كيف تستفيد الحكومات من الذّكاء الاصطناعيّ؟
المعلوماتية >>>> الذكاء الصنعي
بذلَ أوباما جهداً خلال الثّماني سنواتٍ الّتي مضت في التركيز على بناء قُدُراتِ الولاياتِ المتّحدةِ في العلومِ والتِّكنولوجيا، وخلالَ شهر أكتوبر من عام ٢٠١٦ استضافَ أوباما في مدينةِ بيتسبرج الأمريكيّةِ مؤتمرَ الآفاقِ التّابعِ للبيتِ الأبيض. حاول المؤتمرُ تخيُّلَ شكلِ أمريكا والعالم خلالَ الخمسينَ سنةً القادمة وما بعدها، وحاول المؤتمرُ أيضا استكشافَ الفرصِ المتاحةِ أمامَ أمريكا للتّقّدُّمِ نحو الآفاقِ الّتي من شأنها أن تجعلَ العالَم أفضلَ صحَّةً وأكثرَ ملاءمةً للعيشِ وأكثرَ عدالةً وأمناً.
يهدف الذّكاءُ الاصطناعيُّ ببساطةٍ إلى تعليمِ الحواسيبِ الأعمالَ الّتي تُميِّزُ البشرَ ويحسنونَ القيامَ بها. لكي تستعدَّ الولاياتُ المتَّحدةُ للمستقبلِ الّذي سيلعبُ فيه الذّكاءُ الاصطناعيُّ دوراً كبيراً، فقد أصدرَ البيتُ الأبيضُ تقريراً حولَ الاتّجاهاتِ والاعتباراتِ المستقبليّةِ للذّكاءِ الاصطناعيِّ بعنوان: الإعدادُ لمستقبلِ الذّكاءِ الاصطناعيِّ (هنا). حاوَلَ التّقريرُ رسمَ صورةٍ عامّةٍ لمشهدِ الذّكاءِ الاصطناعيِّ وتطبيقاتِه الحاليّةِ والمستقبليّةِ والأسئلةِ الّتي فرضها صعودُه بقوةٍ على المجتمعِ والسّياسةِ العامةِ.
حاول التّقريرُ أيضاً إلقاءَ الضّوءِ على بعضِ القضايا والأسئلةِ الّتي تفجّرت بسببِ دخولِ الذّكاءِ الاصطناعيِّ لساحةِ التّطبيقاتِ والمنتجاتِ العمليّةِ. كيف ستُستخدم هذه التّكنولوجيا لتحسينِ العمليّاتِ الحكوميّةِ والخدماتِ المجتمعيّةِ؟ كيف ستتطّور التّشريعاتُ لتلاحقَ خطوات الذّكاءِ الاصطناعيِّ وتطبيقاته ومنها مثلاً السّيّاراتُ ذاتيّةُ القيادةِ؟ كيف سيتمُّ التَّأكُّدُ من أنَّ تطبيقاتِ الذّكاءِ الاصطناعيِّ آمنةٌ وعادلةٌ وتُدارُ بشكلٍ منضبط؟ كيف سيتمُّ بناء قوةِ عملٍ على قدرٍ كبيرٍ من التّنوُّعِ والمهارةِ في مجالِ الذَّكاءِ الاصطناعيِّ؟
قدّمَ التّقريرُ أيضاً مجموعةً من التّوصياتِ المُحدَّدَةِ عن الخطواتِ التّاليةِ، ومنَ الممكنِ أن تكونَ هذه النِّقاطُ إرشاداتٌ تُضيءُ الطّريقَ للحكوماتِ من أجلِ توظيفِ الجوانبِ الإيجابيّةِ لهذه التّكنولوجيا وإدارةِ مخاطرِها وتحديّاتها.
1- المؤسّساتُ الخاصّةُ والعامَّةُ مدعُوّةٌ بكلِّ قوةٍ لتوظيفِ الذّكاءِ الاصطناعيِّ وتعلُّمِ الآلةِ في أعمالها وأنشطتها، وبطريقةٍ تعود بالنّفعِ على المجتمعِ، وفي هذا الإطارِ يجبُ على المؤسّساتِ المهتمَّةِ بالعدالةِ الاجتماعيّةِ والسّياساتِ العامّةِ أن تُسارعَ للاستعانةِ بالباحثينَ والمتخصِّصينَ في الذّكاءِ الاصطناعيِّ لمساعدتِها في توظيفِ الذّكاءِ الاصطناعيِّ لمواجهةِ المشاكلِ المجتمعيّةِ بطرقٍ مختلفةٍ.
