كيف ساهم الأسلوب البرمجي في نجاح شركة «واتس آب»
المعلوماتية >>>> عام
أحد أكثر المواضيع المثيرة للاهتمام في قصة خدمة "WhatsApp" هو أن الشركةَ الناشئة وصلت إلى هذا الحجم الهائل من المستخدمين بإدارة وعمل فريق صغير. فعندما تم الاستحواذ عليها من قِبل شركة «فيس بوك»، كانت تعمل بـ35 مهندسًا فقط، وقد وصلت إلى أكثر من 450 مليون مستخدم. أما حاليًا، توظفُ الشركة حوالي 50 مهندسًا فقط، و مع ذلك، فإن عدد مستخدمي الـ"WhatsApp" قد تضاعف، ويستمر هذا الكادر الهندسي الصغير في إدارة الأمور بشكل كامل تقريبًا. في حين أن العديد من خدمات الإنترنت توظف آلافَ المهندسين الإداريين عند وصولها إلى مئات الملايين من المستخدمين.
لا تتحدثُ الشركة كثيرًا عن أعمالها الهندسية أو أي جزء آخر من العمل ضمن الشركة، ولكن خلال حفل أقيم في سان خوسيه - كاليفورنيا خلال شهر أيلول/سبتمبر الفائت من هذا العام 2015، تحدث مهندسُ البرمجيات في الشركة جمشيد مهدفي (Jamshid Mahdavi) عن الأساليب غير العادية لعمل الشركة.
جزء من الأسرار هو أن الشركة تبني خدماتها باستخدام لغة برمجة تسمى إرلانج (Erlang)، وهي لغة ليست ذات شعبية في أوساط المبرمجين، ولكنها مناسبة تمامًا لبرمجة الاتصالات بين عدد كبير من المستخدمين، وهي تتيح للمهندسين تحديثَ الشيفرة البرمجية بسرعات عالية وخلال عملها بدون مقاطعة. ويشدد مهدفي هنا أن الفكرة هنا تكمنُ في طريقة استخدام لغة البرمجة إرلانج، فهي مهمة بقدر أهمية التكنولوجيا الموجودة في اللغة نفسها.
انضم مهدفي لشركة "WhatsApp" قبل نحو عامين، في الوقت الذي لم تكن فيه الشركة في بدايتها. وكان نهجُها في الهندسة مختلفًا عن أي طريقة هندسيه رآها مهدفي سابقًا، وذلك لعدة أسباب. أحدها أن الشركةَ تستخدمُ لغةَ البرمجة إرلانج ونظام التشغيل (FreeBSD). والسبب الآخر هو سعيُ الشركة الدائم للحفاظ على بساطة عملياتها، يقول مهدفي: " كانوا يعملون بطريقة جديدة تمامًا لإنتاج بنية برمجية قابلة للتوسع بشكل كبير. كما أنه مفهوم جديد أن ترى العمل على حلِّ المشاكل الكبيرة باستخدام أبسط الحلول الممكنة لاستهلاك أقل قدر من الجهد وحل المشاكل التي يتعين حلها فقط."
البرمجة بالتوازي:
باستخدام لغة الإرلانج، تنضم شركة "WhatsApp" للحملة التي تقودها مجموعةٌ من شركات التكنولوجيا بغرض استخدام أوسع للغات البرمجةِ التي تم تصميمها للتزامن والتوافق؛ حيث تقوم الشيفرة البرمجية بتنفيذ عدة مهام في الوقت نفسه بدلًا من تنفيذها الواحدة تلو الأخرى. وبانتشار خدمات الإنترنت المقدَّمة من العديد من الشركات إلى عدد كبير من المستخدمين وقيامهم بتنفيذ العديد من المهام، تصبح هذه اللغاتُ جذابة ومهمة جداً.
