الكشف عن آلية إصلاح كسور الحمض النووي الميتوكوندري
البيولوجيا والتطوّر >>>> علم المورثات والوراثة
هذا ما فسرته هذه الورقة البحثية، فكشفت الغطاء عن الآليات الفعالة التي تُستخدَمُ في إصلاح كسور الحمض النووي الميتوكوندري، وليس ذلك فحسب بل إنها قد تكون على صلة بالعديد من الاضطرابات العصبية أيضاً بما في ذلك الاضطرابات المرتبطة بالعمر، وبالإضافة إلى ذلك تَعرِضُ هذه الورقة نتائجَ بحثية توفر هدفا علاجياً للسرطان وتسلط الضوء على المخاطر المحتملة لتقنية جديدة باتت تُستخدَم في عمليات التخصيب في المختبر.
فنحن أمام اكتشاف يستند إلى أكثر من عقد من الأبحاث، أجراها شريف الخميسي؛ مدير مركز علوم الجينوم بمدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا بمصر، ورئيس قسم الطب الجزيئي في جامعة شيفيلد بالمملكة المتحدة.
ففي عام 2005، أظهر الخميسي ضرورة وجود الـTDP1 (وهو عبارة عن أنزيم يُشفَّرُ من قبل جين الـ TDP1 الذي سبق أن ارتبطَ بالاضطرابات العصبية)؛ وذلك لإصلاح الحمض النووي التالف داخل النواة؛ عندما يتعطل عمل بروتين الـTOP1 .
عادة ما يقطع الـ TOP1 أحدَ شريطي الحمض النووي من أجل أن يزيل الالتفاف الذي يمكن أن يصيب الشريط نتيجة عملية النسخ أو التضاعف التي تعتريه، ومن ثَم يقوم بإعادة لصق القِطع المفصولة من جديد، ولكن من الممكن أن تتوقف هذه العملية أو أن يُخطئ البروتينُ هدفه، فلا يُصلَحُ القَطع.
وهنا نكون بحاجة إلى ال TDP1 ليكتمل الإصلاح، والجدير بالذكر أنَّ كلاً من الـTOP1 والـTDP1 يرمَّزان بواسطة الجينوم داخل النواة. وقبل بضع سنوات، عقد الخميسي العزم لاكتشاف إذا ما كانت كسور الحمض النووي هذه المرتبطة بالبروتين تحدث في الميتوكوندريا أيضاً، والتي تمتلك الجينوم الخاص بها. ففي حين أنّ الـTOP1 يبدو أقل عرضةً للتوقف عن عمله أو إحداث أضرار في جينوم صغير وبسيط كالخاص بالميتوكوندريا، لكنَّ الميتوكوندريا نفسها تنتج أنواع أكسجين تفاعلية (يُشار إليها عادة بالجذور الحرة) (reactive oxygen species) التي قد تتداخل مع الـTOP1 وبالتالي يُمكن أن تعيقَ عمله.
يقول الخميسي:
"لقد تجاهلنا سلامة الحمض النووي للميتوكوندريا لسنوات عديدة، والآليات التي يُصلَحُ بها ليست معروفة جيّداً".
ولذلك، ومن أجل البحث في الدور الذي يمكن أن يؤدّيه كلاً من الـ1TOP والـTDP1 في الحفاظ على سلامة الحمض النووي الميتوكوندري، وقد صمّم الخميسي وفريقه نظاماً يمكن فيه إيقاف نشاط الـTDP1 مؤقتاً في خلايا تُنتِج مستوياتٍ عاليةً من الـ TOP1 الطبيعي أو نسخة مُتحوِّرة منه تتسبب بزيادة الكسور، وبعد عزل الميتوكوندريا عن هذه الخلايا وتتبُّع نسبة الكسور الواقعة في كل مجموعة جاءت النتائج كالتالي:
- زيادة إنتاج بروتين الـ TOP1 الطبيعي لوحده لم تتسبب إلا بزيادة طفيفة بنسبة الكسور التي بقيت دون إصلاح، في حين أن تكرار التجربة مع إيقاف نشاط الـ TDP1 أدى إلى ازدياد الكسور بنسبة تفوق ستة الأضعاف.
