النموذج المِعياريّ للذرّة
الفيزياء والفلك >>>> فيزياء
النموذج المعياري لفيزياء الجسيمات هو النظرية التي تصف ثلاث من القوى الأساسية الأربعة المعروفة في الكون (الكهرومغناطيسية والضعيفة والقوية)، فضلا عن تصنيف جميع الجسيمات الأولية المعروفة. (ما هي الجسيمات الأولية هنا)
يضمّ النموذجُ المِعياريُّ للذرّةِ كلَّ ما تعلّمناه عن هذه الجُسيماتِ وثلاثةٍ من هذه القوى الرّئيسةِ، وعن علاقتِها فيما بينَها. وبعد أن جرى تطويرُه عام 1970 نجح النّموذجُ المِعياريُّ بتفسيرِ كلِّ نتائجِ التجارِبِ تقريباً، كما نجح بوضعِ تنبؤاتٍ دقيقةٍ للعديد من الظّواهر. ومع مرورِ الوقتِ والكثيرِ من التجارِبِ، أثبتَ النموذجُ المِعياريُّ نجاحَهُ تجريبيّاً.
**جُسيماتُ المادّة**
كلُّ ما يحيطُ بنا من مادةٍ يتألفُ من الجُسيمات الأوليّة، وهي بمثابةِ وحداتِ البناءِ الأساسيةِ للمادة. تنقسم هذه الجُسيماتُ إلى مجموعتين؛ "كواركات" و "ليبتونات". كلُّ مجموعةٍ منهما تتألفُ من ستةِ جُسيماتٍ مرتبطةٍ مع بعضِها على شكلِ أزواجٍ أو ما يسمّى اصطلاحاً "أجيال". الجُسيماتُ الأخفُّ والأكثرُ استقراراً تُعتبر من الجيلِ الأولِ، في حين تُعتبرُ الجُسيماتُ الأثقَلُ والأقلُّ استقراراً من الجيلِ الثاني أو الثالث. تتألف جميعُ الموادِّ المستقرّةِ الموجودةِ في الكونِ من جُسيماتٍ من الجيلِ الأول. أمّا الجُسيماتُ الثقيلةُ غيرَ المستقرةِ فتتفككُ بسرعةٍ إلى جُسيماتٍ من الجيلِ السّابق.
(للمزيد حول الكواركات هنا)
(للمزيد حول الليبتونات هنا)
تتّصلُ الكْواركاتُ الستّةُ مع بعضِها عن طريقِ ثلاثةِ أجيالٍ؛ "الكواركِ العُلويِّ" و "الكواركِ السّفليِّ" من الجيلِ الأوّلِ، ثم يأتي بعدَها "الكواركُ الفاتنُ" و"الكواركُ الغريبُ"، ثم يليهم "الكواركُ القِمّيُّ" و "الكواركُ القَعرِيُّ". وتأتي الكواركاتُ بثلاثةِ ألوانٍ مختلفةٍ، ودائماً تخلطُ نفسَها بطرقٍ ينتُجُ عنها أجسامٌ لا لونَ لها.
الجديرُ بالذِّكرِ أنّ هذه المُصطلحاتِ (مثل عُلويّ وغريب وسُفليّ وجميل واللّون) هي مجرّدُ أسماءٍ اصطلاحيّةٍ لخصائصَ معينةٍ في الكواركاتِ لسهولةِ تصنيفِها، فهي لا تأتي بلونٍ أو اتّجاهٍ محدّدٍ بالمعنى الحَرفيّ.
أما اللّيبتوناتُ الستةُ فهي مثلُ الكواركاتِ تُصنَّفُ ضمنَ ثلاثةِ أجيالٍ، وهي: "الإلكترون" مع "إلكترون نيوترينو"، "الميون" مع "ميون نيوترينو"، "تاو" مع "تاو نيوترينو". كلٌّ من الإلكترون والميون وتاو يملكون شحنةً كهربائيّةً وكتلةً قابلةً للقياس، في حين أنّ جسيماتِ "النوترينو" تكون عديمةَ الشُّحنةِ وذاتَ كتلٍ صغيرةٍ جداً.
(للمزيد حول جُسيمات النوترينو هنا)
**القوى والجُسيماتُ الحاملةُ للقوى**
هناك أربعُ قوىً أساسيّةٍ تحكُم الكونَ وهي: القوةُ النوويّةُ الشديدةُ والقوةُ النوويةُ الضعيفةُ وقوةُ الجاذبيّةِ والقوةُ الكهرومغناطيسيّة. تعمل هذه القوى في مجالاتٍ مختلفةٍ وبشدّاتٍ متفاوتةٍ. قوّةُ الجاذبيّةِ هي الأضعفُ من حيثُ الشدّةُ، لكنّها تملكُ مجالاً لا نهائياً. في حين أنّ القوّةَ الكهرومغناطيسيّةَ تملك مجالاً لا نهائياً لكنّها أقوى من الجاذبيةِ بعدّةِ مرّات. القوى النوويةُ الضعيفةُ والشديدةُ ينحصر تأثيرُها في مجالٍ صغيرٍ جداً لا يتجاوزُ المسافاتِ بين الجُسيماتِ ما دونَ الذرّيةِ، وبغضِّ النظرِ عن اسمِها فإنّ القوةَ النوويةَ الضّعيفةَ أقوى بكثيرٍ من قوةِ الجاذبيةِ، لكنّها من حيثُ التّأثيرُ أضعفُ من القوةِ الكهرومغناطيسيّةِ و القوةِ النوويةِ الشديدة. القوّةُ النوويةُ الشديدةُ (كما هو واضحٌ من اسمِها) هي الأقوى بين القوى الأربعةِ الأساسيّةِ في الكون.
