علماء يرصدون نوعًا جديدًا من الثقوب السوداء
الفيزياء والفلك >>>> علم الفلك
ولكن قبل أنّ نوضّح تفاصيل الدراسة دعونا نُسلطُ الضوء على مفهومين فيزيائيين غالباً ما يتم الخلط بينهما؛ وهما الوزن والكتلة. الوزن هو قوة جذب الأرض للجسم، ويتأثر بموقعك بالنسبة للأرض فإذا كنت تسافرُ في الفضاء بعيداً عن تأثيرِ الجاذبية الأرضية من الممكن أنّ يُصبح وزنك صفراً، أما كتلتك (مايحتويه جسمك من مادة) فسيبقى ثابتاً مهما كان موضعك بالنسبة للأرضِ، لذلك تُعدُ الكتلة مقياس أدق للأجسام.
والآن لنتعرف على كل نوع من الثقوب السوداء.
الثقوب السوداء الصغيرة
تبُغُ كتلةُ الثقب الأسود الصغير نحو بضعِ كُتل شمسيّة*، و ينشأُ عندما تنتهي حياة نجمٍ ضخم بانفجارٍ هائلٍ يُسمى مستعر أعظم (سوبرنوفا)، مخلّفاً نواةً ثقيلة وصغيرة. فإذا كانت تلك النواة كبيرة بما فيه الكفاية، فإنها تنهار على نفسها لتكوّن ثقباً أسوداً صغيراً.
الثقوب السوداء فائقة الكتلة
تصل كتلتها إلى الملايين أو حتى المليارات من الكتل الشمسيّة، وتتواجد في مراكز المجرّات بما فيها مجرتنا، وهي ثقيلة جداً ولاتزال مسألةُ تطوّرها مَوضِع جَدل، إلا أنّ العلماء يؤكدون أنّ موقعها في مراكز المجرات أثّر بشكلٍ كبيرٍ على طبيعتها حيث هناك العديد من النجوم فضلاً عن الغازات والغبار النجمي مما يؤدي إلى نمو الثقب الأسود بشكلٍ أسرع.
الثقوب السوداء متوسطة الكتلة
يقدّرُ علماء الفلك كتلة هذا النوع بنحو ( 100 إلى 10،000) كتلةٍ شمسيّة تقريباً، وأعلن الباحثون عن دليل يُشير لوجود ثقب أسود متوسط الحجم (IMBH) تصل كتلته إلى حوالي 2،200 كتلة شمسية تقريباً، يقع في مركز عنقود نجمي كرويّ يُسمى 47 Tucanae. نُشرت هذه الدراسة بتاريخ التاسع من شباط 2017 في المجلة العلمية المرموقة Nature.
وأوضح المؤلف الرئيسي للدراسة بولنت كيزيليتان من مركز Harvard-Smithsonian Center for Astrophysics: "نرغب بالعثور على الثقوب السوداء متوسطة الحجم لأنّها بمثابةِ الحلقة المفقودة الرابطة ما بين الثقوب السوداء الصغيرة والفائقة الكتلة، كما من الممكن أنّ تكون البذور البدائية التي نمت لتصبح وحوشاً عملاقة نراها اليوم في مراكز المجرات".
يبلغُ عمر العنقود النجمي 47 توكناي حوالي 12 مليار سنة ويبعد عنّا حوالي 13،000 سنة ضوئية، ويقع في كوكبة الطوقان Toucan إحدى أبراج النصف الجنوبي للكرة الأرضية، ويحتوي العنقود على مئات الألوف من النجوم داخل كرة بقطر 120 سنة ضوئية، كما يحوي بين نجومه على 12 نجم نابض ساعد العُلماء في هذه الدراسة.
بحث العٌلماء سابقًا في عنقود 47 توكناي عن ثقبٍ أسودَ مركزي دون جدوى، ففي الحالات الاعتيادية يستدلُ العلماء على الثقب الأسود من خلال انبعاثات الأشعة السينية الصادرة عن قرص المواد والغازات الساخن الّذي يدور حول الثقب الأسود. تنجح هذه الطريقة عندما يكون الثقب الأسود نشيطًا ويلتهم الغازات القريبة منه، ولكن منطقة المركز في هذا العنقود النجمي خالية من الغاز مما يشيرُ إلى أنّ أية ثُقبٍ أسود محتمل الوجود هناك لا بدّ أن يتضوّر جوعًا.
استدل العلماء على وجود الثقب الأسود الفائق الحجم في مركز مجرة درب التبانة عن طريق تأثيرهُ على النجوم المحيطة به. فقد أظهرت سنوات من عملياتِ الرصد باستخدامِ الأشعة تحت الحمراء العديد من النجوم وهي تلتفُ حول جسمٍ يتمتعُ بقوةِ جاذبيةٍ هائلة. إلا أنّ مركز 47 توكناي المحتشد بالنجوم، صعّبَ من مُلاحظة حركة النجوم الفردية هناك.
اعتمدت الدراسة على خطين رئيسيين من الأدلة؛ يتمثل الأول في الحركة الكلية للنجوم داخل العنقود النجمي، فطبيعة العنقود الكروي كثيفة جداً لدرجة أن النجوم الأثقل تميل للغوص في مركز العنقود النجمي، في حين يعمل الثقب الأسود متوسط الحجم الموجود هناك "كملعقة كونية" تقوم بتحريك الوعاء المتمثل بـالعنقود النجمي مؤدياً إلى تسريع تلك النجوم. و بالاعتماد على برامِج المُحاكاة الحاسوبية الّتي تحاكي حركة النجوم و المسافات الّتي تقطعها و تقوم بمقارنتها مع عمليات الرصد المرئي، أوجد الفريق أدلة تتعلق بوجود جسمٍ ذي قوةٍ جاذبةٍ هائلة تُحرّك النُجوم.
أما الدليل الثاني فيأتي من النجوم النابضة!
النجوم النابضة هي بقايا عالية الكثافة من نجوم ميتةٍ تدور حول نفسها بسرعٍ عاليةٍ جدًا، وتتميّز الإشارات الراديوية الّتي تُصدرها بأنها سهلةُ الكشف. يعتقدُ العلماء أنّ نزوحَ هذه النجوم النابضة عن مركز العنقود النجمي، ما هو إلا دليلٌ على تأثُرها بجاذبيّة ثُقبٍ أسودَ متوسّط الحجم، يقبعُ في مركز العنقود النجمي. و قدروا كتلته بنحو 2200 كتلة شمسية.
وبِما أنَ هذا الثُقب الأسود تمكّن من التخفّي لمدة طويلة، فإنهُ من الطبيعيّ أن تتواجد ثقوبٌ سوداءُ مُشابهة متخفيّة داخل عناقيد نجميّةٍ أُخرى. ومن أجل تحديد مواقعها يتوجّبُ على الباحثين استخلاصُ بيانات مُشابهة حول حركةِ النجوم و المسافات الّتي تقطعها، و النجوم النابضة داخل العناقيد.
هوامش
*الكتلة الشمسية: هي وحدة قياس الكتلة في علم الفلك وتعادل كتلة شمسنا أي نحو (1.99 مضروباً بالرقم 10 ^30) كيلو غرام.