هل حقاً سيدمر بوزون هيغز الكون؟ أم أن ستيفن هوكينغ عنى شيئاً آخر؟
الفيزياء والفلك >>>> فيزياء
لنفهم كيف تم التلاعب بألفاظ السيّد هوكينغ اعلاميّا ، علينا أن نفهم أولا تصريحه. لنعد صياغة ما صرح به السيد هوكينغ: في عالم تكون فيه كتلة كل من بوزون هيغز و جسيم أساسي أخر يدعى الكوارك القميّ مطابقة لحسابات العلماء فإنّ هذا العالم سيكون بحالة "شبه مستقرة".
لنفهم ما هي حالة " شبه الاستقرار" دعني أعطيك مثالا، هل تحب لعبة البلياردو؟ حسناً خذ احدى كرات البلياردو و ضعها على الطاولة، انها مستقرة على الطاولة الآن ، اليس كذلك؟
الآن خذ الكرة ذاتها و حاول أن تحافظ على توازنها على احدى أصابعك، هل تستطيع ذلك؟ لن تستطيع الحفاظ عليها مهما حاولت و ستقع الكرة. هذا هو عدم الاستقرار.
أما بالنسبة لحالة شبه الاستقرار لنأخذ مثلاً أحد الكراسي العالية كمثال، سيبقى الكرسي في نفس المكان للأبد مهما كانت الظروف لكن إن دفعت الكرسي بقوة فإنه سيقع حتماً على الأرض و سيدخل مرحلة جديدة من الاستقرار ولكن على الأرض هذه المرة و سيصبح مستقراً تماماً كما هي الكرة على طاولة البلياردو.
لنتحدث الآن عن الكون و القوانين التي تحكمه و أهم هذه القوانين اننا نعيش في كون كبير شديد الكسل يحاول دوماً في قوانينه أن تكون الطاقة المبذولة أقل ما يمكن ( تماما مثل شخص مدمن على الجلوس على الأريكة في غرفة المعيشة و متابعة المسلسلات المدبلجة.
لنتخيل أن تغير طاقة الكون منذ لحظة ولادته كوجود كرة على قمة جبل. تتدرج هذه الكرة مبتعدة عن نقطة البداية وتنخفض مما يجعل طاقتها الكامنة تتناقص تدريجياً. قد تصل الكرة لحفرة ما ولكن لو كانت هذه الحفرة صغيرة سرعان ما تخرج الكرة منها دون أن تقف متابعة حركتها نحو مناطق منخفضة أكثر. إلى أن تصل إلى وادِ ما. هناك وديان أكثر انخفاضاً بالتأكيد ولكن سيتوجب على الكرة أولا أن تبذل طاقة للخروج من الوادي التي وقعت فيه وهو ما يعتبر أحتمالاً ضعيفا جداً في حالة كرة عادية. هذا مثال واضح وبسيط على حالة شبه الاستقرار. في الحقيقة اننا ان اعتمدنا على قوانين الفيزياء الكلاسيكية فإنه يستحيل الخروج من هذا الوادي، لكننا على أية حال لا نعيش في كون كلاسيكي. علينا أن نأخذ بعين الاعتبار ميكانيك الكم و تأثيراته الغريبة.
ولعل أهم القواعد التي قد نتعلمها من ميكانيك الكم هي "قد تحصل أكثر الأشياء غرابة". بعبارة أخرى : إن كان الكون عالقاً في وادٍ صغير من شبه الاستقرار فإنّه سيخرج في النهاية بفعل التأثيرات الكمومية من هذا الوادي ، لينزلق في واد أكثر انحداراً.
ما هو احتمال أن ينزلق الكون الذي نعيش فيه من وادٍ إلى وادٍ آخر أكثر انحداراً؟
حسناً، إن القواعد التي تنظم كوناً ما تختلف باختلاف الوادي الذي يقع هذا الكون فيه. بالنسبة للوادي الذي يقع كوننا فيه فإن قواعد الفيزياء و الكيمياء تسمح للذرات بالتجمع لتكوين المادة و بالتالي تكويننا نحن البشر و وجودنا. لو كان كوننا في وادٍ آخر لاختلفت قوانين الفيزياء و الكيمياء و لتعذرت أمور كثيرة من ضمنها وجود جسيمات كالكواركات و الليبتونات و لتعذر وجود البشرية.
