نظريّات في الرّياضيات استحدثتها ألعاب الحظّ
الرياضيات >>>> الرياضيات
فمثلًا إنّ علمَ الجبرِ تمَّ إنشاؤه بأمرٍِ من الخليفةِ المأمون للخوارزميِّ بإنشاءِ علمٍ لتقسيمِ المواريثِ، معتمدًا على النِّسب الشّرعيّةِ في الإسلام. وأنَّ علمَ التّحليلِ الرّياضيّ تمَّ تطوّيره من قِبَل نيوتن وليبنز للإجابةِ عن سؤالٍ يتعلَّقُ بشكلِ مداراتِ الكواكبِ في الفلكِ، ومثالٌ آخر من مقالاتِنا هو أنَّ المفرداتِ الأولى لنظريّةِ البيانِ الّتي وضعها أويلر كانت إجابةً عن سؤالٍ طرحه كاتبٌ في جريدةِ مدينةٍ كنيغسبرغ عن إمكانيّة الوصولِ لجميعِ أنحاءِ المدينةِ دونَ المرورِ على أيٍّ من جسورِها أكثرَ من مرَّةٍ ( للمزيد عن مسألة جسور كنيغسبرغ هنا ).
سنقدِّمُ اليومَ عددًا من النّظريّاتِ المستحدثَةِ في محاولاتٍ لربحِ ألعابِ الحظِّ :
١. ألعاب النّردِ ونظريّة الاحتمال
قبلَ القرن السّادسِ عشر، اعتُبرت ألعابُ النّردِ حظًّا مطلقًا فإذا رمى لاعبٌ حجَرَي نردٍ وحصل على زوجٍ متشابهٍ فهو محظوظٌ بنفسِ القَدْرِ لو أنَّه حصلَ على زوجٍ من الرَّقمِ ٦.
قدَّم الرّياضياتي الفرنسي أنطونيو غومبو طرحًا وهو أنَّكَ إذا رميتَ زوجًا من أحجارِ النَّردِ ٢٤ مرّةً فإنّك ستحصلُ على الأقلِّ على زوجٍ من الرّقم ٦. لفتت هذه الأطروحةُ انتباهَ عالِمَي الرّياضيات باسكال و فيرما فتبادلا الرّسائلَ عن المتغيّراتِ لهذه المسألةِ ووضعوا أساسيّاتِ نظريّةِ الاحتمالاتِ وفضاءِ العيّنةِ والأحداثِ البسيطةِ والمركّبةِ. وضّحا الخطأ الحسابيَّ الّذي اقترحَه أنطونيو وحسابِ النّسبةِ المرافقةِ لكلِّ حدثٍ.
تطوَّرَ علمُ الاحتمالِ على يد هيغنز الّذي سمعَ عن هذه الرّسائل وقامَ بدراستِها وتطويرِها ونشرِها في كتابِه "أفكارٌ عن لعبةِ النَّرد”
de ratiociniis in ludo aleae
وفي عام ١٨١٢ قدَّم لابلاس أفكارًا جديدةً في كتابه نظريّةُ الاحتمالات
Théorie Analytique des Probabilités
حيث طبَّق مبادئ الاحتمالاتِ على العديدِ من المسائلِ العلميّةِ والتّطبيقيّةِ. تحتلُّ الاحتمالاتُ الآن نطاقًا واسعًا في الكثيرِ من الدِّراساتِ الحديثةِ مثل دراسةِ الجيناتِ، والاقتصادِ، و الهندساتِ التّطبيقيّةِ، وحتّى في علمِ النَّفس.
٢. برنولي واضع أساس نظريّة توقُّع دالة المنفعَة
Expected Utility Theory
لافتٌ للانتباهِ عددُ المفكّرينَ الّذين طوّروا فكرةَ وضعِ سعرٍ للسّلعِ المطروحةِ في علمِ الاقتصادِ. وهي نظريّةٌ تبحثُ عن القيمةِ المتوقَّعةِ الّتي يرتضيها الجمهورُ لسلعةٍ ما، وتقيسُ مدى حاجته لتلكَ السّلع.
لعلَّ من أوائِل الّذينَ عملوا على هذه الفكرةِ هو دانييل برنولي، وهو أصغرُ أفرادِ عائلةٍ عريقةٍ من علماءِ الرّياضياتِ من مدينةِ باسيل السّويسريّةِ ومنهم جاكوب ويوهان برنولي.
