التّحليق الحراريّ
الطبيعة والعلوم البيئية >>>> علم البيئة
يُلاحَظُ التّحليق الحراري بشكلٍ شائعٍ في الطّبقة الجويّة الحدوديّة للحمل الحراريّ (1) خلالَ الأيّامِ المشمسةِ والدّافئة، ويوفّر هذا النّوع من التّحليق نموذجاً رائعاً لعمليّة صناعة القرارات المعقّدةِ في علم الأحياء، فهو يتطلّب استراتيجيّةً طويلةَ الأمد للتّمكّن من استغلال التّيّارات الدّافئة التّصاعديّة بشكلٍ فعّال.
يؤدي نشوء التّيّارات الحراريّة الدّافئة حتماً إلى حدوثِ تقلّبات مضطربة قويّة، والّتي تعدّ عنصراً أساسيّاً في التّحليق، ولأنّ تدفّقَ التّيّارات الدّافئة يكون مضطرباً بشكلٍ كبير، فهو يشكّل تحديّاً لعمليّة التّوجيه ضمن هذه البيئات شديدةِ التقلّب، فكيف تتغلّب الطّيور على هذه المشكلة؟.
لمْ يتمكّن الباحثون سابقاً من الإجابة عن هذا السّؤال؛ فالبحوثُ الحاسوبيّةُ القديمة درست عمليّة التّحليق في حالاتٍ مبسّطةٍ غيرِ واقعيّة. إلى أنْ تمكّن فريقٌ من الفيزيائيّين وعلماءِ الأحياء من جامعة كاليفورنيا في سان دييغو من إجراء دراسةٍ حاسوبيّةٍ دقيقةٍ للمشكلة، والّتي يمكن صياغتُها تقنيّاً كمسألةٍ لتوسيع نطاق الطّيران للطّائرات الشّراعيّةِ ذاتيّةِ التّحكّم.
منهجيّة البحث:
درس الباحثون عمليّة التّحليق كمسألةٍ لتعلُّم الملاحة الجويّة في البيئات المضطربة المعقّدة عاليةِ التقلّبات، فقاموا بمحاكاة طبقة حدود الحمل الحراريّ الجويّة باستخدام نماذجَ عدديّةٍ لتدفّق الحمل الحراريّ المضطرب، ودمجِ هذه النّماذج مع نموذجٍ حرّ لخوارزميّات التّعليم المُعَزّز القائمةِ على التّجربة (2).
هدف الباحثون من خلال ذلك إلى تدريب الطّائرات الشّراعيّة على التّنقّل في البيئات المضطربة، وتحديدِ استراتيجيّات الملاحة التي يمكنها أنْ تواجهَ وتستغلَّ التقلّباتِ المضطربة.
أخذ الباحثون بالاعتبار زاويةَ الانعطاف، وزاويةَ المواجهة (3) لجناحيّ الطّائرة الشّراعية، وكذلك آليّةَ تغيُّرِ درجات الحرارة في التّيّاراتِ الدّافئةِ المؤثرةِ على السّرعة العموديّة للطّائرة، وأظهروا كيف تتطوّرُ الاستراتيجيّاتُ مع زيادة مستوى التقلّبات المضطربة، كما حدّدوا من خلال التّعليم المعزّز الدّالّاتِ الحسيّةَ الحركيّةَ التي تسمح بالتّحكّم الفعّال خلال التّحليق في البيئات المضطربة.
فمن خلال تحسّس دالّتين بيئيّتين (4) هما التّسارع العموديّ للرّياح وعزمُ الدّوران، يمكن للطّائرة الشّراعيّة أنْ ترتفع وتبقى ضمنَ مركز التّيّارات الدّافئة، حيث تكون عمليّة الارتفاع أعظميّة، ممّا يؤدّي إلى تحسين عمليّة التّحليق حتّى في وجود التقلّبات المضطربة جدّاً.