- أما زيادة إنتاج بروتين الـ TOP1 المُحور لوحده؛ فقد أدى إلى ظهور زيادة بالكسور نسبياً، إلا أن تكرار التجربة مصحوباً بإيقاف نشاط الـ TDP1 أدى إلى ظهور زيادة بالكسور تعادل عشر أضعاف نسبة الكسور التي يمكن أن تحدث مقارنة مع الحالة الطبيعية.
وعليه خلُص الباحثون إلى أن الـ TDP1 قادر على أن يؤدّي دوراً هاماً في الحفاظ على سلامة الحمض النووي الميتوكوندري من الكسور.
وقد علّق مايكل وينفيلد (Michael Weinfeld)؛ وهو خبير في الأضرار التي تصيب الحمض النووي ولكنه لم يشارك في الدراسة: "العديد من التجارب كانت ممتازة جداً، ولا سيما استخدام 1TOP ميتوكوندري مُحوَّر من أجل النظر على وجه الخصوص في الدور الذي يؤدّيه الـ TDP1 في إصلاح الحمض النووي للميتوكوندريا". فغياب الـ TDP1 يطلق عاصفة غير متناهية من التلف للميتوكوندريا، وكلما تراكمت الكسور دون إصلاح تداعت عملية النسخ لجينات الميتوكوندريا على نحو أكبر.
ويؤدي هذا الاختلال الناتج بين عمليتي النسخ الميتوكوندري والنووي (أي الخاص بالنواة) إلى تعطيل آلية توليد الطاقة بالميتوكوندريا؛ التي تُبنى - عادةً - من مكونات مشفَّرة بواسطة كلا الجينومَين (النووي والميتاكوندري)، وبناءً عليه تُنتِجُ محطةُ توليدِ الطاقة المعطوبة أنواعَ أكسجين تفاعلية بكميات أكبر، التي تتداخل بدورها مع الـ TOP1 مسبِّبةً مزيداً من كسور الحمض النووي ممّا يوقِع الخلية في مشكلاتٍ أكبر!
وليس هذا فحسب ما تطلَّعَتْ إليه نتائجُ هذه الدراسة، بل أثارت النتائج قضايا تتعلق ب "الأطفال ذوي ثلاثة آباء" أيضاً الذين يُستبدَل بحمضهم النووي الميتوكوندري المَعيب حمضاً آخر سليماً من متبرع (لقراءة المزيد حول الأطفال ذوي الآباء الثلاثة يمكنكم الرجوع إلى هذا المقال).
ويقول الخميسي:"إن فكرة الأطفال ذوي ثلاثة آباء تستند إلى افتراض وجود تفاعل ضئيل جداً بين الميتوكوندريا والنواة، وهو عكس ما أظهرناه في دراستنا من أن هناك أدوات إصلاح مُرمَّزة على الجينات داخل النواة، وهي مهمَّة للحفاظ على سلامة الحمض النووي للميتوكوندريا"، وقد وجّه كلامه مُحذِّراً "أنّه قد يكون من المهم إجراءُ فحص لأنزيمات مثل الـ TOP1 والـ TDP1 قبل إجراءات استبدال الميتوكوندريا".
ويبحث الفريق حاليّاً فيما إذا كانت الاضطرابات العصبية المرتبطة بحدوث طفرات الـ TDP1 وغيرها من كسور الحمض النووي المرتبطة بالبروتين تبدأ أساساً في الميتوكوندريا بدلاً من النواة، وكذلك يعمل الفريق مع جمعية (Cancer Research UK) لتطوير مُثبِّطات جزيئية صغيرة يمكنها أن تُعطِّلَ إصلاح الحمض النووي الميتوكوندري، لاستخدامها في الخلايا السرطانية تحديداً من أجل القضاء عليها.
وحقيقةً؛ يبدو أنَّنا كنا مخطئين عندما لم نُعِر سلامة الحمض النووي الميتوكوندري اهتمامنا منذ وقت طويل؛ ومَن يدري ما قد تخفيه لنا هذه العُضية الصغيرة في المستقبل!!
المصدر:
هنا
الورقة البحثية:
هنا