الآداب السلطانية - ابن المقفع (2)
الفلسفة وعلم الاجتماع >>>> الفلسفة السياسية
هو روزبة بن داذويه، فارسي الأصل، ولد في البصرة في عام 106 للهجرة، وسمي أبوه بالمقفع، لأنه أثناء عمله في دواوين الخراج للحجاج، ظهرت عليه خيانة في أموال الدولة، فضربه الحجاج ضرباً مُبرحاً، حتى تقفعت يداه "يبست"، أما ابن المقفع الذي أسلم متأثراً بعيسى بن علي أحد أعمام أبي جعفر المنصور، فقد كُنّي ب عبد الله بن المقفع، وقد قتل على يد سفيان بن معاوية المهلبي والي البصرة بأمر من الخليفة المنصور. والسبب المباشر يعود إلى كتاب الأمان الذي خطه ابن المقفع لعم المنصور عبد الله بن علي، وفي هذا الكتاب يطلب ابن المقفع من المنصور أن يكتب بخط يده أنه إذا عاد عمه وغدر به الخليفة يكون الخليفة كافراً وخارجاً عن كل الأديان، نساؤه طوالق وعبيده أحرار، فأستشاط المنصور غضباً ثم أمر بقتله. وقد قطعه المهلب قطعاً ورماها في التنور في سنة 142 للهجرة، والآخرون أرّخوا مقتله بسنة 143، والبعض الآخر في سنة 145.
والمثير للقارىء هو أنه كيف لكاتب سلطان أن يقتل على يد السلطان؟.
يرجع البعض كطه حسين وهاني عبادي إلى أن سبب مقتله هو مُؤَلفه رسالة الصحابة.
فكيف تكون رسالة الصحابة وهي مصنفة بالإيديولوجية السلطانية التي تكرس تفوق الخليفة سببا لمقتله؟ وهنا لابد من الإشارة إلى أمرين: الربط بين اتصالات ابن المقفع بأعمام الخليفة المعارضين والصيغة الإصلاحية التي جاءت برسالة الصحابة على شكل نصائح للسلطان. فالباحث عمر فاروق فوزي في دراسته: "قراءات ومراجعات نقدية في التاريخ الإسلامي" يذهب إلى القول بأن ابن المقفع كان يميل إلى أعمام الخليفة المنصور المتمردين على حكمه إذ أثارت الرسالة عدة قضايا أهمها الدفاع عن الاستقراطية العربية ووضعهم في مراكز قيادية وفي ذلك الوقت كان أعمام الخليفة على رأس قائمة أشراف العرب. فالفكرة الجوهرية التي تعالجها الرسالة أن صلاح الناس لا يكون إلا بوجود الأمير.
وعلى صعيد اللغة والخطاب كانت الرسالة تأكيدا بأن السلطان هو صاحب القول الفصل في أمور الدين والقضاء وإذا كان ابن المقفع قد دشن الإيديولوجية السلطانية، إلا أن كتاباته حملت طابعاً إصلاحياً بإطار من الإبداع البلاغي، وبروز الذات الفكرية الخاصة به، ولكن مع التأكيد على تفوق السلطان على الخاصة والعامة. فهي ليست ثورية كما يدعي البعض، أولاً لأنها لا تخاطب عامة الناس، وثانياً، فهي تربط ربطاً عضوياً بين صلاح الناس وطاعة السلطان في جميع الأمور المتعلقة بالدين والعقل معاً، وتجب الطاعة دائماً بما أن السلطان لا ينهى عن الفرائض الشرعية ، ثالثاً، رسالة الصحابة تعكس هرمية المجتمع وتراتبيته وتحدد وظيفة العامة بالطاعة، ووظيفة الخاصة بحمل الناس على طاعة السلطان والطبقتين بحاجة إلى السلطان، إذا يقول في الرسالة: (وحاجة الخواص إلى الإمام الذي يصلحهم الله به كحاجة العامة إلى خواصهم وأعظم من ذلك. فبالإمام يصلح الله أمرهم...ويبين لهم عند العامة منزلتهم...) فتكون بذلك رسالة إصلاحيه ولكن يبقى الخليفة صاحب الأمر والنهي، فهي بموضوعها سلطانيه تبريرية إذ إن ابن المقفع يؤكد على طاعة السلطان في بنية اجتماعية هرمية تنزل كل إنسان منزلته .
.
المراجع:
- تاريخ الأدب العربي،العصر العباسي الأول، شوقي الضيف، الطبعة السادسة عشرة، دار المعارف
2- قراءات ومراجعات نقدية في التاريخ الإسلامي، فاروق عمر فوزي، 2007
3- نقد العقل العربي (3)، العقل السياسي العربي، محدداته وتجلياته، محمد عابد الجابري مركز دراسات الوحدة العربية،
4- الطاعة السياسية في الفكر الإسلامي، هاني عبادي محمد سيف، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، الولايات المتحدة الأمريكية، الطبعة الأولى، 2014