الثابت الكونيّ … خطأ أينشتاين الّذي انقلب لصالحه
الفيزياء والفلك >>>> علم الفلك
اعتقدَ أينشتاين آنذاكَ أنّ الكونَ ثابتٌ، لذلكَ اقترحَ ثابتاً رياضياً يُسمّى "الثّابت الكونيّ" يُرمز إليهِ عادةً بالحرفِ اليونانيّ "لامدا" (Λ)، كتصحيحٍ رياضيّاتيّ لنظريّة النسبيّة العامّة، بحيثُ يُمثّلُ الثّابتّ الكونيّ كثافَةَ طاقةٍ مَوجودةٍ في كلّ الكونِ تُعاكسُ تأثيرَ الجاذبيّة مما يجعلُ الكونَ ثابتاً. لكنّ عالمَ الرّياضياتِ الرّوسيّ فريدمان، اقترحَ نموذجَ الكونِ الآخذِ في التّوسعِ، والّذي يُسمّى الآنَ نظريّة الانفجارِ العظيم، وعندما أظهرت دراسةُ العالِمِ إدوين هابل أنّ الكونَ آخذٌ في الاتّساع فعلاً، أسِفَ أينشتاين على تعديلِ نظريّتهِ الأنيقةِ، ورأى أنّ الثّابتَ الكونيّ هو "أعظمُ خطأٍ ارتكبه".
عادَ الثّابتُ الكونيّ عام 1980 بصورةٍ جديدةٍ كمُرّشحٍ لتمثيلِ القوّة الثّائِرة الّتي أنجبتِ التّوسعَ الكونيّ الهائلَ عقبَ اللحظاتِ الأولى للانفجار العظيم والمُسمّى "التّضخُم الكونيّ" أو "Cosmic Inflation". يسعى العديدُ من علماءِ الكونِ اليومَ إلى إحياءِ مُصطلحِ الثّابتِ الكونيّ بناءً على أسُسٍ نظريّة، وقد ربطت نظريّةُ الحقلِ الكموميّ الحديثةِ هذا المصطلحَ مع كثافةِ طاقةِ الفراغ، في حين ربطهُ بعض الفيزيائيّين بالطّاقة الخفيّةِ الّتي تؤدّي إلى تمدّدِ الكونِ باستمرارٍ والمُسماةُ "الطّاقة المُظلمة" .
في معادلة أينشتاين للجاذبيّة، يُمثّلُ الثّابتُ الكونيّ كثافةَ طاقةِ الفراغ؛ ويُقصدُ بالفراغِ هنا المساحةُ الخاليةُ من أيّةِ مادّةٍ وفقًا للنّسبية العامّة. فإذا جعلنا كثافةَ طاقةِ الفراغِ مساويةً لِكثافَةِ طاقةِ نُقطةِ الصّفر الّتي تبقى في المساحةِ بعدَ إزالةِ جميع جُسيماتها، فإنّنا نحصلُ على قيمةٍ أكبرَ بنحوِ 120 مرّة من القيمةِ الملحوظة، ومن شأنِ قيمةٍ كبيرةٍ كهذه أن تؤدّي إلى تضخمٍ كونيّ سريعٍ جدّاً بحيثُ لا تلبثُ المجرّات أن تتشكّل! هذه هي مُشكِلةُ الثابت الكونيّ.
تنبعُ جاذبيّةُ مُصطلحِ "الثّابتِ الكونيّ" من حقيقةِ أنّهُ يُوفّقُ إلى حدٍّ كبيرٍ بينَ النّظريّة والقياساتِ المُباشرة. وأهمُّ الأمثلةِ على هذا، الجُهدُ الّذي بَذلهُ العُلماءُ لِقياسِ سُرعةِ توسّع الكونِ في السّنوات القليلةِ الماضية. تؤثّرُ الجاذبيّةُ النّاتجة عن مادّة الكونِ عموماً على عمليّةِ التّوسّع الكوني فتُبطئه، وقد أرادَ العُلماءُ في الآونةِ الأخيرةِ قياسَ مدى هذا التّباطؤ على مدى عدّة ملياراتِ سنةٍ مضت، وكانتِ المُفاجئة أنّ التّوسّعَ الكونيّ يَتسارعُ باستمرار!
بالرّغم من أنّ هذهِ النّتائجَ تُعتبرُ أوليّة، إلا أنّها أثارت احتِمالَ أن يحتوي الكونُ على شكلٍ غريبٍ من المادّةِ أو الطّاقةِ الّتي تُقاومُ الجاذبيّة النّاتجةَ عن مادّته و تدفعهُ للتّوسّع، لكنْ لا يزالُ الباحثونَ يعملونَ على حلِّ هذا اللغز.
هنالك العديدُ مِن المُلاحظاتِ الأُخرى التي تُوحي بالحاجةِ إلى ثابتٍ كونيّ؛ فعلى سبيل المثال، إذا كان الثّابتُ الكونيُّ اليومَ يضَمُّ مُعظمَ كثافةِ الطّاقةِ في الكونِ، فإنّ عمرَ الكونِ الاستقرائيّ أكبرُ بكثيرٍ ممّا هو عليهِ في حالِ عدم وجودِ مثلِ هذا المصطلح، ممّا يُمكّننا من تجنُّبِ المُعضِلةِ التّي مفادُها أنّ عمرَ الكونِ الاستقرائيّ هو أصغَرُ مِن عمرِ بعضِ النّجومِ الّتي نعرفها!
من جهةٍ أخرى فإنّ إضافةَ مُصطلحِ "الثّابت الكونيّ" إلى نموذجِ نظريّة الانفجارِ العظيمِ يتّسقُ مع التّوزّعِ الكبيرِ لِلمجرّات والعناقيدِ المجرّيّة ومعَ البياناتِ الّتي رصدها العُلماءُ عن إشعاعِ الخلفيّةِ الكونيّة الميكرويّ.
المصدر: هنا