نظرية جديدة تتحدّى النسبيّةِ الخاصّةِ لأينشتاين ونظريّةِ التضخُّمِ الكونِي!
الفيزياء والفلك >>>> فيزياء
ولعلَّ أبرزَ الأسئلةَ التي تَشغُلُ الذهنَ وتُؤرِّقَهُ تِلكَ المرتبطةَ بالضوءِ وأسرارهِ. فكُلَّما تحدَّثنا عنِ الرؤيةِ والألوانِ، برزَ لنا الضوءُ كعاملٍ أساسيٍّ يضعُ حدوداً على ما يمكننا إبصارهُ؛ وإنْ تكلّمنا عنْ نقصانِ الكتلةِ وزيادَتِها بنقصانِ وزيادةِ سرعةِ الجسمِ المتحرّك، ارتبط ذلكَ بسرعةِ الضّوءِ؛ وإنْ تحدَّثْناعن إمكانيَّةِ السَّفرِ إلى المستقبلِ، فإنهُ يُشترط علينا السّفر بسرعةِ الضوءِ أيضاً! وفي جعبتِنا الكثيرُ مِنَ الأمورِ الأُخرى التي ترتبطُ بالضوء.
فهلْ يا تُرى ستبقى نظريّةُ اينشتاين الّتي افترّضَتْ ثباتَ سرعةِ الضّوءِ صامدةً أمامَ النَّظريَّاتِ الأُخرى التي تحاولُ تفسيرَ كيفيةِ نشوءِ الكونِ، أمْ هل مِنَ الممكنِ أنْ نستفيقَ في يوم منَ الأيامِ على صدى خبرٍ سيقلبُ كافة الموازين، ومفادُهُ: "إنَّ سرعةَ الضّوءِ التي اعتبرْنَاها ثابتةَ لقرنٍ من الزَّمنِ ليستْ كذلكَ؟"
سنتعرَّفُ في مقالِنَا اليومَ على الافتراضِ الاستثنائيّ الذي يقدّمُهُ الفيزيائيّ ماويهو، والذي مفادُهُ: "إنَّ الضوءَ قد انتقلَ في البداياتِ المبكِّرةِ من نشأةِ الكونِ الفتيِّ بسرعةٍ أكبرَ من سرعةِ انتقالِه المعروفةِ لنا اليوم بترليونات المرّات"، إنْ صحَّ هذا الافتراض، فهذا يعني أنَّ قوانينَ الطبيعةِ لم تكنْ تماماً كما هيَ عليهِ في يومِنا هذا.
ابتدَأَتْ نظريَّةُ السرعةِ المتغيّرةِ للضوءِ على يدِ العالمِ البرتغاليِّ جواو ماويهوJoão Magueijo في تسعينيّاتِ القرنِ الماضي، ليُفسِّرَ من خلالِها تجانُس حرارة الكونِ. وبافتراضهِ هذا تحدّى ماويهو أشهرِ نظريّتينِ في الفيزياءِ: نظريّةِ النسبيّةِ الخاصّةِ لأينشتاين ونظريّةِ تضخُّمِ الكونِ!
نشرَ الفيزيائيُّ جواو ماويهو نظريّتَهُ لأوَّلِ مرّةٍ في مجلّة physics review D ولكنها لم تلقَ ترحيباً في بدايتِها لتعارُضِها معَ نظريّةِ اينشتاين! لكنّه لم يتخلَّ عنْ نظريّتهِ بل تابعَ العملَ على تطويرِها، فأعادَ نشرَها حديثاً في نفسِ المجلّة بالتعاونِ مع زميلهِ البروفسور NiayeshAfshordi.
