تنفُّس الهواء الملوث، ضريبة الحياة في المدن الكبرى.
الطبيعة والعلوم البيئية >>>> علم البيئة
تُعتَبَر مدينة دلهي المدينةَ الكبرى الأكثرَ تلوّثاً في العالم، حيث يتسبّب تلوّث الهواء فيها بحصول حوالي 30000 حالةِ وفاةٍ مبكرةٍ سنويّاً، وتُشكّل الألعاب النّاريّة الّتي يتمّ إطلاقُها في كل عامٍ احتفالاً بعيد Diwali الهندوسيّ إضافةً جديدةً للملوّثات الموجودة، إذْ تَزيد من كميّة الجُسيمات والجزيئاتِ المعدنيّة في جوّ المدينة. وفي أواخر عام 2016؛ تزامنَ إطلاقُ الألعاب النّاريّة مع عملياتِ حرقٍ للمحاصيل الزّراعيّة ممّا تَسبّبَ في تدفّق أعدادٍ كبيرةٍ من حالاتِ الاضطراباتِ التّنفّسيّةِ إلى المشافي، كما أصبحتِ الرؤيةُ سيّئةً للغاية وأُغْلِقَتِ المدارسُ لعدّةِ أيام. أمّا في مدينة ميونخ وغيرها من المدن الألمانيّة؛ فقد سبّبتِ الألعابُ النّاريّة الّتي تمّ إطلاقُها احتفالاً ببداية عام 2017؛ مضاعفةَ تراكيزِ الجسيمات والملوِّثات في الهواء فوق الحدود المسموحِ بها. وفي سانتياغو عاصمةِ تشيلي؛ أدّى الانتشارُ الواسعُ لحفلَات الشِّواء خلال المباريات الرياضية إلى التّسبّبِ بحوالي 25% من التّجاوزات للحدود المسموح بها لجودة الهواء خلال العامين الماضيين.
دلهي
Image: media2.intoday.in
ولكن هل من إجراءاتٍ تتّخذها المدن الكبرى عادةً للتّخفيفِ من حدّة تلوّث الهواء؟
حاولتْ بعض المدن تبنّي إجراءاتِ تقييدٍ معيّنةً للحدّ من الانبعاثاتِ الملوِّثةِ المنطلقة في الهواء، فمثلاً منعت بكينُ نصف عدد المركبات من القيادة في المدينة خلالَ فترة الألعاب الأولمبيّة في عام 2008، وحاليّاً يتمّ حظرُ 20% من السّيّارات من القيادة في المدينة كلّ يوم في سياسةٍ مشابهةٍ لتلك التي اتّبعَتْها مدينة ميكسيكو عام 1989 والتي فشلتْ للأسف في تحسينِ جودة هوائها.
بكين
Image: images.newsworldindia.in
أمّا باريس الّتي عاشت أسوأَ حالاتِ تلوّث الهواء في هذا العقد مُتمثّلةً في الضّباب الدّخاني الّذي شهدتْه في شهر كانونَ الأوّل من عام 2016؛ فقد منعتْ نصف المركبات من القيادة في المدينة لمدّة ثلاثة أيّام وجعلتْ وسائلَ النّقل العامّةَ مجانيّة. وبعد عدّة أسابيعَ ضربت موجةُ تلوّثٍ حادّ مدينةَ مدريد الّتي اتّبعت أسلوبَ حظرٍ للمركبات مشابهاً للأسلوب الباريسيّ.
باريس
Image: s1.ibtimes.com
مدريد
Image: ep01.epimg.net
تَعْتَزِم بعضُ المدن كباريسَ ومدريد ومكسيكو وأثينا فرضَ منعٍ للسّيّارات والمركبات الّتي تعمل بوقود الدّيزل بشكلٍ كاملٍ بحلول عام 2025، وتبدأ مدنٌ أخرى حالياً بفرض سياساتِ تقييدٍ جزئيّ على الانبعاثات الملوِّثة في محاولةٍ للتّخفيفِ من حدّة تلوّث الهواء.
جميع هذه السّياسات هي سياساتٌ تفاعليّةٌ تأتي كردّة فعلٍ عند حصول تلوّثٍ شديد، فتخفيفُ إجماليّ الانبعاثات لا يُعالج المشكلة وإنّما يخفّف من وَطْأتِها لفترةٍ معينّة. ولنكونَ قادرين على التّصرّف بالشّكل الصّحيح؛ يجب أنْ نعلمَ أين تحصل هذه الانبعاثات ومتى، بالإضافةِ إلى تحسين نماذجِ محاكاةِ الانبعاثات لنستطيعَ التّنبؤَ بنوعيّة الهواء على نحوٍ جيّد، كما ولابدّ من دراسة كيمياء الغلاف الجويّ والطّقس وتراكيزِ الجسيمات والقيامِ بتمثيل البيانات، وبذلك نحصل على أدوات تنبؤٍ موثوقةٍ تدقّ نواقيسَ الخطرِ عند زيادة حدّة التّلوّث.
في حال كانت هذه التّوقّعات صحيحة فهي تساعدُ صانعيّ القرار على اتّخاذ قراراتٍ مناسبةٍ من تقييدٍ كليّ أو جزئيّ على الانبعاثات أو غيرها، أمّا في حال أخطأتْ هذه التّوقّعات فهذا يعني أنّ المدن ستدفعُ أثماناً اقتصاديّةً واجتماعيّةً لفرض قيودٍ وقائيّةٍ لا فائدة منها، وهنا يمكن الاستفادة من تجاربِ اتّخاذ القرار في المدن المهدّدة بخطر الأعاصير؛ كالحاجة إلى إجلاء السّكان ومعرفةِ كيف ومتى يجب أنْ يتمّ ذلك.
وفي النّهاية؛ لا يسعُنا القول سوى أنّنا مازلنا بحاجةٍ للمزيد من الإجراءاتِ للتّخفيف من تلوّث هواء مدننا من دراساتٍ وإحصائيّات، ونماذجِ محاكاة، وقوانين وإجراءاتِ منعٍ وغيرها.
المصادر:
هنا