صديقُنا الكلب ليس وفيّاً فحسب!
الطبيعة والعلوم البيئية >>>> علم البيئة
يزدادُ اهتمامُ البشر هذهِ الأيّام باقتناء الحيوانات الأليفةِ وخاصّة القطط والكلاب، لكنْ يبقى لدى الآباءِ تخوّفٌ من ضررها المحتمل على صحّة أبنائهم وخاصّةً في سنواتهمُ الأولى فيما يرتبط بأمراضِ الحساسيّةِ والرّبو. كان اقتناءُ الحيوانات الأليفة في الأيام السابقة لعنةً في حال وجود أطفالٍ في المنزل، وعلى ما يبدو الآن أنَّ البيئةََ غير النظيفة يمكنُ أن تُغنيَ البيئةََ الميكروبيَّةَ للطفل وتُقلَّلَ من احتمالية إصابته بالعديد من الأمراض؛ بَدءاً بالسّمنة حتَّى الربو؛ إذ اتَّضح بعد عقدَين من الأبحاث أنَّ مُعدَّلاتِ إصابة الأطفال بالربو أقلُّ لدى الأطفال الذين يترعرعون بوجود كلبٍ في المنزل، وقد وصف الكثيرُ من الباحثين هذا الاكتشافَ بما يُسمَّى "فرضية النظافة" التي تنصُّ على أنَّ التعرُّضَ للقليل من الغبار والأوساخ في أوقاتٍ مُبكِّرةٍ من عمر الإنسان يُمكنه أن يقيَ من أمراض الحساسية التي قد تظهر لاحقاً. وبقيَت هذه الفكرةُ مُغريةً للبحث على الرغم من عدم وجود معلوماتٍ مُؤكِّدةٍ؛ إذ عدَّ البعضُ الموضوعَ محضَ صدفةٍ تتعلَّق بنظام الحياة، أو أنَّ المُقتنين للحيوانات الأليفة يميلون إلى النظافة أكثرَ من غيرهم.
فهل الآباءُ على حق؟ تعالوا نكتشفِ الحقيقة.
وانطلاقاً من تلك الفكرة؛ أجرت مجموعةٌ من الباحثين تقييماً للميكروبات المتنوِّعة الموجودة في أربعٍ وعشرين عيِّنةً من بِرازِ أطفالٍ رُضَّعٍ بعمر أربعة أشهر؛ منهم خمسةَ عشر طفلاً كبروا في منازل تتضمَّن على الأقلِّ كلباً واحداً أو قطة، وتبيَّن لهم أنَّ هؤلاء الأطفال الخمسة عشر قد امتلكوا تنوُّعاً أكبرَ من الناحية الميكروبية، وذلك مقارنةً بالأطفال الذين عاشوا دون حيواناتٍ أليفة.
لقد كان الأطباءُ في الماضي ينصحون الآباءَ بالتخلِّي عن حيوانهم الأليف إذا كانوا يُعانون من أمراض حساسيةٍ وراثيةٍ؛ بهدف حمايةِ أطفالهم. أمَّا الآن فقد اتَّضح أنَّ نظامَ المناعة يتطوَّر بالتوافق مع البيئة الميكروبية ضمنَ الجسم؛ ما يعني أنَّ الجهاز المناعيَّ للأطفال الذين ينضجون في بيئةٍ ذاتِ تعرُّضٍ محدودٍ للميكروبات (كتلك الموجودة في فراء الكلاب والقطط، أو التي تصلُ البيتَ عن طريق أقدامها الموحلة)، يَعدُّ هذه الجزيئات كافيةً لإنشاءِ الأضداد المناعية لإيقافها؛ ما يزيدُ من قوة الجهاز المناعيِّ ويُعزِّز ذاكرَته في مراحلَ مُبكِّرة.
وعندها افترض الباحثون أنَّ وجودَ الكلاب في المنازل هو أحدُ الأشكال لحماية بيئة الحياة للطفل، لكن كان من المُبكِّر جدّاً أن نتوقًّع من الأطباء كتابة وصفات بجلب كلبٍ إلى المنزل. وأثبتت العديدُ من الأبحاث بعد ذلك أنَّ التعرُّضَ للقليل من الأوساخ عن طريق أشقَّاءٍ يقطنون في مزارعَ أو في مدنٍ مُتقدِّمةٍ يمكنُ أن يكون مُفيداً في الوقاية من الأمراض، ولعلَّ من أبرز هذه الأبحاث، بحثٌ أُجرِي عام 2015 حدَّد الباحثون فيه أنَّ خطرَ الإصابة بالربو لدى الأطفال الذين نضجوا بوجود كلابٍ في منازلهم انخفضَ بمقدار 13% عن أقرانهم الذين نضجوا دون حيواناتٍ أليفة؛ إذ تجاوز حجمُ عيَّنة الدراسة مليون طفلٍ سويديّ على مدى تسعة أعوام.
تبدو الفكرةُ بأنَّ الكلابَ تزيدُ من مُحتوى البيئة الميكروبية للطفل أكثرَ إقناعاً إذا أخذنا بالحُسبان فرضيةَ الأصدقاء القُدامى، والتي تُعدُّ تحسيناً لفرضية النظافة؛ إذ تُبيِّن هذه الفرضية أنَّ تطوُّر الإنسان بجانب عدد من الحيوانات مكَّنَه من الاعتماد على ميكروباتهم للحفاظ على صحة جهازه المناعي وحتى للنجاة! وقد يُشير فقدانُ الوجود بالقرب من هؤلاء "الأصدقاء القدامى" إلى سبب فقدان التوازن التطوريّ، وهذا يعني أنَّ البيئة الميكروبية للطفل الذي ينضُج دون وجود كلبٍ في منزله، أو الجروَ الذي ينضُج بعيداً عن البشر تكون غيرَ مكتملةٍ، لكنَّ جميعَ البشر الأحياء الآن لهم أجدادٌ استخدموا الكلابَ للصيد على أقلِّ تقدير.
وأوضحَت دراسةٌ أخرى التّشابهَ في ميكروبات البشرة بين أفراد العائلات التي تُربِّي كلاباً أكثر منها في العائلات التي لا تمتلك كلباً، وبهذا يمكننا أن نعُدَّ الكلاب خادمة لنا باعتبارها عميلةً في نقل الميكروبات. وفي جزءٍ آخر من الأبحاثِ المُتعلِّقة بهذا الأمر، بيَّن الباحثون أنَّ اقتناءَ البالغين للكلاب لا يُساعدهم في تحسين البيئة الميكروبية لهم؛ لأنها تبقى ثابتةً بعد البلوغ، على نقيض بيئة الأطفال الميكروبية التي تكون في طور التشكُّل.
وفي النهاية يمكن التأكيدُ على الدور الكبير الذي تُؤدِّيه الحيواناتُ الأليفةُ من الناحية الميكروبية؛ إذ بإمكانها نظريّاً إذا ما عُوِّدَت على حميةٍ مُعيَّنةٍ أن تنقُل ميكروباتِ خسارةِ الوزنِ إلى مُقتنيها، ويأمَل الباحثون أن يتمكَّنوا من عزل ميكروبات الكلب المفيدة ووضعها على شكل عقارٍ أو رذاذٍ في معطِّر الجوِّ؛ من أجل حماية أولئك الذين لا يُحبُّونَ اقتناءها بسبب الأمراض العديدة.
المصدر:
هنا