2- يجب أن تسعى الوكالاتُ والإداراتُ الفيدراليّةُ لإتاحةِ البياناتِ بشكلٍ مفتوحٍ، وتبنّي معاييرَ مفتوحةً للتّعاملِ مع البياناتِ لإتاحتِها لتطبيقاتِ الذّكاءِ الاصطناعيِّ، والّذي تُعتَبَرُ البياناتُ له بمثابةِ الوقودِ الّذي ستعملُ وتتحرَّكُ به محركاته. يجب أن توَّفرَ الحكومةُ مجموعاتِ البياناتِ الّتي تُمكّنُ الذّكاءَ الاصطناعيَّ من التَّصدي للتّحديّاتِ والمشاكلِ الاجتماعيّةِ المختلفةِ والتّعاملِ معها. يمكن أن تكون هذه الجهود على هيئةِ مباردةٍ تحتَ عنوان "البياناتُ المفتوحةُ لأجل الذّكاءِ الاصطناعيِّ" لإتاحةِ مجموعاتٍ مختلفةٍ من البياناتِ، ما يُسرّعُ من عمليّاتِ البحثِ والتّطويرِ في مجالِ الذّكاءِ الاصطناعيِّ من خلالِ تبنّي معاييرَ مفتوحةً في التّعاملِ مع البياناتِ في القِطاعِ الحكوميِّ والجامعيِّ وأيضاً في القِطاعِ الخاصِّ.
3- يجب أن تبحثَ الحكومةُ المركزيّةُ عن طرقٍ لتحسينِ قدراتِ المؤسّساتِ الكبرى في الدّولةِ لتوظيفِ الذّكاءِ الاصطناعيِّ في مهامِها وأنشطتِها المختلفةِ.
4- اللّجانُ الفرعيّةُ المسؤولةُ عن تعلُّمِ الآلةِ والذّكاءِ الاصطناعيِّ والمنبثقةِ عن المجلسِ القوميِّ للعلومِ والتّكنولوجيا يجب أن تسعى لبناءِ مجتمعٍ للتّطبيقِ العمليِّ يجمع كلَّ المهتمينَ بالذّكاءِ الاصطناعيِّ في القِطاعِ الحكوميِّ، حيث سيمكّنُ الوكالاتِ والإداراتِ الحكوميّةِ من مشاركةِ معاييرِ العملِ وأفضلِ طرقِهِ فيما يتعلَّقُ بالعمليّاتِ والأنشطةِ الحكوميّةِ، ويجبُ أن تتأكّدَ الوكالاتُ الحكوميّةُ أيضاً من إتاحةِ فرصٍ مناسبةٍ للذّكاءِ الاصطناعيِّ في البرنامجِ المركزيِّ لتدريبِ الموظّفينَ.
5- يجب أن تلجأ الوكالاتُ والإداراتُ الحكوميّةُ للخبراتِ الفنيّةِ المناسبة على أعلى مستوىً عندما يتعلّقُ الأمر برسم سياسةِ اللّوائحِ الّتي تنظِّمُ المنتجاتِ المعتَمِدةِ على الذّكاءِ الاصطناعيِّ، فتنظيمُ هذه المنتجاتِ يحتاجُ لتعاونٍ بين قيادةِ هذه الوكالات ومتخصصينَ ذَوي خبرةٍ بإطار اللّوائحِ الحاليِّ واللّوائحِ التّطبيقيّةِ العامةِ في حضورِ خبراءَ فنيّين بالذّكاءِ الاصطناعيِّ.
6- يجب أن تُوظِّفَ الوكالاتِ الحكوميَّةِ كلَّ الإمكاناتِ المتاحةِ لتوظيفِ الموردِ البشريِّ وتبادلِهِ فيما بينها لدعمِ قوّةِ العملِ على المستوى المركزيِّ بخياراتٍ متنوّعةٍ لمسايرةِ الوضعِ الحاليِّ للتِّكنولوجيا.
7- يجب أن تعملَ إدارةُ النَّقلِ الحكوميّةُ مع القِطاعَينِ البحثيِّ والصّناعيِّ للتّوصُّلِ لطرقٍ يمكنُ من خلالِها تشارُكُ البياناتِ البحثُ وأيَّةُ أهدافٍ أخرى من أجلِ السَّلامةِ. لن يستطيعَ أحدٌ أن يُهمِلَ الدّورَ المستقبليَّ الّذي سيلعبُهُ الذّكاءُ الاصطناعيُّ في النَّقلِ جوّاً أو برّاً، ولهذا فيجب أن يُركِّزَ الفاعلون المركزيّون على تطويرِ مجموعاتٍ نوعيّةٍ من البياناتِ لدعم صناعةِ السّياساتِ مع النّموِّ المُتوقَّعِ لهذه التّكنولوجيا في المستقبلِ القريبِ.