لم تكنْ نظريَّةُ ماكويجي مجرّدَ افتراضٍ عابرٍ، بلِ افتراضٍ عَمِلَ منْ خلالهِ على تفسيرِ أحدِ أكثرِ الألغاز إلحاحاً في علمِ الفلكِ الحديثِ ألا وهي مُشكلة الأفقِ. تتوزّعُ الأشعّةُ الميكرويّةُ الخلفيّة للكونِ بشكلٍ منتظمٍ في جميع الاتّجاهاتِ، مما يدلّ على أنّ درجةَ حرارةِ الكونِ هي ذاتُها في مناطقَ مختلفة. كيف يمكنُ لمناطقَ مختلفةٍ من الكونِ وبعيدةٍ كلّ البُعدِ عن بعضِها أن تكونَ على درجةٍ واحدةٍ من الحرارة؟ بعبارةٍ أخرى، كيفَ يمكنُ لمناطقَ في الكون تقبعُ خلفَ خطّ الأفقِ بالنّسبةِ لبعضها أن تحصلَ على درجةِ الحرارة ذاتها؟
من هنا جاءت التسمية "مشكلة الأفق"
حيّرَ ذاتُ الأمرِ العلماءَ في ستينيّاتِ القرنِ الماضي عندما قامُوا بأخذِ أوَّلِ صورةٍ للخلفيَّة الكونيّةِ الميكرويّةِ، وهي خريطةٌ لأقدمِ ضوءٍ في الكونِ؛ فوجدوا أنّها متماثلةٌ في كلِّ الاتجاهاتِ، ويعني ذلك أنّ الضّوءَ الذي صدرَبعدَ حدوثِ الانفجارِ العظيمِ بـ 300 ألف عامٍ، يشيرُ إلى أنَّ للكونِ نفسُ درجةِ الحرارة في جميع انحائه. ولكنْ، كيف لذلكَ أنْ يتحقّقَ في حين أن بعضُ مناطقِ الكون لم يصلْها الضوء بعد، وبالتالي الحرارة؟
تُقدّمُ نظريّة التضخم الكوني Cosmic inflation، التفسير الأكثر شعبية لمشكلة الأفق، إذ تفترِضُ أن تَمدُّد الكونِ بِمُعدلٍ لا يصدق خلال الأجزاء الأولى من الثانية من عُمره، الأمر الّذي جعَل الكون مُتجانسًا، كما لو أنهُ وُضع في خلاّطٍ كهربائي.
يفضّلُ عُلماءُ الفيزياء نظرية التّضخُم لأنها تَحلُّ عِدّة مشكلات في النموذج الأصلي للانفجار العظيم. لكن حتّى الآن، ما من دليل مباشر يُثبِتُ صحّتها. بالإضافة إلى أننا لا نعرفُ ما هو هذا التضخم بالضبط، ولا سبب توقُفِه. للمزيد حول نظرية التضخم (هنا)
أما فكرة ماويهو، فتُغنينا عن التضخُّم الكوني تماما! بدلا من ذلك، تقترح أنّ ضوء الكون الوليد، سافر بسُرعةٍ أكبر بتريليونات المرّات من سرعته الحاليّة. نقلت فوتونات هذا الضوء الحرارة في كافة أرجاء الكون بسرعة فائقة، الأمر الّذي يُفسّر تجانس الكون وبالتالي يحلّ مشكلة الأفق.
انها فكرةٌ أنيقة، ولكنها تتعارضُ معَ نظرية اينشتاين في الضوء، والمكان والزمان.
تَعتبِرُ نظريّة آينشتاين في النسبية الخاصة 1905، أنّ سرعة الضوء هي الحد الأقصى للسرعة الكونية، بمعنى أنه لا يمكن لأي معلومات أو قوى فيزيائية أن تنتقل بسرعة أكبر من سرعة الضوء. وهذا يعني أن سرعة الضوء هي أيضًا سرعة الجاذبية. أمّا ماويهو فيفصل بين سرعة الضوء وسرعة الجاذبيّة، مقترحًا أن الضوء سافر أسرع بكثير من الجاذبية في البداية، قبل أن يستقر على سرعته الحالية بُعيد وقت قصير على الانفجار الكبير.
والمفاجأة هي أنّ هذا الإصدار الجديد من النظرية، يجعلُها قابِلةً للاختبار. ويتعلق هذا الاختبار بِسمَةٍ مِن سِماتِ الخلفيّة الكونيّة الميكروية، تُسمّى المؤشّر الطيفي. يصفُ هذا المؤشر مُعدّل اختلاف الضوضاء في الخلفية الميكروية. توقّع ماويهو وزميله آشفورد أن تكون قيمة المؤشر الطيفيّ 0.96478، وهي قيمةٌ قريبةٌ جدًا من القيمة الّتي تشير إليها بيانات القمر الصناعي بلانك (0.967) وتقعُ ضمنَ مجالِ الخطأِ المسموحِ بهِ.
ويَعي ماويهو وزميله آشفورد تمامًا، أنّ مصير نظريتهم رهن البيانات الجديدة القادمة الّتي قد تثبتُ صحّة هذا النموذج أو تدحضه عاجلًا أو آجلًا. إذ سيُساعد المقَرِبان الجديدان في أمريكا الجنوبية في حسم هذه المسألة ( مصفوفة التلسكوبات الميكرويّة في تشيلي CLASS و مقياس التداخل الإشعاعي QUBIC في الأرجنتين).
وفي الوقت ذاته، تضع وكالة ناسا حجر الأساس لخليفة مُهمة بلانك المباشرة، بعثة CMBPol الفضائية.
المصدر: هنا