كارثة مُحتمَلة تهدّد مستقبل الرّحلات الفضائيّة والاستيطان الفضائيّ
الفيزياء والفلك >>>> علم الفلك
إنّ الخطرَ الأكبرَ في الواقعِ، نابعٌ مِن الدّاخِل. كائنٌ مجهريٌ يُسافرُ خِلسةً على متنِ المركبةِ الفضائيّةِ، عددٌ قليلٌ من أعضاءِ عصابةِ فطورِ الميكوبيوم (وهي الفطرياتُ الّتي تعيشُ بداخلنا - أو على جلدنا - وحولنا في وئامٍ نسبيّ - أي طبيعيّاً - ولا تُسبّبُ المشاكلَ إلّا في حالاتٍ معيّنةٍ). يُمكنُ لهذه الفِطريّاتُ ضمنَ الحدودِ المُغلقةِ لمَركبةٍ فضائيّةٍ أو على الكواكبِ القابلةِ لدعمِ الحياة، أن تتحوّلَ إلى كيانٍ فتّاك!
إنّ الفطرياتِ هي أشكالٌ مُتطرّفةٌ من الحياةِ، يُمكنُها البقاءُ في أقسى الظّروفِ والبيئاتِ؛ مِثلُ الصحاري والكهوفِ ومواقعِ الحوادِثِ النّوويّةِ، ومِنَ المَعروفِ أنّه مِن الصّعبِ التّخلّصَ منها والقضاءُ عليها في البيئاتِ والأماكنِ المُغلقة. نشَرَ مُختبرُالدّفعِ النّفّاثِ في ناسا مؤخّرًا نتائجَ مجموعةٍ من التّجارُبِ الّتي تدرُسُ تأثيرَ الفطرياتِ على الكواكِبِ الدّاعمةِ للحياة، وقد بيّنت هذه النّتائجُ مخاطِرَ مُحتمَِلةٍ عديدةٍ لِفطورِ الميكوبيوم.
شملت تجاربهم البشرَ والفطريّاتِ الّتي تعيشُ سويًّا لمُدّةِ 30 يومًا في بيئةٍ مُغلقةٍ تُسمّى "ILMAH" تُحاكي الظّروفَ على متنِ محطّةِ الفضاءِ الدّوليّةِ أو الكواكبِ المُحتمَلةِ الدّاعمةِ للحياةِ البشريّة.
كُلِفت مهمّة "ILMAH" في المقامِ الأوّلِ بقياس الآثارِ الفسيولوجيّةِ والنّفسيّةِ والمناعيّةِ على البشر، نتيجةً للعيشِ في بيئةٍ معزولةٍ، ولكنّها أثبتت أنّها مُفيدةٌ بِنفسِ القَدرِ من أجل دِراسةِ هذه الكائناتِ الميكروبيولوجيّة.
إن فهمَ التّغيّراتِ المُحتمَلةِ في الأنواعِ الفطريّةِ وبقائِها في بيئاتٍ تُحاكي البيئةَ على متنِ محطّةِ الفضاءِ الدّوليّةِ هو أمرٌ ذو أهميّةٍ عاليةٍ، لأنّ الفطريّاتِ لا تُشكّلُ خطرًا على البشرِ فحسب، بل يُمكنُ أن تؤدّي إلى تدهوُرِ المساكنِ الّتي سيعيشُ فيها روّادُ الفضاءِ هؤلاء.
وتُظهِرُ نتائجُ التّجاربِ الّتي استمرَت شهرًا، أنّ أربَعَ عائلاتٍ فطريّةٍ؛ وهي: إبيكوكوم "Epiccocum" وألترناريا "Alternaria" وبليوسبوراليس "Pleosporales" وكريبتوكوكوس "Cryptococcus" و دافيديلا "Davidiella"، قد ازدادت وفرَةً. إنّ أوّلَ عائلةٍ من هذه العائلات، وفقًا لما لاحظَ الباحثون في ورقتهِمُ الّتي نُشِرت في مجلةِ ميكروبيوم "Microbiome"، هي شائعةٌ في منازلِ الأُسرِ النّموذجيّة.
ليس هذا فحسب بل إنّ ارتباطها مع الحساسيّةِ والربوِ في بيئةٍ مُغلقةٍ يُمكن أن يكونَ له تأثيرٌ أكبرَ على صحّةِ الإنسان، بسببِ قُدرتها على استعمارِ جسمِ الإنسانِ وإنتاجِ السّموم والمُركّباتِ العضويّة المُتطايرةِ؛ فالبروتياز (وهو أنزيمٌ يُحلِّلُ بعضَ أنواعِ البروتينات) وأنواعُ العفنِ الشّائعةِ (مِثلُ ألترناريا "Alternaria" وكلادوسبوريوم "Cladosporiu" وإبيكوكوم "Epicoccum") يُمكن أن تضرّ بالطّرقِ الهوائيّةِ (الرّغامى والقصباتِ الرّئوية) للرّكّابِ الّذين يعانونُ من نقصِ المناعة، ممّا يجعلُها أكثرَ خطورةً من أيِّ مصدرِ حساسيّةٍ آخر.
سُجِّلت هذه الزّياداتُ في وفرةِ الفطريّاتِ بالرّغمِ من تنظيفِ البيئةِ أسبوعيّاً بمناديلَ مضادّةٍ للبكتريا، والّتي قد يُروَّجُ لها باعتبارها فعّالةٌ بنسبةِ 99.9٪. ولكن بالنّسبةِ للفطريّاتِ الّتي يُمكنُ أن تعيشَ في البيئاتِ القاسيةِ؛ مثل جليدِ أنتاركتيكا أو الموقعِ الملوَّثِ بالإشعاعِ لِمحطّةِ تشيرنوبيل للطّاقةِ النّوويّةِ، فإنّه من الأفضلِ لِمُستعمراتِ الفضاءِ في المُستقبلِ أن تجِدَ طريقةً لاحتوائها والتّعايشِ معها بدلًا من القضاءِ عليها.
المصدر: هنا