المسارات الشاذة للضوء في تجربة يونغ
الفيزياء والفلك >>>> فيزياء
قد يستغربُ القارئ إمكانيّة حدوثِ مثل هذا الأمر، لكنّ ذلكَ ممكنٌ لأنّ الفوتونَ يوصفُ بتابعِ موجةٍ احتماليّة، والطّبيعةُ الاحتماليّة للفوتون تُعطي احتماليّةً غيرَ معدومةٍ لعبورِ الفوتونِ بشكلٍ معاكسٍ عبر الشقّ الأوسط، واحتماليةٍ غيرِ معدومةٍ لعبورِ الشقّ الثّالثِ أيضاً، وبرغمِ ضآلةِ الاحتمالين إلّا أنّهما غيرُ معدومَين.
إنّ أثرَ هذهِ الحلقات المغلقةِ الشّاذّة في حالةِ الشّقوق الثلاث ليست تنبؤٌ نظريّ فقط بل هي مدعومةٌ تجريباً، وتسبّبُ اختلافاتٍ في أشكالِ التّداخلِ الحاصلة لا يُمكن التنّبؤُ بها إذا اعتمدنا مبدأَ تراكبِ أشعّة الضّوء الّتي تعبرُ الشّقوقَ في اتّجاه الذّهاب فقط، ويؤكّد الباحثونَ أنّ تلك الاختلافاتِ يُمكنُ تفسيرها إذا أخذنا بعينِ الاعتبارِ التّراكبَ بينَ المساراتِ العاديّةِ للضّوء مع المساراتِ الشّاذّة.
حلقاتُ الضّوء:
يقول أحدُ الباحثين المساهمين إنّ محاولتهم تُعتبرُ أوّلَ رصدٍ تجريبيٍّ للحلقاتِ المغلقةِ الشّاذة، والّتي يصعبُ رصدُها نظراً لتدنّي احتماليّة حدوثها، وبالرّغم من تأكيدات الباحثين على إمكانيّةِ حدوثها إلّا أنّه لم يُسجّل أيّ رصدٍ تجريبيّ لها سابقاً. صمّم الباحثونَ لوحاً معدنيّاً يدعمُ انتشار البلازمونات السّطحية، والّتي تلعبُ دوراً في زيادةِ شدّةِ الحقلِ الكهرطيسيّ محليّاً قربَ نقاطِ سطحِ المعدن، مما يُعطي وفرةً في الفوتوناتِ بطبيعةِ الحالِ فيزيدُ ذلكَ من احتماليّة العبورِ العكسيّ للفوتونات عبر الشقّ الأوسط، زيادةً قد تبلغُ مئةَ مرّة من احتمال حدوثها في الحالة الطبيعيّة.
قدَم الباحثون تفسيراً فيزيائيّاً يربطُ بين احتماليّة حدوثِ الحلقات الشّاذّة مع شدّة الحقلِ الكهرطيسيّ في المنطقةِ القريبةِ من الشّقوقِ في اللوح، والّذي يُردّ إلى انتشار البلازمونات في سطح المعدن.
مبدأ التّراكبِ مع أخذِ المساراتِ الشّاذّة بعين الاعتبار:
تُعتبرُ تجربةُ الشّقوقِ الثّلاث الجديدةِ الّتي زادت من احتماليّة حدوثِ المسارات الشّاذّة إحدى تعديلاتٍ كثيرةٍ لتجربةِ شقّي يونغ الأساسيّة، والتي أجراها توماس يونغ عام 1801 لإثباتِ الطّبيعة الموجيّة للضّوء. ومنذ ذلكَ الحينِ كرّر العلماءُ التّجربة عديداً من المرّات باستخدام الإلكترونات والذّرات وحتّى الجزيئات. ومع بزوغِ الثّورة الكموميّة في النّصف الأوّل من القرن العشرين اكتسبت تجربةُ يونغ أهميّة إضافيّة، إذ أنّها وفّرت أداةً للتحقّق التّجريبيّ من مبدأ التّراكب الكموميّ، والّذي ينصّ أنّ الجسيمَ يمكنُه المرور عبر الشّقين في نفس اللحظة، وإمكانيّة التّواجد في مكانينِ في نفس اللحظة تُمثّل أحدَ الخواصّ الغريبةِ الّتي جاء بها الميكانيك الكموميّ.
Image: SYR
المسارات الخضراء المبيّنة في الشكل، هي المسارات التقليدية للضوء بينما تمثل المسارات الأحمر و الأزرق المنقط و الأسود المنقط مسارات شاذة.
بما أنّ احتمالات نشوءِ المساراتِ الشّاذّةِ منخفضةٌ جدّاً، فإن أثرَها على شكلِ التّداخل الحاصلِ غالباً ما يكونُ غيرَ ذي شأن، بحيثُ يُمكن تفسيرُ النّتائج بالاستعانةِ بتراكبِ المساراتِ العادّية بتقريبٍ ممتاز، إلا أنّ زيادة احتماليّة حدوثها زادَ أيضاً من أثرها على شكلِ التّداخل الحاصل، ممّا يستدعي أخذَ تراكبِ كلّ المساراتِ المُحتملةِ للضّوء؛ شاذّة كانت أم عاديّة بعين الاعتبار للوصولِ إلى تفسيرٍ مرضٍ لشكلِ التّداخل.
أخذ الباحثون المسارات العاديّة فقط بعين الاعتبارِ خلال القرنين الماضيين، مفترضينَ أنّ هذا ما يُمكن أن يحصلَ فقط، وذلك لأنّ نموذج التّداخل العاديّ هو ما كان يظهر لهم فقط، ولكن ما أثبته الباحثونَ في عملهمُ الأخيرَ أنّ المساراتِ الشّاذّةِ مُمكنةُ الحدوثِ بالرّغمِ من ضعفِ احتماليّة حدوثها، كما أنّهم قدّموا طريقةً لزيادةِ احتمالِ حدوثها 100 مرة، وأكّدوا أنّ التّفسيرَ التّقليديّ لا يصلحُ إلا إذا كانَ احتمالُ حدوثِ المساراتِ الشّاذّة مهمل، ومن النّتائج المُذهلة التي حصلوا عليها أنهم حتّى لو أضاؤوا شقاً واحداً من الشّقوقِ الثّلاثِ فإنّ تداخلاً بين المسارِ المباشرِ والمساراتِ الشّاذّة الأخرى المُمكنة قد رُصد.
يُشكّل هذا العمل إضافةً جديدةً على فيزياءِ التّداخل الضوئيّ، إذ طالما اعتقدَ العُلماء باستحالة حدوثِ التّداخل بإضاءةِ شقٍّ واحدٍ، وهذا الاكتشاف قد يُعمّقُ فهمنا للضّوء من ناحية، كما أنّه قد يجدُ تطبيقاتٍ جديدةً في مجالاتً مختلفة من ناحيةٍ ثانية وخاصّةً تلكَ الّتي تستخدم مبدأ تداخلِ الضّوء بشكل أو بآخر.
يأملُ الباحثون أن يفتحَ عملهم هذا باباً لتطبيقاتٍ واسعةٍ، كدراسةِ الارتباط والتّداخل أو زيادةُ تعقيدِ بعضِ خوارزميات الحوسبة الكموميّة.
----------------------------
المصدر: هنا
* للمزيد حول تجربة الشقين هنا