ومع ازدياد مستوى الاضطراب، يمكنُ للطّائرة الشّراعيّة تجنبُ خسارة الارتفاع من خلال تبنّي استراتيجيّةِ طيران متزايدةٍ بشكلٍ معتدل وآمنةٍ في الوقت عينه، كمواصلة السّير عبر نفس الطّريق بدلاً من الانعطاف.
النّتائج:
برهن الباحثون من خلال النّماذج الرّياضيّة إمكانيّةَ التّحليق بالطّائرات الشّراعيّة بشكلٍ أكثرَ كفاءة من خلال اعتماد استراتيجيّاتٍ يتمُّ تَعَلُّمُها من الطّيور، وهي أساليبُ تعتمدها الطّيور لتتمكّن من التّنقُّل ضمن التّيّارات الدّافئة.
ووجدوا أنّ عزم الدّوران والتّسارعَ العموديّ يمثّلانِ الداّلّاتِ الحسيّةَ الحركيّة الّتي تُوَجّه مسارَ التّحليق للطّائرات الشراعيّة عبرَ التّيّارات الدّافئة بالشّكل الأكثرِ فعاليّة، بينما لا يساعد عاملُ الاختلاف في درجة الحرارة إلّا في تحقيق ارتفاعاتٍ طفيفة، ممّا يقدّم اقتراحاً آمناً لمصنّعيّ الطّائرات الشّراعية بالاستغناء عن حسّاس درجة الحرارة في أجهزة قياس مركبات الطّيران ذاتيّةِ التّحكّم.
كما تسلّط النّتائج الضّوء على عمليّات اتّخاذ القرار الّتي تستخدمها الطّيور للتّنقّل بنجاحٍ عبر التّيّارات الدّافئة ضمن البيئات المضطربة، وقد تقود هذه النّتائجُ إلى تصميم أجهزة قياسٍ ميكانيكيّةٍ بسيطة يمكنها أنْ تسمحَ للطّائرات الشّراعيّة ذاتيّة التّحكّم بالسّفر لمسافاتٍ طويلةٍ مع استهلاكٍ أصغريّ للطّاقة.
الهوامش:
(1) الطّبقة الحدوديّة للحمل الحراريّAtmospheric Convective Boundary Layer:
هي الطّبقة الملامسةُ لسطح الأرض، والأكثرُ تأثّراً بالتّسخين الشّمسيّ له، وتمتدُّ من سطح الأرض حتّى الغطاءِ العاكس الحراريّ الّذي يوجدُ عادةً على ارتفاع 1-2 كم حول سطح الأرض عند منتصف الظّهيرة. اقرؤوا المزيد عنها من هنا
(2) خوارزميّات التّعليم المُعزّز Reinforcement Learning Algorithms:
هي معادلات وُضِعت لنمذجة السّلوك والأداء المطوَّر لحيواناتٍ تتعلّمُ القيام بمَهمّة جديدة. للمزيد عن التّعلّم المعزّز يمكنكم الاطلاع على المزيد هنا
(3) زاوية الانعطاف bank angle: هي الزّاوية التي تنعطف فيها الطّائرة لتغيير الاتّجاه الأفقيّ للرّحلة.
زاوية المواجهة attack angle: وهي الزّاوية التي يرسمها وتر جناح الجسم الطّائر مع اتجاه التّيّارات الهوائيّة التي يتحرّك فيها، وتتناسب طرداً قوّة رفع الجناح LIFT مع هذه الزّاوية فبزيادتها يزداد فرق الضّغط بين أسفل وأعلى جناح الطّائرة مما يسبّب نشوء قوّةٍ رافعة نحو الأعلى.
يمكنكم التعرُّف أكثر على هذه العوامل الديناميكيّة في الطّائرات من هنا انظر الصورة
Image: source
(4) الدّالّة البيئيّة: هي إشارةٌ تَنتجُ من المدخلات الحسّيّة، تقومُ بإعطاء معلوماتٍ عمّا يحدث وعن آليّةِ الاستجابة.
المصادر:
هنا
هنا