8- الحكومةُ الأمريكيّةُ يجب أن تستثمرَ في تطويرِ وتنفيذِ نظامٍ متقدِّمٍ وآليٍّ لإدارةِ الحركةِ الجويّةِ، على أن يتمتَّعَ بالمرونةِ والملاءمةِ الكاملتَين ليعملَ مع الطّائراتِ المعتادةِ والطّائراتِ الّتي تطيرُ بشكلٍ آليٍّ تماماً وبدونِ طيّارٍ.
9- يجب أن تستمرَّ إدارةُ النّقل في تطويرِ إطارٍ مرنٍ للقوانينِ الّتي من دورها تنظيمُ التّكاملِ الآمنِ بينَ المركباتِ الآليَّةِ و النُّظمِ الّتي تعملُ فيها المركباتُ ذاتيّةُ القيادِة، بما فيها الأجيالُ الجديدةُ من المركباتِ والّتي دخلت حديثاً إلى نُظُمِ النَّقل.
10- اللِّجانُ الفرعيّةُ المسؤولةُ عن تعلُّمِ الآلةِ والذّكاءِ الاصطناعيِّ والمنبثقةِ عن المجلسِ القوميِّ للعلومِ والتّكنولوجيا يجب أن تسعى لمتابعةِ أعمالِ التّطويرِ في مجال الذّكاءِ الاصطناعيِّ، و إحاطةِ الإدارةِ العليا بشكلٍ دوريٍّ عن الموقفِ الحاليِّ للذّكاءِ الاصطناعيِّ ومكانه من المحطّات الرّئيسيّة الّتي تحتويها خارطةُ الطّريقِ لمستقبلِ هذا المجال. سيحتاجُ الأمرُ لتحديثِ المحطّاتِ الرّئيسيّةِ على أن تقومَ به اللّجانُ المختصّةُ، لملاحقةِ التّقدُّمِ المعرفيِّ المستمرِّ والتّوافقِ الحادثِ بين الخبراءِ بمرور الوقت.
11- لابدّ أن تتابعَ الحكومةُ جيّداً التّقدُّمَ الّذي يحرزه الذّكاءُ الاصطناعيُّ لدى الدّوَّلِ الأخرى، والخطواتِ المهمَّةِ الّتي تتّخِذُها هذه الدُّوَّلُ لتعظيم الاستفادة منه.
12- يجب أن يتعاونَ القِطاعُ الصِّناعيُّ مع الحكومةِ، حتّى تكونَ الحكومةُ على علمٍ أولاً بأوّلٍ بكلِّ التَّقدُّمِ الّذي يحرزه الذّكاءُ الاصطناعيُّ في الصِّناعةِ بما في ذلك الخطواتِ المرجَّحِ تحقيقُها في المستقبلِ القريبِ.
13- يجب أن تسعى الحكومةُ المركزيّةُ لدعم البحثِ في الذّكاءِ الاصطناعيِّ وخاصَّةً فيما يتعلَّقُ بالقواعدِ الأساسيّةِ والقضايا المتعلِّقَةِ بالمستقبلِ البعيدِ لهذا المجال، حيث أنَّ القِطاعَ الخاصَّ يُعرِضُ عن البحثِ في هذه المناطقِ، وأغلبُ استثماراتِه موجهةً للقضايا الوقتيَّةِ الّتي تدعمُ أرباحَهُ وحجمَ أعمالِه، وهو ما يُلقي بالمسؤوليّةِ الكبيرةِ على الِقطاعِ الحكوميِّ لقيادةِ أعمالِ البحثِ والتّطويرِ في هذه المناطق الّتي يُعرِضُ عنها القِطاعُ الخاصُّ.
14- البدءُ في دراسةٍ عن قوّةِ العملِ في الذّكاءِ الاصطناعيِّ لتطويرِ إجراءاتٍ تضمن نمواً مناسباً في حجمِ، جَودَةِ وتنوُّعِ قوّةِ العمل بما في ذلك الباحثون والمتخصّصونَ والمستخدمون والّذين يجمعهم مجال الذّكاءِ الاصطناعيِّ.
15- دراسةُ تأثيراتِ الذّكاءِ الاصطناعيِّ على سوقِ العملِ والوظائفِ، وكيفَ سيتمُّ التّفاعلُ مع هذه التّأثيراتِ، على أن يتمَّ نشرُ هذه الدّراسةِ في تقريرٍ من خلالِ المكتبِ التّنفيذيِّ للرّئاسةِ.
