صديقُ السّوءِ السرّيّ
الطب >>>> مقالات طبية
تتساءَلونَ لماذا أطلقناعليهِ هذه الصّفةَ؟
قمنا بذلك استناداً إلى دراستين قامَ بهما فريقٌ من الباحثين في جامعةِ تكساس الأمريكيّةِ بقيادة د.آدريان وارد Adrian Ward، ضمّتا ما يقارب 800 طالبٍ جامعيٍّ، تمَّ إعطاؤهم وظائفَ فكريّةٍ في ثلاثِ حالاتٍ: الهاتف موجودٌ في غرفةٍ أُخرى، قريبٌ منهم وبإمكانهم رؤيته، أو قريبٌ منهم وليسَ بإمكانِهم رؤيته.
في التجربةِ الأولى اختبروا فرضيّةَ كونِ الوجود المحض للهاتفِ في نفسِ الغرفةِ سيؤثُّر سلباً على المقدراتِ العقليّةِ والذّاكرةِ والذّكاءِ. وضمّتِ التجربة 520 طالباً بمتوسّطِ أعمارٍ 21.1 عاماً، وتمَّ تعيينهم عشوائيّاً إلى المجموعاتِ الثلاثِ السابقة:
مجموعةٌ تركت الهواتف في غرفةٍ خارجيّةٍ (مجموعة الغرفة الأخرى).
مجموعةٌ أبقت الهواتف معها في الجيوب أو في الحقائبِ(مجموعة الحقيبة).
والمجموعة الأخيرة أبقت الهواتف معها ولكن وضعوها مقلوبةً على الطاولةِ أمامَهم كما طُلبَ منهم(مجموعة المكتب).
بعدَ إجراءِ اختباراتٍ معتمدةٍ على الذاكرةِ والقدرةِ على حلِّ المسائلِ الرياضيّةِ، وسؤالِ جميعِ المشاركين إن كانوا قد فكّروا بهواتفهم أثناءَ هذه الاختبارات حيث كانت معظم الإجاباتِ بالنّفي، تمَّتِ المقارنةَ بينَ النتائجِ واتّضحَ أن مجموعةَ "الغرفةِ الأخرى" كانت نتائجها أفضل بشكلٍ ملحوظٍ من مجموعة "المكتب" وأفضلَ قليلاً من مجموعةِ "الحقيبةِ".
أي بالنتيجةِ: كلَّما ازدادَ ظهورَ الهاتفُ الذكيُّ في ساحةِ العملِ انخفضتِ المقدراتُ العقليّةُ المتاحة.
في التّجربةِ الثانيةِ، تمَّت دراسة الذاكرةِ والقدرةِ على التّركيزِ لدى 275 طالبٍ بمتوسّطِ عمر 21.3 عاماً.
حيثُ اُجريت بنفسِ شروطِ التجربةِ الأولى ولكن طُلبَ من المشاركينَ في مجموعةِ "المكتب" وضعُ الهواتفِ والشاشات للأعلى بدلاً من الأسفلِ، وتُركت الحريّة لجميع المشاركين أن يطفئوا هواتفهم أو لا.
هنا أيضاً بعدَ إجراءِ الاختباراتِ، تمَّ سؤالُ جميعِ المشاركين عن علاقتهم بهواتفهم من حيث كثرةِ الاستخدامِ، ثمَّ تمَّتِ المقارنةَ بينَ النتائجِ وجاءَت مطابقةً للتجربةِ الأولى.
بالنتيجة: وضع التشغيل لم يؤثّرْ على النتائج سواء أكانت مطفأة أم لا، وإنّما مدى الاعتماد على الهواتف الذكيّة في الحياةِ اليومية لكلِّ شخص، فكلما ازدادَ هذا الاعتمادُ ساءَتِ النتائج والعكسُ صحيح، وهذا في حالتي "المكتب" و"الحقيبة"، أي أنّ قدراتِهم ستزدادُ في حالِ غيابِ هواتفهم.
وبكلماتٍ أخرى، كلّما ازدادَ اعتمادُ الشخص على هاتفه انخفضت القدراتُ العقليةُ وهذا ليس دائماً بسببِ التشتيتِ من قبلِ الهاتفِ ووصولِ التنبيهاتِ المختلفةِ، وإنَّما بسببِ محاولةِ تجاهلِ الهاتفِ الّتي تجري في اللاوعي المستهلكة لقدراتنا العقلية (نفكّر بألّا نفكّر).
هل لهذا الدراسة انعكاسٌ واقعيّ على حياتِنا اليوميّة؟
في الواقعِ، نعم ولدرجةٍ مخيفةٍ، فالدراسة أُجريت على طلّابٍ جامعيين، يقومون بإبقاءِ الهواتفِ بجانبهم والتحقّقِ منها كل 10-15 دقيقة مهما بلغَ مقدارُ أهميّةَ عملَهم الذي يقومون به، بالتالي فترة تركيزهم لاتتجاوز 15 دقيقةً، وهي فترةٌ لا تسمحُ بإتقانِ أو فهمِ الأمورِ بشكلٍ كافٍ.
وهذا ينطبقُ على جميعِ أفرادِ المجتمعِ وهنا سنخصُّ بالكلامِ الأطباءَ الّذين يجبُ عليهم أن ينتبهوا إذا كان المريضُ يصغي بانتباهٍ لكلامِهم وإرشاداتهم أم يفكّرُ بهاتفِه، وبالمقابل هل يعطي الطبيب انتباهه الكامل أثناءَ إجراءِ الفحصِ الطبي ومخاطبةِ المريضِ أم أنَّ ذهنه مشغولٌ بالهاتفِ كذلك؟
نصيحةُ الباحثونَ: فلنبقِ أذهاننا محصورةً بالمهمّةِ التي نجريها في هذه اللحظةِ، ولنبقِ هواتفنا مغلقةً وفي غرفةٍ أُخرى لكي نتقنَ عملنا بأفضلِ شكلٍ وأيضاً من أجلِ إمضاءِ اللحظاتِ المهمة في الحياةِ مع الأشخاصِ المهمّينَ دون تشتيتٍ نندمُ عليهِ لاحقاً.
المصادر: هنا