التخاطر
منوعات علمية >>>> العلم الزائف
-أنت أيضًا بألف خير
هذه المحادثة مستوحاة من كتاب الطفرات العلمية الزائفة، وهي عبارة عن محادثة تخيّلية بين اثنين من القادرين على التخاطر، فالتخاطر بكل بساطة هو انتقال أفكار شخص ما مباشرةّ إلى شخص آخر دون استعمال الكلام، وحتى إن فصلت بينهما مسافات كبيرة.
بالعودة إلى التعريف السابق نجد أنّه مطابق بشكل جزئي لمشروع فيسبوك، والّذي يهدف إلى قراءة الدماغ البشري وجعلنا قادرين على كتابة أفكارنا مباشرةّ عن طريق دماغنا، وحتى نحقق التخاطر عمليًّا ما علينا إلا إعادة كتابة تلك الأفكار الّتي استخلصناها من دماغ أحدهم في دماغ شخص آخر، لكن ما موقف العلم من هذا الكلام؟
الخطوة الأولى: قراءة الدماغ
إن قراءة الدماغ تتحق عمليًّا عبر جهاز يُسمّى الواجهات الدماغيّة الحاسوبيّة، وهذه الواجهات ما هي إلّا وسيلة لربط الدماغ بالحاسوب، إذ نتمكن عندها من قراءة الدماغ عبر تحويل الإشارات التي تصدر عن الدماغ أثناء عمله إلى لغةٍ يمكن للحاسب أن يفهمها، يتم ذلك عبر عدة أجهزة مثل أجهزة التخطيط الكهربائي للدماغ وأجهزة الرنين المغناطيسي الوظيفي.
الخطوة الثانيّة: الكتابة على الدماغ
على افتراض أننا تمكنا من قراءة فكرة معيّنة من دماغ أحدهم، فهل سنستطيع كتابة نفس الفكرة على دماغ شخص آخر؟
يبدو أنّ الإجابة على هذا السؤال هو نعم، ولكن بتحفظ كما ورد في كتاب فيزياء المستحيل. الطريقة تعتمد على إسقاط أشعّة راديّوية لتحريض مناطق معيّنة في الدماغ تُعرف بأنها مسؤولة عن وظائف معيّنة.
بدا هذا النوع من الأبحاث في خمسينيات القرن العشرين، بواسطة جرّاح أعصاب كندي اسمه "ويلدر بينفيلد"، وجد هذا الجرّاح أنّه بتحريض مناطق معيّنة في الدماغ يجعل هذا الأمر الأشخاص من سماع أصوات معيّنة أو حتى يرون أشياء معيّنة غير موجودة.
بالتالي وعن طريق إرسال أمواج كهرطيسية إلى دماغ شخص ما، إذ تعمل هذه الأمواج على تحريض منطقة معيّنة في الدماغ يمكن توليد أفكار أو مشاعر أو حتى رؤية أو سماع بعض الأشياء غير الموجودة.
لكن للكتابة معوقاتها كذلك، فبغض النظر عن القسم الذي يتكلم عن توليد الإشارات الكهرطيسية، تبقى المعضلة معرفة كل منطقة في الدماغ على ماذا تؤثر بالضبط وماهي الأفكار أو المشاعر الّتي ستتولد بمجرد تحريضها، وهو موضوع معقد جدًا ويتطلب رسم خريطة محددة للدماغ البشري تبيّن المشاعر المختلفة والأفكار التي تتولد في كل منطقة من منطقه، ليس هذا فقط بل ويجب أن نؤمن طريقة لإيصال الأشعة الكهرطيسية إلى هذه المنطقة بالذات، فأي خطأ ولو بمقدار ضئيل جدًا سيسبب خطأ في تفسير الأفكار والمشاعر المختلفة.
خطوة عمليّة على طريق التخاطر
استطاع العلماء عدة مرات إثبات التخاطر عن طريق التجارب على الحيوانات ففي تجربة أجراها عالم في جامعة ديوك الأمريكية بمساعدة علماء من المعهد الدولي لعلوم الأعصاب في ناتال بالبرازيل، تم إجراء تجربة على فأرين يفصلهما آلاف الأميال لإثبات قدرتهما على التواصل عن بعد مع بعضهم البعض.
رُبط الفأران عن طريق مصفوفة من الأقطاب الميكروية الّتي زُرعت في القشرة المخية لكليهما. في المرحلة الثانية دُرب أحد الفأرين عن طريق نظام المكافأة على ضغط مقبض ما عندما يضيء المصباح الّذي فوقه، فكلما ضغط الفأر الأول بنجاح على المقبض المناسب كان يكافئ بقليل من الماء، أمّا الفأر الثاني فبقي دون تدريب وعليه أن يضغط على المقبض الصحيح دون حتى وجود الضوء حتّى يحصل على المكافأة. وفي حال فشل الفأر الثاني فلن يحصل الفأر الأول كذلك على المكافأة.
لكن نتيجة هذه التجربة كانت مبهرة، حيث استطاع الفأر غير المدرّب من القيام ب أكثر من 70 بالمئة من الحالات بالاختيار الصائب، والحصول على المكافأة، مما يؤكد على أن الفأر المدرّب استطاع نقل تجاربه وأفكاره للفأر غير المدرّب بما يخدم مصلحة الاثنين معًا.
في تجربة أُخرى استطاع باحثون جعل ثلاثة قرود تعمل معًا في سبيل حل معضلة ما، كل من هذه القرود كان في غرفة منفصلة وأدمغتهم مترابطة، ولا يمكن النجاح بحل المعضلة دون تعاونهم معًا، مما يؤكد مرّة أُخرى تبادل هذه القرود للأفكار والتجارب حتى الوصول إلى الهدف المنشود.
الخلاصة
بالرغم من نجاح بعض التجارب على الحيوانات لكن الأمر مختلفًا عند البشر، وذلك لأن الدماغ البشري معّقد جدًا مقارنةً بأدمغة الحيوانات، والطريق ما زال طويلًا جدًا إذا ما أردنا تحقيق التخاطر بشكل عملي بين البشر، ولكننا نملك الطريقة لجعله ممكنًا ونملك الحافز كذلك، فإن لم يتحقق خلال حياتنا سيتحقق خلال حياة أطفالنا فالمسالة مسألة وقت فقط، إن كنت تعتقد أنّ الأمر مجنونًا فتذكر أن كل التكنولوجيا الّتي نملكها اليوم كانت تُعد جنونًا قبل مئة سنة.
المصادر
1- Michio Kaku، physics of the impossible،First Edition، Doubleday،New York، 2008.
2- كتاب الطفرات العلمية الزائفة، تشارلز إم وين و آرثر دبليو ويكنز، ترجمة محمد فتحي خضر، كلمات عربية، الطبعة الأولى 2011.
3- المسح الدماغي باستخدام الرنين المغناطيسي الوظيفي
هنا...
4- تجربة الفئران
هنا
5- تجربة القرود
هنا