(للمزيد حول القوى النووية الضعيفة (هنا))
تعملُ ثلاثٌ من هذه القوى الأساسيّةِ في الكونِ بفضل جُسيماتٍ خاصةٍ حاملةٍ للقوى. تنتمي هذه الجُسيماتُ إلى مجموعةٍ واسعةٍ من الجُسيماتِ تُدعى "البوزونات". تقوم جُسيماتُ المادّةِ بنقلِ كميّاتٍ محددةٍ من الطاقةِ عن طريقِ تبادلِ البوزوناتِ فيما بينَها. كلُّ قوةٍ أساسيّةٍ تمتلك البوزونَ الخاصَّ بها؛ القوةُ النوويةُ الشديدةُ يحملها البوزونُ "غلوون"، والقوّةُ الكهرومغناطيسيّةُ يحملها البوزونُ "فوتون"، والبوزونان W و Z هما المسؤولان عن القوةِ النوويّةِ الضّعيفة . أما البوزونُ "غرافيتون" الذي لم يُعثَر عليه بعدُ يجبُ أن يكونَ مسؤولاً عن حمل قوةِ الجاذبيّة.
(للمزيد حول البوزونات هنا)
يتضمّن النموذجُ المِعياريُّ للذرّةِ: القوّةَ الكهرومغناطيسيّةَ والقوةَ النوويّةَ الضّعيفةَ والشديدةَ، كما يتضمن البوزوناتِ التي تحملُها، إضافةً إلى أنّه يفسّر جيداً تفاعُلَ هذه القوى مع المادّة. لكنّ قوةَ الجاذبيّةِ (وهي أكثرُ قوّةٍ نشعر بها في حياتِنا اليوميةِ) ماتزال خارجَ هذا النّموذج. ويعتقد العلماءُ أنّ إدراجَ قوّةِ الجاذبيّةِ بشكلٍ سلِسٍ داخلَ النّموذجِ سيكون تحدّياً كبيراً.
من الصعبِ جداً أن نضعَ في إطارٍ واحدٍ كلاً من النظريّةِ الكُمومِيّةِ التي تفسّر العوالِمَ الصغيرةَ، والنظريّةَ النسبيّةَ العامةَ التي تفسّر العوالمَ الكبيرة. لم يستطعْ أيُّ عالِمٍ أن يضعَ كلتا النّظريتين المقبولتين علمياً في النّموذجِ المِعياريِّ للذرّة. لكن من حُسنِ حظِّ فيزياءِ الجُسيماتِ أنّ تأثيرَ الجاذبيةِ في المقاساتِ الصغيرةِ ضئيلٌ جداً بحيثُ يمكن إهمالُه. لا يكونُ تأثيرُ الجاذبيّةِ مهمّاً إلا في حالةِ التجمُّعاتِ الكبيرةِ من المادّةِ، كما في حالةِ الجسمِ البشريِّ أو الكواكبِ، عندها تكون قوّةُ الجاذبيّةِ هي المُهيمنةُ. إلا أنّ النموذجَ المِعياريَّ للذرّةِ ما زال يعمل على نحوٍ جيّدٍ على الرّغمِ من إهمالِه لأحدِ القوى الأساسيّةِ الأربعةِ للكون.
حتى الآنَ كلُّ شيءٍ جميلٌ ولكن...
لا يمكننا القولُ أنّ عملَ الفيزيائيّين قد انتهى، فعلى الرّغمِ من أنّ النموذجَ المِعياريَّ هو أفضلُ توصيفٍ نملكُه اليومَ عن عالَمِ ما دونَ الذرّة، إلا أنّه لا يُعطينا كاملَ الصّورةِ بعد. فهو لا يتعاملُ مع إحدى القوى الأساسيّةِ الأربعةِ في الكونِ وهي الجاذبيّةُ، كما أنّه لا يُجيبُ على العديدِ من الأسئلةِ الأخرى؛ "ما هي المادّةُ المُظلمة؟"، "ماذا حصل للمادّةِ المُضادّةِ بعد الانفجارِ العظيم؟"، "لماذا يوجد ثلاثةُ أجيالٍ من الكواركات واللّيبتونات بمقاييسَ كُتْليّةٍ مختلفة؟" وغيرّها من الأسئلة.
على الرّغم من أنّ النّموذجَ المِعياريَّ يصف بدقّةٍ الكثيرَ من الظواهرِ في مجالِه، إلا أنه غيرُ مُكتملٍ بعد. ربّما هو مجرّدُ جزءٍ صغيرٍ من صورةٍ أكبرَ تحتوي على قوانينٍ فيزيائيةٍ جديدةٍ مخفيّةٍ في العالمِ دونَ الذرّيِّ أو في الخبايا المُظلمةِ من الكون. تساعدُنا المعلوماتُ الجديدةُ التي نحصل عليها من تجارِبِ مُصادمِ الجُسيماتِ الكبيرِ LHC في لَملمةِ المزيدِ من القطعِ الناقصةِ في هذا النّموذج.
للمزيد حول فيزياء الجسيمات هنا
مصدر المقال الأساسيّ
هنا