جاء عملُه ليُجيبَ عن حلٍّ لمسألةِ سانت بطرسبرغ، والمسألةُ هي أن يرمي لاعبٌ قطعةً نقديّةً إلى أن تظهرَ له الصّورة، ومن ثمَّ يتحدَّدُ ربحه اعتمادًا على عددِ الرّمياتِ الّتي رماها. فإن ظهرت الصّورةُ من الرّميةِ الأولى فيربح درهمان، وإن ظهرت الصّورةُ في الرّميةِ الثّانية فسيربح أربعةَ دراهم وهكذا تتضاعفُ المبالغُ كلَّما زاد عددُ الرّمياتِ. والسّؤالُ هنا: ما هو الثّمنُ المُتصوَّرُ الّذي يمكنُ أن يدفعَهُ اللّاعبُ ليشتركَ في هذه اللّعبة وما هو العائدُ المتوقَّعُ له. تُدرَّسُ نظريّةُ توقُّعِ دالةِ المنفعةِ على أنَّها الحجرُ الأساسيُّ لمادةِ الاقتصادِ وتُعتَمَدُ لحسابِ السِّعرِ المعروضِ للسّلعةِ وما يُمكنُ للمستهلكِ أن يدفعَ لقاءَ تلكَ الخدمَةِ.
٣. نظريّة الفوضى – الشواش
Chaos Theory
الأحداثُ الصّغيرةُ تتسبَّبُ في بعضِ الأحيانِ بنتائجَ كبيرةً، ذكرَ هذه الفكرةَ كثيرٌ من المؤرِّخينَ، وفي مقولةٍ مشهورةٍ أنَّ ضياعَ مسمارٍ أدّى لضياعِ حدوةِ الحصانِ، وضياعُ الحدوةِ أدّى لضياعِ الحصانِ، وضياعُ الحصانِ أدّى لضياعِ الفارسِ، وضياعُ الفارسِ أدّى إلى خسارةِ المعركةِ، وخسارةُ المعركةِ أدّى إلى سقوطِ المملكةِ، بالنّتيجة ضياعُ المسمارِ أدّى إلى ضياعِ المملكةِ.
عامَ ١٨٦٠، ناقشَ ماكسويل كيفَ يؤدّي تصادمُ الذّرَّاتِ إلى تغيُّراتٍ مجهريّةٍ في عشوائيّةِ الغازاتِ. وأثبتَ هنري بونكاري
Henry Poincare
أنَّ النَّتائجَ المرجوّةَ مُعتمدةٌ بشدّةٍ على الشّروطِ الأساسيّةِ للتّجربةِ، وفي عام ١٩٠٨ أصدرَ كتابَه "العلمُ والطّريقة" وفيه درسَ قدرتَنا على إصدارِ التّوقّعاتِ. وذكرَ أنَّ لعبةً مثل الرّوليت تبدو في غايةِ العشوائيّةِ لأنَّ التّغيُّراتِ الصّغيرةِ في سرعةِ الكرة والّتي يصعُبُ قياسُها بدقّةٍ تؤثِّرُ كثيرًا على مكانِ استقرارِ الكرة في نهايةِ المطاف.
تطوّرت نظريّةُ الفوضى لتحتلَّ مكانًاً مهمًّا في العديدِ من العلومِ الحيويّةِ والاقتصاديّةِ وعلمِ توقُّعِ الطّقسِ والعديدِ من العلومِ الّتي تعتمدُ تمامًا على الشّروطِ الابتدائيّةِ والتّوقُّعِ المرتبطِ بها وتأثيرِها على المتغيّراتِ ومحاولاتِنا لفهم العالِم من حولنا.