هل يمكننا معرفة ما اذا كان كوننا في مرحلة انتقالية من واد لآخر قبل أن يحصل ذلك ؟
في الحقيقة لن يخبرنا أحد و لن نستطيع التنبؤ بذلك، و إن حصل و انتقل الكون من وادٍ شبه مستقر لينزلق إلى وادٍ أكثر عمقاً و استفراراً فإنّ القوانين الفيزيائية ستتغيّر مغيّرة كل ما نعرفه بلمح البصر. و ستصبح القوانين التي تحكم المادة و تحكمنا كبشر عديمة الفائدة و سنختفي جميعاً.
لنعد الآن لموضوعنا الأساسي، ما علاقة بوزون هيغز بكل هذا؟
لقد تبين أنه يمكننا بالاعتماد على النموذج المعياري (وهو النظرية الحالية التي تصف الجسيمات والقوى المتبادلة بينها) معرفة ما إذا كنا في مرحلة مستقرة، غير مستقرة، أو شبه مستقرة. نحن نعلم أننا لسنا في مرحلة غير مستقرة لأننا بالطبع ما زلنا على قيد الحياة ، لكن ماذا عن الخيارين الآخرين؟ في أي مرحلة نحن الآن؟
إنّ الإجابة على هذا السؤال تعتمد على عاملين أساسيين: كتلة الكواركات القميّة، وكتلة بوزون هيغز.
وفقاً لما نعرفه من معلومات عن النموذج المعياري للكون و تبعاً لأفضل حساباتنا يبدو أننا نعيش في كون يمر بمرحلة من شبه الاستقرار قد تنتهي يوماً ما من دون سابق انذار. سأعذرك إن اعتبرت هذا التصريح عذراً لك لتدلل نفسك اليوم بشكل استثنائي. لكن قبل أن تنغمس كثيراً في تدليل نفسك اقرأ الفقرة التالية من هذه المقالة.
اعتمادا على نفس النموذج المعياري الذي استنتجنا من خلاله ان الكون يمر بمرحلة من شبه الاستقرار، يمكننا أيضاً التنبؤ كم من الوقت ستستغرق قوانين ميكانيك الكم لتسمح لكوننا بأن ينزلق من مرحلة شبه الاستقرار إلى مرحلة الإستقرار : سيستغرق الأمر آلاف المليارات من السنين.
لقد وجدت البشرية منذ حوالي المئة ألف سنة. ستكبر الشمس لتصبح عملاقاً أحمر خلال خمسة مليار سنة، و بما أننا قلنا أن الانزلاق إلى مرحلة الاستقرار يستغرق آلاف المليارات من السنين فإنني أنصحك أن تفكر جيّداً قبل الخروج الليلة لتنغمس في تدليل نفسك.
فلتلخيص الأمور وتوضيح اللغط الحاصل: لن يؤدي بوزون هيغز إلى أي كارثة كونية حسب كلام هوكينغ ولكن كتلة وخواص بوزون هيغز وكتلة الكوارك القمّي تدل على أن حالة الكون ليست مستقرة كلياً مع أن أي تغيير إن حصل فلن يحصل قبل مليارات الأعوام.أخيراً ، من المهم أن تعلم أن اكتشاف جسيمة هيغز لا علاقة له بالمرحلة الكونية التي نمر بها من شبه الاستقرار، فلطالما كنا في هذه المرحلة منذ بداية تكوّن هذا الكون الّذي نعيش فيه.
وخلافاً لما يجول بخاطرك. لازال يتوجب عليك الذهاب إلى عملك غداً.
المصدر: هنا
حقوق الصورة: Maximilien Brice، Claudia Marcelloni، CERN