إحدى هذه الشركات هي «فيس بوك» نفسها، فمن خلال النظام الجديد الذي تعمل عليه لمكافحة البريد المزعج أو غير المرغوب فيه (anti-spam system)، تقوم باستخدام لغة برمجة تسمى هاسكل (Haskell) (بدأت هاسكل كتجربة أكاديمية في أواخر الثمانينات، و هي لا تزال لغة قليلة الأستخدام)، وهي من وجهة نظر «فيس بوك» مثالية في حربها ضد البريد المزعج، لأنها تتيح القيامَ بعدة مهام بالتزامن. كما تتيح للمبرمجين معالجةَ المهام ذات الأولوية الأعلى بسرعة أكبر. وتقوم شركات أخرى بالعمل نفسه كشركة غووغل (Google) باستخدام لغة البرمجة غو (Go)، وشركة موزيلا (Mozilla) المصنِّعة للمتصفح الشهير فايرفوكس (FireFox) باستخدا لغة البرمجة رست (Rust).
ما تقدمه هذا اللغات، وفي مقدمتها إرلانج، هو أنها تتيح للمبرمجين العملَ بسرعات عالية جدًا وهو عامل أساسي في تطوير البرمجيات أو التطبيقات الحديثة. كما أن أكثر ميزاتها فائدة هي أنها تزود المبرمجين بإمكانية تعديل الشيفرة البرمجية أو إضافة أجزاء لها خلال عمل البرامج بدون حاجة إلى إيقاف التطبيقات مؤقتًا أو مقاطعة عملها.
و مع ذلك، لا تزال هناك عيوبٌ عديدة في لغة إرلانج؛ فهناك عددٌ قليل نسبيًا من المبرمجين ممن يعرفها ويعمل بها. بالإضافة إلى أنها غير متوافقة مع العديد من الشيفرات البرمجية المبنية بلغات أخرى من قِبل شركات الإنترنت. حتى أن شركة «فيس بوك» نفسها بنَتْ برنامج الـ«فيس بوك» مسنجر باستخدام لغة إرلانج، ولكن أُعيد بناؤه لاحقًا بحيث يتناسب مع ما تبقى من التطبيقات والبرمجيات في «فيس بوك» بطريقة أفضل.
يصف «جاي باريك»، نائب الرئيس بقسم الهندسة في «فيس بوك» ذلك بقوله: "تصور لغة إرلانج كجزيرة صغيرة تحتاج إلى الكثير من الخدمات لإيصالها إليها، فكان من الصعب علينا بناء عدد كبير من القوارب لإيصال كل هذه الخدمات".
بطبيعة الحال، لم يكن لدى "WhatsApp" أي بُنى تحتية أو تطبيقات سابقة للتوافق معها، فلم يشكل هذا عائقًا لهم لاستخدام إرلانج. كما أن قلةً المهندسين أو المبرمجين العاملين بهذه اللغة لا تشكلُ مشكلةً بالنسبة للشركة، يقول مهدفي: "استراتيجيتنا التوظيفية هي العثور على أفضل المهندسين، ولا نوظفهم لأنهم على دراية بلغة إرلانج أو لخبرتهم بها، ولكن ببساطة نحن نتوقع منهم قضاءَ أول أسبوع عمل في التعرف إلى اللغة وبيئة العمل، ولو وظفت الأشخاص الأذكياء، فسوف يكونون قادرين على القيام بذلك".
وقد نجحت الشركةُ بالوصول إلى أهدافها من خلال توظيف المهندسين الذين لديهم قدرة عالية على التكيف في بيئة العمل. وردًا على سؤال ما سر نجاح الشركة؟ كانت إجابة مهدفي بسيطة جدًا حيث قال: "الدرس رقم واحد هو التركيز على ما علينا القيام به، فلا يجب إضاعة الوقت على أنشطة أخرى أو تقنيات أخرى أو حتى أي شيء لا نحتاج إليه في عملنا كالاجتماعات مثلًا".
لا بد من الإشارة هنا أنه في شركة "WhatsApp" لا يقوم الموظفون بأي اجتماعات تقريبًا، وهي أيضا كما يبدو إحدى نقاط تميز هذه الشركة.
المصادر:
هنا
هنا