الشيخوخة من وجهة نظر بيولوجية - ج1
البيولوجيا والتطوّر >>>> علم المورثات والوراثة
تتألف هذه الجديلة من الجزيئات الكيميائية المكوِّنة للـDNA ، وتحتوي كلُّ جديلة DNA (أي كلُّ صبغي) عدداً كبيراً من المورثات. تحتلُّ كلُّ مورثة منها موقعاً مُحدداً ثابتاً خاصاً بها، والمورثة مجموعةٌ من الجزيئات الـمُكوِّنة للـDNA التي يمكن أن تكون وظيفية، وتتجسد وظيفةُ المورثة (أي دورُها في العمل الخلوي) في عملية التعبير المورثي، وهي -ببساطة وإيجاز شديدين- عمليةٌ عديدةُ المراحل تبدأ بنسخ الجزء الـمُكوِّن للمورثة من جديلة الـDNA ، لتتمَّ بعدها ترجمةُ هذه المعلوماتِ الوراثية، وأخيراً تنتهي العملية بتكوين موادَّ كيميائيةٍ معينة "تُعبِّر" عن المعلومات الوراثية الـمُختزَنة في الجزيئات الـمُكوِّنة للمورثة من جديلة الـ DNA. جديرٌ بالذكر أنَّ العملَ الخَلوي لا يُمكن أن يتمَّ أو يستمرَّ إلا بوجود التعبير المورثي المناسب، فمثلاً: الإنزيماتُ والبروتيناتُ البنيويةُ (المشاركة في البنية الخلوية) عنصران رئيسان لبقاء الخلية وعملها واستمرارها، وإنَّ العديدَ من التعابير المورثية مسؤولةٌ عن تكوين بروتينات بنيوية وإنزيمات، علماً أنَّ الإنزيماتِ هي الـمُحفِّز لـمُختلف التفاعلات الكيميائية كالتفاعلات اللازمة لتركيب موادَّ كيميائيةٍ أخرى، والتفاعلاتِ التأكسدية التي تمدُّ الخلية بالطاقة.
وبناءً على ما سبق، نستنتج أنَّ قصورَ العمل الخَلوي يعني قصوراً في التعبير المورثي، إذاً، ما سبب قصور التعبير المورثي مع تقدم العمر؟ هناك فرضياتٌ عديدةٌ للإجابة عن هذا السؤال، تقول إحداها أنَّ التيلومير وهو البنيةُ الحاميةُ لنهاية الكروموزومات قد يؤدي دوراً في ذلك بوساطة النقص المتسارع في طوله مع عدد انقسامات الخلية الحاوية نتيجة تقدم العمر. تفاصيلٌ أكثر في هذا المقال:
هنا
تقولُ فرضيةٌ أخرى أنَّ المورثاتِ ليست وحدَها المسؤولةُ عن التعبير المورثي، فكما قلنا: تكون جديلةُ الـ DNA (وهي التي تحتوي المورثات) مَحزُومَةً مُوَضَّبَةً داخل الصبغي (الكروموزوم) ومُجمَّعةً مع عدة صفوف من البروتينات المتخصصة لتشكلَّ ما يُسمى الكروماتين، وإنَّ للكروماتين خصائصَ معينةً مرتبطةً بتفعيل التعبير المورثي أو إيقافه، ولذا فإنَّ التغيراتِ التي تطرأ على الكروماتين لها دورٌ في تحديد فعالية المورثات، قد يفوقُ تأثيرَ تغيُّر تتالي الجينوم وربما دون تغير يذكر في تركيبة المورثة (أي جزيئات الـDNA المكونة لها)، بل يتغير الكروماتين الذي "يُعلِّب" جدائلَ الـDNA، ولذا سُمِّي ما يطال الكروماتين من تغييرات مؤثرة في عمل المورثة (أي مؤثرة في التعبير المورثي) "التأثيرات فوق المورثية" (epigenetics أو التأثيرات فوق الجينية أو -كما يترجمها المجتمع العلمي العربي- التَخَلُّق، فكما ورد في المعجم الوسيط: "تَخَلَّقَ": تكلَّف أن يُظهِر من خلقه خلاف ما يَنْطوي عليه).
لاطلاعٍ أوسع على علم التغيرات فوق المورثية، يمكنكم قراءة هذا المقال:
هنا
أي في النهاية، فإنَّ للتغيراتِ فوق المورثية دوراً أساساً في تنظيم العمل المورثي (بتفعيله أو إيقافه أو زيادته أو تقليله) ويجتمع كلا العاملين: المعلومات الوراثية المُختزنة في الـDNA وتلك فوق المورثية ليُنظِّما عمليةَ التعبير المورثي ومن ثَمَّ عملية الشيخوخة.
المصادر:
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا
Guyton and Hall Textbook of Medical Physiology. Thirteenth Edition (2016).
Thompson & Thompson Genetics in Medicine (eighth Edition 2015) by Robert Nussbaum et al.