائل المؤسّسينَ لمعهدٍ جديدٍ للدراسات المُتقدمة.
أمّا بالنسبة لشرودنجر،الذي لم يكنْ يهودياً مثلَ أينشتاين، ولم يكنْ له نشاطٌ سياسيٌّ واضح، وكانَ غامضًا في مواقفَه السّياسيّة، فقد شاهدَ بفزعٍ الفظائعَ التي ارتكبَها النّازيون في ذلك الربيع. ومن بينها، القيامُهم بحملاتٍ كبيرةٍ لحرقِ الكتبِ، وفرضِ قيود عنصريّةً صارّمةً حتى على المدرّسينَ في الجّامعات.
لم يكن أمام شرودنغر في تلك الظروف الصّعبة، إلّا أنْ يقَبَلَ العضويّة في جامعةِ أوكسفورد، ويُغادِرَ برلين في ذلك الصّيف، ليستقرَ أخيراً في دوبلن.
في شهر آب، كتبَ شرودنغر لصديقِه أينشتاين رسالةً جاءَ فيها: "لسوءِ الحظّ، لم أحظى بأيّ قسطٍ من الهدوءِ خلال الشّهور الماضيّة لأتمكّن بشكلٍ جَدِي من القيام بأي شيءٍ."
المصدر: هنا
الجزء الثاني هنا كيفَ تآمر َأينشتاين وشرودنجر معاً لقتلِ القطّة؟