16- الوكالات الفيدراليّةُ الّتي تستخدمُ نظماً تعتمدُ في عملها على الذّكاء الاصطناعيِّ لمساعدتها على اتّخاذِ القراراتِ فيما يخصُّ الأفرادَ، لابدَّ وأن تبذلَ الجهدَ اللّازمَ للتّأكدِ من مدى فعاليَّةِ وعدالةِ هذه النُّظمِ، من خلالِ اختبارِ هذه النُّظُم والتَّحقُّقِ منها استناداً لأدلّةٍ واضحةٍ.
17- يجب أن تقومَ الوكالاتُ الحكوميّةُ المركزيّةُ بمتابعةِ الإداراتِ المحليّةِ، للتّأكُّدِ من أنَّ نظمَ الذَّكاءِ الاصطناعيِّ الّتي تشتريها تؤدّي أدوارها بدقةٍ وبشفافيّةٍ استناداً لأدلةٍ واضحةٍ تدعمُ فعاليّةَ وعدالةَ هذه النُّظم، وخاصّةً الّتي تُستخدَمُ في صناعةِ قراراتٍ تخصُّ الأفراد.
18- المدارسُ والجامعاتُ يجب أن تُدّرِجَ أخلاقيّاتِ الاستخدامِ وموضوعاتٍ عن السّلامةِ والخصوصيّةِ والأمن كجزءٍ أساسيٍّ من المناهجِ الّتي تتعرَّضُ للذّكاءِ الاصطناعيِّ، وتعلُّمِ الآلةِ، وعلومِ الحاسوبِ وعلوم البيانات.
19- يجبُ أن يتعاون المتخصِّصون في الذِّكاء الاصطناعيِّ والسّلامةِ والمجتمعاتِ العمليّةِ الّتي ينتمونَ إليها للوصولِ لبنيةٍ ناضجةٍ لمجالِ هندسةِ السّلامةِ للّذكاءِ الاصطناعيِّ.
20- يجب أن تُطوِّرَ الحكومة استراتيجيّةً حكوميّةً عن المشاركةِ الدّوليّةِ فيما يخصُّ الذّكاءَ الاصطناعيَّ وتطويرَ قائمةٍ بموضوعاتِ ومجالاتِ الذّكاءِ الاصطناعيِّ الّتي تحتاجُ المشاركةَ والتّنسيقَ على المستوى الدّوليِّ.
21- يجب أن تُعَمِّقَ الحكومةُ من تفاعلها مع الفاعلين الدّوليّين بما في ذلك الحكومات الأجنبيّة، والمنظّماتِ الدّوليّةِ، والقِطاعِ الصناعيِّ، والقِطاعِ الجامعيِّ، وأيِّ جهاتٍ أخرى لتبادل المعلوماتِ ودعم التّعاون فيما يتعلَّقُ بأعمالِ البحثِ والتّطويرِ على الذّكاء الاصطناعيّ.
22- خطط الإدارات الحكوميّةِ واستراتيجيّاتها يجب أن تضعَ في اعتبارها العلاقة بين الذّكاء الاصطناعيّ ومدى أمن شبكة الإنترنت وتأثير كلٍّ منهما على الآخر. ستحتاج الإدارات الحكوميّة لإشراكِ الحكومةِ المركزيّةِ والقِطاعِ الخاص المهتم بأمن الإنترنت للتّأكد من أنّ أنظمة الذّكاء الاصطناعيّ آمنةً وتستطيعُ مقاومةَ أيّةِ هجماتٍ ذكيّةٍ محُتَمَلَةٍ، في نفسِ الوقتِ الّذي تسعى فيه لتعظيمِ دورِ الذّكاء الاصطناعيّ في دعمِ أمنِ شبكةِ الإنترنت وكفاءته.
23- يجب أن تسعى الحكومةُ الأمريكيّةُ لاستكمالِ تطويرِ سياسةٍ حكوميّةٍ موحدّةٍ تتوافق مع القانون الإنسانيِّ الدَّوليّ فيما يتعلقُ بالأسلحةِ الّتي تعمل مستقلةً عن التّشغيل البشريّ بشكلٍ كاملٍ أو شبهِ كامل.
تقع على الحكوماتِ مسؤوليّةٌ كبيرةٌ لإعداد المجتمعِ والدّولةِ ومؤسساتِها للتّعامل مع الذّكاءِ الاصطناعيِّ، وتعظيمِ الاستفادةِ منه ومن تطبيقاته في خدمة مواطنيها بكفاءةٍ وسرعةٍ، في نفس الوقتِ الّذي تقوم الحكومات على مراقبةِ آمانِ وعدالةٍ التّطبيقات من خلالِ تشريعاتٍ مناسبةٍ تُشجِّعُ الإبداعَ والنُّمو في هذا المجالِ، وبشرطِ ألّا تعتدي على عامةِ المواطنين وحقوقهم.
----------------------------------------------------------------------------------------------------
المصدر:
هنا