٤. طريقة مونتي كارلو في المُحاكاة
إن أردتَ حسابَ مساحةِ شكلٍ هندسيٍّ ما عليكَ إلّا أن تُطبِّقَ بعضَ القوانينِ الهندسيّةِ لحسابِه وإن كان الشَّكلُ محدّدًا بتابعٍ ضمنَ المستوي البيانيِّ فمن الممكنِ أن تقومَ بعمليّةِ التّكاملِ الرّياضيِّ والنّاتجُ هو مساحةُ المنطقةِ المحصورةِ بين التّابعِ ومحورِ التّكاملِ. ولكن كيف تحسبُ مساحةَ شكلٍ غيرِ منتظمٍ، لنقل مثلاً شكلُ الرّجلِ الوطواط؟
Image: Syrian Researchers
إحدى الطّرقِ المتّبَعةِ هي استخدامُ خوارزميّةِ مونتي كارلو وهي طريقةٌ رياضيّةٌ اقترحَهَا ستالوسلاف أولام
Stanisslaw Ulam
وهو رياضياتيّ أمريكيّ من أصلٍ بولنديٍّ واشتُهِرَ بمساهمَاتِهِ في الطّاقةِ النّوويّةِ والأسلحةِ النّوويّةِ بشكلٍ عام. بدأت القصّةُ عندما مَرِضَ لفترةٍ طويلةٍ. كان يقضي وقته بلَعِبِ لُُعبةِ الورقِ المعروفةِ بالسوليتير، ولكنَّ بدهيّته الرّياضياتيّةَ ظهرَت وبدأ يتساءلُ ما هو الاحتمالُ أن يربَحَ في هذه اللُّعبةِ البسيطةِ. بدأ بتطبيقِ قوانينِ الاحتمالاتِ ثمَّ ما لبثت المسألةُ تتعقّدُ ووجدَ أنَّ هذه الطّريقة في الحسابِ لن تُجدي نفعًا. فما كان منه إلّا أن اتّبعَ منطقًا مُختلفًا لحسابِ احتمالِ الفوزِ في هذه اللّعبة. وهو أن يحسبَ عددَ المرّاتِ الّتي فازَ بها ويقسِّمَها على عددِ المرّاتِ الّتي لعبَ هذه اللّعبة. لا شكَّ أنَّ عدد المرّاتِ الّتي لعبها محدودٌ وأنَّ هذه النّسبةَ لن تتقاربَ مع النّسبةِ الصّحيحةِ لاحتمالِ الفوز. فما كان منه إلّا أن تواصَل مع صديقه جون فان نويمان الّذي يُعتبَرُ المؤسّسَ لفكرةِ تخزينِ البرامجِ على الحواسيب الإلكترونيّةِ. فقرَّرا تنفيذَ هذه المحاكاةِ على أحدثِ حواسيبِ ذلكَ العصرِ إينياك
ENIAC
وقد استغرقت هذه المحاكاةُ عدَّةَ ساعاتٍ ومن هنا بدأت فكرةُ محاكاةِ مونتي كارلو واستُعملت لتصميمِ القنبلةِ الهيدروجينيّةِ.
بالعودةِ لحسابِ مساحةِ شكلِ الرّجلِ الوطواط يمكن أن نُنشئ خوارزميّةً توزِّعُ عددًا كبيرًا من النّقاط وليكن مثلًا مليونَ نقطةٍ وتوزِّعُ عشوائيًّا ضمن المستطيلِ المحيطِ بالشّكلِ ذي الأبعادِ (١٤ وَ ٦) ومن ثمَّ نقومُ بعدِّ النّقاطِ الّتي تقعُ داخلَ شكلِ الوطواطِ ونقسِّمها على العددِ الكليِّ للنّقاط الموزَّعةِ، إنَّ هذه النسبةَ تُعدُّ تقريبًا مناسبًا لنسبةِ مساحةِ الشّكلِ إلى مساحةِ المستطيلِ.
استعرضنا فيما سبق عددًا من الألعابِ الّتي تسبَّبت بإنشاءِ فروعٍ جديدةٍ من الرّياضياتِ أو أنَّها غيّرت دراستَنا لبعضِ الأفكارِ الرّياضياتيّةِ ولعلَّ الثَّورةَ الّتي نشهدها في عالمِ الألعابِ الافتراضيّةِ قد تحملُ معها تحديثاتٍ جديدةٍ لما يُعتَقَدُ أنَّها أفكارٌ جديدةٌ قد تُغيّر رياضياتِ المستقبل.
المصادر:
Structure
هنا
Probability
هنا
Utility function
هنا
Chaos Theory
هنا
Monte Carlo Method
BatmanCurve
هنا
Monte Carlo Simulation Stanisslaw Ulam
هنا