نظام ترابيست النجميّ يشكّل نموذجًا قيّمًا لدراسة كيفية تشكّل الكواكب
الفيزياء والفلك >>>> علم الفلك
لقد عثرَ الفلكيون سابقاً على أنظمة نجمية متعددة الكواكب، لكنّ الأمر الّذي يميّز هذا الاكتشاف الجديد هو أنّ الكواكبَ قريبة من حجمِ الأرض، وتدورُ بمدارات مناسبة البُعد عن النجم ترابيست، لدرجةٍ تجعلنا نعتقد بوجودِ الماء السائل على سطحها.
توضحُ إليسا كوينتانا، عالمةُ الفيزياء الفلكية في مركزِ غودارد للطيران الفضائي التابع لناسا: "إن رصدنا لهذا النظام سُباعيّ الكواكب هو أمرٌ مهمٌ للغاية، ولك أنّ تتخيل عدد النجوم القريبة التي قد تستضيفُ أيضًا العديد من الكواكب".
أعلِنَ عن بعض كواكبِ هذا النظام في العام الماضي، إلا أنّ العلماء أعلنوا عن خمس كواكب مكتشفة حديثاً لأول مرة عن طريقِ ورقة بحثية نُشرت في الثاني والعشرين من شباط في مجلة (Nature). وبسبب قرب النظام النسبي من الأرض، فقد يتمكن الباحثون من دراسة الأغلفة الجوية لهذه الكواكب بسهولة نسبية، الأمر الّذي سيكشفُ لنا عن تنوعٍ مذهلٍ لتلك العوالم التي يتباين تركيبها بين صخريّة وثلجية.
أما زاكوري بيرتا تومسن، عالم فلك من جامعة كولورادو، فيؤكد: "سيصبحُ هذا النظام أحد أفضل المختبرات التي قد تمكننا من فهم تطوّر الكواكب الصغيرة". يُعتبر هذا النظام دليلاً لصالح الفلكيين المتخصصين بدراسة الكواكب التي تدور حول نجوم خافتة وباردة نسبياً (المعروفة باسم الأقزام الحمراء نوع M)، وهو النوع الأكثر شيوعاً في مجرتنا.
إنّ وجودَ كواكب خارجيّة تدور حول نجمٍ كهذا هو أمرٌ مثير للدهشة، فقد استهدفت عمليات البحث عن كواكب خارجية في السابق النجوم الكبيرة المشابهة للشمس. حتى أنّ مقراب كبلر الفضائي الّذي رصد أغلب الكواكب الخارجيّة عددها لم يبدأ برصد الأقزام نوع M حتى مؤخراً. "لقد تجاهلنا تلك النجوم الصغيرة تماماً"، وفقاً لما عبّر عنهُ عالم الفلك مايكل غيلن، من جامعة لييج في بلجيكا.
العوالم السبعة
قاد العالم غيلن الفريق البحثي لاكتشاف نظام ترابيست (TRAPPIST)، اعتمادًا على مقرابين أحدهما في تشيلي والآخر في المغرب. تركزت جهود الفريق حول رصد ظاهرة العبور الفلكيّة، والّتي تحدث عند مرور كوكبٍ أمام نجم مؤديًا إلى حجب ضوئه بشكلٍ جزئي. في البداية ذكر الفريق وجود ثلاثة كواكب تدور حول النجم المعروف باسم (TRAPPIST-1).
عقب عمليات الرّصد الأولي، وظّف الباحثون مقراب سبيتزر الفضائيّ التابع لوكالة ناسا، من أجل رصد النجم ترابيست لمدة عشرين يوماً متتالية. ليكتشفوا لاحقاً أن ما ظنّهُ العلماء كوكباً واحداً كان عبارة عن أربع كواكب تدور حول النجم كل 4، 6، 9، و12 يوماً على التوالي. لينضم كوكبان آخران للنظام يدوران حول النجم مرة كل 1،5، و2،4 يوم على التوالي، ثم رصد الباحثون إشارة لوجود كوكب سابع أبعد من البقية.
أشار غلين إلى احتمالية أنّ تكون الكواكب الستة الداخلية قد تكونت بعيداً عن نجمهم الحالي ثم هاجرت مقتربةً منه فيما بعد. تتميز هذه الكواكب بقربِ المسافات بينها مما يعني أنّ حقول الجاذبية الخاصة بها تتفاعل معاً، لتدفع بعضها البعض بطريقة مكنت الفريق من تخمين كتلة كل كوكب منها، وتتراوح بين 0.4 إلى 1.4 كتلة الأرض.
يُعتبرُ ترتيب هذه الكواكب بتلك المسافات القريبة ثروة للباحثين العاملين على فهم كيفية تطور الكواكب. إذ يُعتقد بأنّ كوكبي الزهرة والأرض تكونا بظروفٍ مماثلةٍ، وانتهى بهما المطاف بعيدين عن بعضهما بمسافةٍ كبيرةٍ واختلافات أكبر، إذ يُحيط بكوكب الزهرة غطاء كثيف من الغيوم التي تجعل منه كوكباً غير صالحٍ للحياة. هذا التنوع قد يكون حاضراً في نظام ترابيست، مالّذي يجعل كوكبًا صالحًا للحياة، في حين أن الكوكب المجاور له ليس كذلك؟
وبالرغم من احتمال وجود الماء السائل في كل كوكب على أقل تقدير، إلا إنّ هذا لا يعني بالضرورة أنهُ صالح للسكن. إذ أنّ النجم (TRAPPIST-1) يُصدر نفس كمية الأشعة السينية والفوق بنفسجية التي تبعثها الشمس، ما قد ينسِفُ أيّ أغلفة جوية محتملة لتلك الكواكب. ناهيك عن احتمالية أن تكون تلك الكواكب تدور حول نجمها بشكلٍ مقيّد بحيث يبقى نصفها بمواجهة النجم بشكلٍ دائم، في حين يبقى نصفها الآخر في ظلامٍ دائم وهذا بحد ذاته يشكّل تحدياً كبيراً لازدهارِ الحياة فيها.
من جانبٍ آخر قرر باحثون آخرون الاعتماد على مقراب كبلر الفضائي في رصد هذا النظام؛ وهو ما بدأ فعلاً إذا يتم حالياً جمع المعلومات حول كتل تلك الكواكب، و أغلفتها الجوية.
المصدر: هنا