هل أصبحت برامج التّجسس قادرة على التّسلل إلى عقولنا؟
المعلوماتية >>>> عام
إنّه سيناريو مستقبليّ، ولكنّه ليس بعيداً جداً، لذلك فكرة تأمين أفكارنا أصبحت مصدراً حقيقيّاً للقلق مع الأخذ بعين الاعتبار واجهات دماغ-حاسوب (brain-computer interface
في لقاءٍ مع المهندس (Howard Chizeck) وزميلته المهندسة (Tamara Bonaci) في مختبر الرّوبوتات في جامعة واشنطن، للاطلاع على عملهم في مجال روبوتات القرصنة الجراحيّة الّتي يمكن التّحكم بها عن بعد، عرض المهندسان بعض بحوث القرصنة الأخرى الّتي كانوا يعملون عليها، بما في ذلك كيفيّة استخدام واجهة دماغ-حاسوب، بالإضافة إلى رسائل مموهة في لعبة فيديو تدعى (Flappy Whale)، وهي لعبة بسيطة قائمة على فكرة اللّعبة الشّهيرة (Flappy Bird) والهدف منها استخراج معلوماتٍ خاصةٍ عن الفرد، و تعمل اللُّعبة كما يلي: توضع واجهة دماغ-حاسوب على الرّأس وهي أشبه بقبعةٍ مُغطّاة بالأقطاب، ويجلس الشّخص أمام جهاز الكمبيوتر للعب اللّعبة، وكل ما عليه القيام به هو توجيه الحوت الأزرق عبر المسار الظّاهر على الشّاشة باستخدام مفاتيح الأسهم على لوحة المفاتيح(كما في الصورة)، ولكن أثناء اللّعب تبدأ شعاراتٌ ما بالظّهور في أعلى يمين الشّاشة لمجرد ميلي ثانية ثم تختفي.
Image: http://motherboard-images.vice.com/content-images/contentimage/36264/1470222474697706.jpg
الفكرة بسيطة: يمكن للقراصنة إدراج شعارات أو صور مثل هذه في لعبة مراوغةٍ أو أيّ تطبيقٍ ويُسجّلون استجابة دماغك غير الُمَتعمّدة من خلال واجهة دماغ-حاسوب، وربما يسمح لهم ذلك باكتساب نظرةٍ ثاقبةٍ حول العلامات التّجارية الّتي تعرفها، فيمكن معرفة البنك الّذي تتعامل معه مثلاً من خلال رد فعلك عند ظهور شعاره، و غيرها من الصّور الّتي لديك رد فعلٍ قويٍّ عليها. لدى فريق Bonaci عدة نسخ مختلفة من اللّعبة تستخدم شعارات المقاهي المحليّة وسلاسل الوجبات السّريعة. قد لا تشعر بأن الموضوع مثير للاهتمام ولكن تخيل لو أنّ الشعارات استُبدلت بصور سياسيين، أو رموز دينيّة، أو صور جنسيّة، من المُحتمل أن تُستخدم المعلومات الشّخصيّة المُستخرجة بهذه الطّريقة للإحراج أو الإكراه، أو التّلاعب به.
المُشكلة مع واجهات دماغ-حاسوب هي أنّه عند التقاط الإشارات الكهربائيّة للتّحكم بتطبيقٍ ما فإنَّ التّطبيق لا يحصل فقط على مجموعة الإشارات المفيدة للبيئة واللّازمة للتّحكم بالتّطبيق نفسه، بل يصل إلى إشارة تخطيط الدماغ EEG كلّها، وإشارة EEG الكاملة تحتوي معلومات غنيّة عنّا كأشخاص. أي أنّ واجهات دماغ-حاسوب ستكون نوع من أجهزة الكشف عن الكذب أو حتّى أجهزة الكشف عن الأفكار. من المعروف في علم الأعصاب أنّه إذا كان لدى الشّخص ردود فعلٍ عاطفيّةٍ قويّةٍ إلى أحد المُحفِّزات المُقدَّمة له، بعد حوالي 300 ميلي ثانية من رؤية الحافز ستكون هنالك ذروة إيجابيّة مُخبّأة داخل إشارة EEG. قراءة العقل بالطبع ليست بهذه البساطة، نحن لا نفهم الدّماغ بما فيه الكفاية لمطابقة إشاراتٍ مثل هذه مع المعنى المباشر لها، ولكنّ النّتائج الأوليّة أظهرت أنّه من الممكن معرفة ما يفضله النّاس بهذه الطريقة (والتّجارب لا تزال جارية). عند لعب لعبة (Flappy Whale)، تظهر نفس الشعارات مراراً وتكراراً، والّذي من شأنه أن يوفّر المزيد من البيانات حول الاستجابة على كل صورةٍ والسّماح للباحثين بتمييز أي نمط.
