الصين تُطلق أول قمرٍ صناعيٍّ كُمومي
الفيزياء والفلك >>>> علم الفلك
تعتمدُ مُجتمعاتُنا بشكلٍ كبيرٍ على الاتصالاتِ الرّقميّة، فقد كانت كميّةُ المعلوماتِ التّي تناقلتْها البَشريّة عبرَ الإنترنت في السّنواتِ الثّلاثةِ الأخيرةِ أكبَرَ من كميّةِ المَعلوماتِ التّي تناقلَتْها البشريّة على مدى التّاريخ. والقسمُ الأكبر من هذهِ البياناتِ يُعدُّ معلومات نريدُ إبقائَها بعيداً عن أعيُنِ المُتطفلين. لكنْ كيفَ يُمكن أن نثق بالاتصالات عبر الإنترنت إذا كُانتَ تَعتمدُ على سلسلةٍ من الحواسيبِ المجهولة، الّتي يبدو أنّ اختراقَ أي منها أمرٌ سهلٌ جداً.
إنّ الحلَ المُتّبعَ حالياً في تحدّي أمانِ المَعلوماتِ يكونُ عبر توظيف عملياتٍ رياضية مُعقّدةٍ في سلسلةٍ من الخوارزميات تسمى (مفتاحُ التّشفيرِ العام). ولكنْ مع ازديادِ قوّةِ الحواسيبِ وبراعةِ القراصنةِ على الاختراق، حصلَتْ المزيدُ مِنَ الاختراقاتِ لدرعِ الحمايّةِ هذا، الأمر الّذي تطلّب إيجاد نظامٍ أمنيٍّ بديل قادرٍ على إثباتِ فعاليّتِهِ في حمايَةِ المعلوماتِ الشّخصيّة. هُنا يأتي دورُ الفيزياءُ الكُموميّةِ!
إن التّقنيّة التّي يعتمدُ عليها القمرُ الصّناعيُ الصّينيِ الجديد بسيطةٌ من حيثُ المبدأ لكنّ آلية عملها سحرية بالمجمل، إذْ تقومُ بلورةٌ خاصة بفصلِ شُعاعٍ من الليزر إلى حُزمتين اثنتين تتشاركان مع بعضِهما خاصيّةً في ميكانيكِ الكمِّ تُعرَفُ بــ "التّشابك الكُمومي"، ثم يتمُّ توجيهُ كلِّ حُزمةٍ منهما إلى محطة استقبالٍ مختلفةٍ على الأرض. تُبقي هذه الخاصيّةُ الحُزمتين مُرتبطتَين مع بعضِهما مهما كانتِ المسافةُ الّتي تفصل بينهُما، إضافةً إلى أن أيّ تأثيرٍ يطبّقُ على أحّدِهِما سوفَ يؤثّرُ حتماً على الحِزمةِ الأُخرى.
تكمنُ الحيلةُ المُتبعةُ في العلاقةِ الغريبةِ بينَ الحِزمتَيْنِ، إذ يتم إرسالِ بياناتٍ عشوائيّةٍ من محطّة استقبالٍ مُعيّنةٍ إلى محطةِ استقبالٍ أُخرى، ومن ثم تُجمعُ هذه البياناتِ العشوائيّةِ لِتُستخدم ككلمةِ سرٍ معقدةٍ، من أجلِ تشفيرِ البياناتِ المُرسلةِ عبرَ قناةٍ عمومية معيّنة مثل الإنترنت.
ابتكر العالمِ الشّهيرِ في الفيزياءِ الكمومية ArturEkert هذا النّوع من الاتصالاتِ، وقد ثَبَتَ بشكلٍ قاطعٍ أنّ هذه التّقنيّة منيعةٌ ضد التجسّس والاختراق. فليسَ بالإمكانِ الاحتيالُ على الفيزياءِ الكُموميّةِ أو غِشُّها أو هندستُها بشكلٍ معاكسٍ، بخلافِ الرّياضياتِ المُعقدةِ المُستخدمةِ في التّشفيرِ التّقليديِّ.
يُعتبر القمرُ الصّناعيُّ الصّينيُ الجديدُ خطوةً مهمةً جداً على طريقِ حفظِ أمانِ الاتصالات، بما أنَّهُ يَسمحُ بنقلِ البياناتِ الكميّةِ بينَ أي مكانين مهما كانتِ المسافةُ كبيرةً بينَهُما. تكمن المشكلة في وجودِ قمرٍ صناعيٍ واحدٍ فقط في الوقت الرّاهن، مما يجعلُ هذه التّقنيّة ذات قُدراتٍ محدودة. لكنْها تصبح أكثر فعالية معَ إطلاقِ المزيدِ من الأقمارِ الصّناعيّةِ.
إنّ دخولَ الاتصالاتِ الكُموميّةِ إلى حياتِنا العمليّة يتطلّبُ إدخالَ قطعٍ جديدةٍ داخلَ حواسيبِنا وهواتِفنا الذّكيّة، تعملُ على تبادلِ البياناتِ بنفسِ طريقةِ الأقمار الصّناعيّة الكُموميّة، ولحُسن الحظ فإن قِطعاً كهذه ستُطرحُ في الأسواق قريباً؛ وربّما بعدَ عدةِ سنواتٍ ستكونُ أيامُ الخروقاتِ الكبيرةِ للبياناتِ والتّجسّس الرّقميّ بالنسبة لنا مجرّدَ مشكلاتٍ من الماضي.
المصدر: هنا
للمزيد عن التشابك الكمي هنا