السحالي تصبح أقلَّ حياءً أمامَ البشر!
البيولوجيا والتطوّر >>>> بيولوجي
الفيزيائيةِ والحالةِ البيئيةِ، فالفريسةُ تتّبِعُ تكتيكاتٍ تختلف بين الأنواعِ، فإمّا أن تعتادَ الفريسةُ على
المفترسِ أو تهربَ وتختبئَ منه، والآن ماذا عن السحليّةِ؟ هل حقاً سنفتقدُ رؤيتَها تفِرُّ هاربةً حالَ
إحساسِها بوجودِنا؟
يزداد وجودُ الإنسانِ في مختلفِ المَوائلِ (المساكن) الطبيعيةِ للأنواعِ الحيةِ باستمرارٍ، لذا يدأبُ
العلماءُ على دراسةِ قدرةِ الحيواناتِ البرّيةِ على التكيُّفِ لمثلِ هذا التشويشِ الذي يسببُه الإنسانُ في
بيئاتِها، وقد اختاروا السحْليّةَ نموذجاً لدراستِهم هذه، نظراً لكثافةِ وجودِها في الكثيرِ من البيئاتِ
وسهولةِ متابعتِها -النسبيةِ- في الحقلِ، والتعاملِ معَها في المختبر.
استخدم الباحثون السحالي لتحليلِ ردودِ فعلِها إزاءَ هجماتٍ يشنُّها الإنسانُ ضدَّها والاستجاباتِ التي تعتمدها، وذلك عن طريقِ إجراءِ هجماتٍ بشريةٍ مفتعَلَةٍ على جماعتين من السحالي في شروطٍ مَكانيّةٍ مختلفةٍ تماماً؛ إذِ اختبروا سلوكَ إحداها في بيئةٍ حَضَرِيّةٍ وسلوكَ الأخرى في بيئةٍ ريفيةٍ بالنسبةِ لثلاثةِ عواملَ، هي: درجةُ نشاطِها، والوقتُ الذي تقضيه في مخابئِها إثرَ الهجماتِ، ومدى اعتيادِها على مفترِساتِها (وهم في هذا المثالِ: البشر)، بعد هجماتٍ متكررةٍ. فكيف كانتِ النتائجُ؟
أظهرتِ النتائجُ أنَّ السحالي الحَضَريةَ تقضي وقتاً أقلَّ في مخابئِها إثرَ هجماتٍ مفتعَلةٍ من
مفترِساتِها، وهي تصبحُ أكثرَ اعتياداً عليها، فقد لُوحظَ أنَّ الزمنَ الذي استغرقَتْه مختبئةً في أثناءِ
الهجماتِ المتعاقبةِ قد انخفضَ بسرعةٍ أكبرَ مما هو عليه عند السحالي الريفيةِ، ما يقترح وجودَ
مستوياتٍ مختلفةٍ من الحِيطةِ والحذَرِ تجاهَ المفترِساتِ المحتمَلةِ، وهنا يشير أحدُ المُعِدّين إلى ما
لهذه الدراسةِ من تطبيقاتٍ مهمّةٍ في فهمِنا لتأثيرِ الإنسانِ على الجماعاتِ الحيوانيةِ واستجاباتِ
الحيواناتِ للتأقلمِ معها.
والآن، كيف لنا أن نفسرَ هذه النتائج؟
الأمر بالنسبة إلى السحالي على هذا النحو: يمثل معظم البشر مفترساً خطراً غير فعال لا يندر أن يهاجمها فقط بل ويسهل الفرار منه باستجابات منخفضة الحدة والتكلفة! وبهذه الطريقة تقي السحالي نفسها من تكبُّد عناء اتخاذ استراتيجيات عالية الحدة ضد المفترس قد تكون باهظة التكلفة من حيث ضياع الوقت واستهلاك الطاقة.
لكن، هل يمكن أن نُعمِّمَ هذه النتيجةَ على جميعِ السحالي؟
في الحقيقةِ لا! فالدراسةُ أُجرِيَت على نوعٍ من السحالي هو Podarcis muralis أو سحليةُ الجدار (wall lizard)، بينما تَتَّبعُ السحالي الحمراءُ استراتيجيةً دفاعيةً أخرى وهي الانكماشُ! ولِكَونِ السحالي الحمراءِ تتمتعُ بميزةِ التعدُّدِيةِ اللونيةِ -فهناك أفرادٌ صفراءُ اللونِ وأخرى ذات لونٍ أبيضَ- فقد أخذَ الباحثون هذه المِيزةَ بعين الاعتبارِ في دراستِهم، لما لها من أهميةٍ لهذا النوعِ. أما النتيجةُ فنُوردُها هنا على لسانِ أحدِ مُعِدّي الدراسة:
"بمعزلٍ عن كَونِ جماعةِ السحالي المدروسةِ تعيش في الريفِ أو المدينةِ فإنَّ السحالي الصُّفْرَ
كانت تَخفضُ تدريجياً من الوقتِ الذي تقضيه في ملاجئِها مقارنةً مع السحالي الحُمْرِ والبِيضِ،
بل على النقيضِ من ذلك: باتتِ السحالي الحُمْرُ تقضي تدريجياً وقتاً أطولَ قبلَ الخروجِ من
مخابئِها إثرَ هجماتٍ متتاليةٍ؛ ما يقترحُ تزايداً في حساسيتِها تجاهَ هجماتِ مفترِساتِها المحتمَلةِ".
ذكرنا هنا التبايُنَ في ردودِ فعلِ السحالي فيما يتعلقُ بدرجةِ اعتيادِها على المفترِسِ، ولا ضيرَ من
أن نَذكُرَ أنَّ دراساتٍ سابقةً قد وَجدتِ اختلافاتٍ بين السحالي ذاتِ الألوانِ المختلفةِ، من حيث
الضغطُ وحالةُ الدمِ والاستجابةُ المناعيةُ واستراتيجياتُ تكاثُرِ الإناثِ والإشاراتُ الكيميائيةُ الذكريةُ
وغيرها.
ما أهميةُ هذه الدراسة؟
يقول أحدُ الباحثين المشاركين إنَّ استخدامَ السحليةِ نموذجاً في الدراسةِ من شأنِه أن يُسلِّطَ الضوءَ
على محورَين رئيسَينِ في علمِ البيئةِ التطوُّريِّ، هما تحقيقُ الاستجابةِ المُثلى تجاهَ المفترِسِ
والعواملُ التي تمكِّن من الحفاظِ على التعدُّديةِ الشكلية.
إذاً هكذا تأقلمَتِ السحالي مع تشويشِ البشرِ لموائلِها الطبيعيةِ وباتَت "أقلَّ حياءً" أمامَهم!
تُرى هل ترغبون في رؤيةِ استجابةٍ مماثلةٍ عند الصراصيرِ؟!
المصدر:
هنا
الورقة البحثية:
هنا