ما هو احتمال أن يستخدم شخصٌ ما واجهات دماغ-حاسوب للهجوم؟
هذه التّكنولوجيا يمكن أن تُؤخذ بسهولةٍ وبسرعةٍ كبيرةٍ حسب رأي الباحثين، وقد تمّ بالفعل توصيف واجهات دماغ-حاسوب في الألعاب، إما كوحدة تحكّم مُبتكرة أو لإضافة وظائف جديدة مثل رصد مستويات التّوتر. ويمكن أن تستخدم القدرة على قراءة إشارات الدماغ لشخص ما لتقديم تطبيقات استهلاكيّة أخرى أيضاً، فربما يصبح بالإمكان مشاهدة فيلم تتغير أحداثه في استجابة لإشارات الدّماغ (اختر المغامرة الخاصة بك!). ولكن المشكلة هي أنّه حتى لو كان الشّخص الّذي يضع التّطبيق يملك أفضل النّوايا وليس لديه أي هدف سيء، يمكن لشخص آخر أن يأتي ويعدّله! وفي سيناريو لعبة (Flappy Whale)، قد يُحمِّل المُستخدم اللّعبة من المتجر دون أن يُدرك أنّ فيها هذا النّوع من الرسائل المموهة، فتكون بمثابة "برمجيّات خبيثة في الدّماغ". وبوضع القرصنة جانباً، إنّ أكبر إساءةٍ لاستخدام هذه التّكنولوجيا هي الإعلانات، والّتي يمكن أن تُشكّل خطراً على خصوصيّة المستخدمين، يمكن أن تكون واجهات دماغ-حاسوب غير محدودة في الإعلانات الموجهة فهي بمثابة خط مباشر إلى عقول المستهلكين. إذا ارتدى المستخدم واجهة دماغ-حاسوب أثناء تصفح شبكة الإنترنت أو لعب لعبة، يمكن للمعلنين تقديم الإعلانات وفقاً لرده على العناصر الّتي يراها. فمثلاً إذا كان يستجيب بشكل جيد لصورة "برغر"، يقدمون له عروض ماكدونالدز! بمجرد وضع أقطابٍ كهربائيّةٍ على رؤوس النّاس، فإنّ كلّ ذلك ممكن.
يعتقد الباحثون أنّه يجب أن يكون هناك نوعٌ من سياسة الخصوصيّة في التّطبيقات الّتي تستخدم واجهات دماغ-حاسوب ليعرف النّاس كيف يمكن أن تُستخدم بيانات إشارات EEG الخاصة بهم. أنت تعرف عادةً عندما تقوم بالتّخلي عن خصوصيّتك، فعندما تقوم بإدخال معلومة ما في نموذج على شبكة الإنترنت، يمكنك أن تفكر على الأقل لفترة ثانية، "هل أريد أن أكتب هذا؟" أما إشارات الدّماغ غير إراديّة، إنّها جزء من الجهاز العصبيّ، وواجهات دماغ-حاسوب توفّر فرصة للقراصنة لجمع المعلومات منك دون معرفتك عن ذلك على الإطلاق.
وهدف بحث فريق جامعة واشنطن في قضايا الخصوصيّة والأمن المُحتملة الآن هو القبض على أيّ مشاكل قبل أن تصبح التّكنولوجيا سائدة (إذا حدث ذلك). فيقولون في ورقةٍ بحثيّةٍ نُشرت عام 2014، إنّ مثل هذه القضايا يمكن أن يُنظر إليها على أنّها اعتداءٌ على حقوق الإنسان في الخصوصيّة والكرامة. ويشيرون إلى أنّه على خلاف البيانات الطّبيّة، فالحماية القانونيّة للبيانات الّتي يتمّ إنشاؤها بواسطة واجهات دماغ-حاسوب قليلة جداً.
إحدى الطّرق الواضحة للمساعدة في التّحكم بكيفيّة استخدام بيانات واجهات دماغ-حاسوب تعتمد على السّياسة بدلاً من التّكنولوجيا. يجب أن يعمل المحامون والمهندسون وعلماء الأخلاق معاً ليقرروا ما المقبول القيام به بهذا النّوع من البيانات. ويمكن بعدها أن يطّلع المستهلكين على المعايير الّتي يجب على التّطبيقات التّقيّد بها. ولكن يجب أن يكون هناك حافزٌ لجميع مطوّري التّطبيقات والمُبرمجين والشّركات المُصنّعة للقيام بذلك وإلّا لماذا سيغيّرون أيّ شيءٍ يفعلونه الآن؟
وقد اقترح فريق واشنطن أيضًا حلاً أكثر تقنيّة، من شأنه فلترة الإشارات بفعاليّةٍ حيث يمكن للتّطبيقات الوصول إلى بيانات محددة، فقط تلك الّتي يحتاجون إليها، ويتمّ منع تسرّب المعلومات غير المقصود بعدم نقل وتخزين الإشارات العصبيّة الخام وأيّ مكونٍ من مكونات الإشارة غير المطلوبة صراحةً لغرض الاتّصال والتّحكم بواجهات دماغ-حاسوب.
حاليّاً المزيد من التّجارب قائمةٌ لتمييز المزيد من أنواع وتفاصيل المعلومات الّتي يمكن استخلاصها من خلال الواجهات، في محاولةٍ لإيجاد وسيلةٍ لفلترة هذه البيانات لمنع تسرُّب المزيد من المعلومات الحسّاسة. بالقيام بهذا العمل الآن، يأمل الباحثون كبْحَ المخاوف المتعلّقةِ بالخصوصيّةِ والأمن في المستقبل في مهدها قبل اتّصال معظم النّاس مع واجهات دماغ-حاسوب. فمن النّاحية التّقنيّة أصبح الأمر ممكناً بمجرد وضع أقطابٍ كهربائيّةٍ على رؤوس النّاس، والسّؤال القائم هو: هل نريد تنظيم ذلك، هل يمكننا تنظيم ذلك، وكيف؟
المصادر:
هنا