نباتاتٌ خارقةٌ، تقضي على آفاتها دونَ مساعدة!
الطبيعة والعلوم البيئية >>>> عجائب الأحياء
ويقوم الباحثون الآن باستخدام هذه العمليّة كسلاح جديد من خلال هندسة المحاصيل الزراعيّة وراثياً لإنتاج جزيئات (قطع) RNA معيّنة، حيث تقوم هذه الجزيئات عند ابتلاعها من قبل الحشرات بتشغيل خاصّيّة تداخل الـ RNA لإغلاق الجينة المستهدفة الضّروريّة للحياة أو التّكاثر وبالتّالي قتل الحشرات أو جعلها عقيمة.
وحيث أنّ المبيدات الكيميائيّةَ أصبحت تثير المخاوف فيما يتعلّق بازدياد مقاومة الحشرات، والأضرار البيئيّة الجانبيّة، ومخاطر تعرّض الإنسان لها، فإنّ طرق التعديل الوراثي أصبحت خياراً جذّاباً لمكافحة الآفات في المستقبل.
على سبيل المثال، تمّ تعديل سلالات معيّنة من الذّرة والقطن جينيّاً لإنتاج السّموم البروتينيّة التي تفرزها عادةً بكتيريا Bacillus thuringiensis (Bt)، و ذلك لتسميم بعض أنواع الدّيدان والخنافس والعثّ التي تهاجم هذه المحاصيل.
كما و تضيف تقنيّة تداخل الـ RNA درجة أخرى من الدّقة، وذلك بإغلاق الجينات الأساسيّة في الآفات التي تستهلك المحاصيل الزراعية.
يمكن أن توفّر مكافحة الآفات الّتي تعتمد على تداخل الـRNA الحماية للنّباتات دون أيّة تكلفة عملياً، لأنّه بمجرّد تطوير الصّنف، يمكن للنّباتات أن تستمرّ في استخدام آلية تداخل الـRNA بدلاً من الحاجة إلى معاملات إضافيّة بالمبيدات الحشريّة، وذلك حسب آراء باحثين في معهد ماكس بلانك للفيزيولوجيا النّباتيّة الجزيئيّة في ألمانيا.
ويمكن أيضاً أن تعالج استراتيجيّة تداخل الحمض النّوويّ RNA مسائل السميّة المتعلّقة بالبيئة والإنسان و النّاشئة عن استخدام المبيدات الكيميائيّة.
حيث يقول أحد الباحثين في معهد ماكس بلانك لعلم البيئة الكيميائيّة: "عندما نستهدف آفة رئيسيّة مع تقنيّة تداخل الحمض النّوويّ RNA فإنّنا نأمل حقّاً أن نرى تخفيضاً كبيراً في استخدام المبيدات الحشريّة بشكل عام".
إلى جانب تكلفة التّطبيق المنخفضة والمزايا البيئيّة له، يشير الباحثون الدّاعون إلى هذا الأسلوب إلى مرونته في العثور على هدف وراثيّ أيضاً و تأثيره المتخصّص ضدّ أنواع الآفات المستهدفة فقط.
فبينما تعمل المبيدات الكيميائيّة مثل المبيدات الفوسفوريّة العضويّة عن طريق التّحميل الزّائد للجهاز العصبيّ للحشرات، يمكن أن يقتصر هدف تقنيّة تداخل الـRNA المناسب على فئة معيّنة من الجينات ضمن الآفات، ولكن لا غنى عنها، مثل جينات تصنيف (توجيه) البروتين الخلويّ.
بالإضافة إلى ذلك، حتّى عندما تكون بعض الجينات المستهدفة متشابهة بين الأنواع، فإنّ جزيئات الـ RNA المصمّمة على النّحو الأمثل تمنع نوعاً واحداً وأقرب أقربائه فقط، بدلاً من أن يشمل نطاقها الحشرات غير الضّارّة للنّباتات كما تفعل بعض المبيدات الكيميائيّة.
وقد أدّت المحاولات السّابقة لمكافحة الآفات من خلال التّعديل الوراثيّ، والّتي تضمّنت هندسة النّباتات وراثياً لإنتاج بروتينات سامّة لبعض الحشرات، إلى إثارة مخاوفَ بشأن ما قد يحدث لتلك البروتينات عندما يتمّ حصاد المحاصيل وتناولها.
إنّ الاعتراضات على البروتينات النّاتجة عن الكائنات المعدّلة وراثيّاً تنطوي على مخاوفَ بشأن سميّتها المحتملة أو حساسيّة الإنسان لها، ولكن مع استراتيجيّة تداخل الحمض النّوويّ RNA لا يتمّ تشكيل أيّة بروتينات، إنّما فقط جزيئات إضافيّة من الحمض النّوويّ RNA.
و لا يزال أمام تقنيّة تداخل الحمض النّوويّ RNA عقبات عديدة قبل أن يصبح بالإمكان تعميمها على جميع المحاصيل الرئيسيّة وآفاتها.
على الجانب النّباتي، لم يجد العلماء حتّى الآن طريقة لتعديل جينوم (المادّة الوراثيّة) الصّانعات الخضراء لمحاصيل الحبوب مثل الأرزّ والذّرة، والّذي يعتبر أقصر الطّرق المباشرة لإنتاج ما يكفي من جزيئات الحمض النّوويّ RNA للقضاء على الآفات بمعدّل مرتفع.
بينما على جانب الحشرات، فيمكن للآفات الرئيسيّة المعروفة مثل بعض اليرقات أن تحلّل تلك الجزيئات، متجنّبة بذلك إيقاف تشغيل الجينات المستهدفة.
ومن المتوقّع أن تكون تقنيّة تداخل الـRNA على قرابة من 6 إلى 7 سنوات من التّطبيق الحقليّ، ولكنّها تقنيّة متفائل بها بحذر بشأن إمكانيّتها لتغيير النّقاش حول تكنولوجيا الكائنات المعدّلة وراثيّاً في الزّراعة.
ولكن من وجهة نظر مستقبليّة فلدينا مثلاً خنفساء بطاطا كولورادو منتشرة تقريباً في جميع أنحاء العالم الآن، حتّى أنّها وصلت إلى الصّين، وبالتّالي ومع انتشار آفة رئيسيّة مقاومة لمبيدات الحشرات كهذه الآفة، يصبح لدينا ظروف مناسبة جدّاً للقيام بتطوير البطاطا المعدّلة وراثيّاً في محاولة لوقف هذا الانتشار للآفة، و يأمل الباحثون أن تُظهِر هذه التّعديلات الوراثيّة ما يكفي من المزايا للتغلّب على أراء المعارضين لأيّ تعديلات جينيّة على المحاصيل الزراعيّة.
المصدر:
هنا