حوريَّاتُ البحر بين الأسطورةِ والحقيقةِ.
منوعات علمية >>>> العلم الزائف
حُوريّاتُ البحرِ؛ كائناتٌ أسطوريّةٌ نصفُها العلوي جسدُ امرأةٍ ونصفها السفلي جسدُ سمكة! وقد وُجِدَت في ثقافة مُعظم الشّعوب السّاحلية؛ إذ كانت الحوريّاتُ في الشرق الأقصى القديم زوجاتِ تنانينِ البحر، ونعثرُ في عصرِ الآلهة البابلي على الإله السّمكةِ " Oannes"، وقد نقلَت لنا الأختامُ والنقوشُ صورتَهُ المُتجسِّدة برجلٍ ملتحٍ، في حين كان الجزءُ من الخصرِ وللأسفل لجسدِ سمكةٍ، وفي أُسكتلندا وَويلز صادقتِ الحوريّاتُ الرِّجالَ، بل تزوَّجت منهم أيضاً، وسمّى سُكّانُ أستراليا الأصليّون الحوريّةَ "yawkyawks" في إشارةٍ لغنائها الجميل، وما تزالُ بعضُ الأديان المعاصِرة كالهندوسيّة تقدّسُ الآلهة "حُورية البحر" إلى يومنا هذا، ووفقاً لبعضِ الثقافاتِ قد تكون حوريّاتُ البحر ذكراً؛ أي "حوريُّ البحر"! وارتبطتُ الحوريَّاتُ في بعضِ الأساطير الشعبيّة بالحظِّ السيِّئ؛ إذ كانت تعيش قرب المياه الضَّحلة الصّخرية، وقد انجذبَ البحَّارةُ نحوَها نظراً لِشدّةِ جمالِها، ممَّا كانَ يؤدّي إلى غرق السفن بسبب اصطدامِها بالصُّخورِ الخطيرة. يَتحدَّثُ Snow Edward Snow في كتابه "أسرار وأساطير البحر" عن لقاءٍ مفترَضٍ بين قبطان وحوريَّةِ بحر، ويصفِهُا القبطان كالآتي: "حوريةٌ تمتاز بجميع نِعم الجمال الممكنة، بعينَين كبيرتَين وأنفٍ ناعم وقصير وأذُنَين جميلتَين وشَعرٍ أخضرَ طويل، وقد فُتِن القبطانُ بهذه المرأة المحبوبة وتعلّق بحبها من أول نظرةٍ عندما كان يحدّق بوجهها قبل أن يُدرَكَ فجأةً - ولسوء الحظ - الحقيقةَ المرَّة المتمثِّلة بكونها سمكةً من الخصر وللأسفل، وانعكست خيبةُ الأمل هذه بكلمات أغنية شعبية لفرقة Newfoundland : أنا أحِبُّ الفتاة من كل قلبي، ولكنّي أحِبُّ الجزء العلوي فقط، ولا أحبُّ الذّيل!" وبالنسبة إلى الأدلّةِ التّاريخيةِ والادّعاءاتِ الَّتي تروي مشاهدة حورية البحر فنوجزها فيما يلي: يرجعُ تاريخُ أقدمِ دليلٍ متوفرٍ إلى العصر الحجري القديم Paleolithic)) منذ حوالي 30 ألفِ سنةٍ، حيثُ توجَدُ رسوماتٌ بدائيةٌ لحورية بحرٍ في أحد الكهوف المصرية، ففي تلك الحُقبة ازدادت سيطرة الإنسان على الأرض، لِيبدأَ رحلتَه في عالم البحار. ومن الادّعاءات المفترضة لمشاهداتٍ حقيقيّةٍ لحوريات البحر ما حدث في هولندا إبّان القرن 17م، إذ روَى السّكانُ عبورَ حوريّةِ بحرٍ سدّاً مائيّاً ممَّا أدى إلى إصابتها، لِتُنقلَ إثرَها إلى بحيرةٍ قريبةٍ حيث اعتُنيَ بها صحياً حتى استعادت عافيتها، وأصبحت - في النهاية - مواطنةً فاعلةً بعد أن تعلّمت اللغة الهولندية. وفي القرن 19م؛ ظهر ادّعاءٌ يزعم قيامَ شابٍ بقتل حوريَّةِ بحرٍ عبرَ رمي الصخور عليها، ودُفِنَتْ من قِبَل القرويِّين، ولكن لا يوجد أيُّ دليلٍ تاريخي يدعم هذه الادّعاءات المثيرةِ للريبة. ونعودُ للتساؤلِ الرئيسِ: هل الحوريّات حقيقيّةٌ؟ لم يُعثَرْ - إلى يومنا هذا - على أيّ دليلٍ علمي يُؤكّد وجودَ كائنٍ بحري يشبهُ الإنسان، ويعتقد بعض الباحثين بأنَّ إيمان البعض برؤيته لحورية البحر ينتج عن مشاهدةِ الحيوانات البحرية ذات الحجم القريب من الإنسان كالدّلافين وأبقار البحر، ونظراً لبُعدِ المسافةِ وكون معظم هذه الحيوانات مغطّىً بالمياه والأمواج، فإن لمحةً سريعةً عليها حين تبدو وتغوص ثانيةً تحت الماء هي السّبب الرئيسُ وراء ورود العديد من التقارير المتعلقة بمشاهدة حوريات حقيقية، كما حدث مع المُستكشف الإيطالي "كريستوف كولومبس" أثناءَ إبحاره قُرب جمهورية الدومينيكان في العام 1493م، إذ روى مُشاهدتَه لثلاثِ حوريّات، ولم تكُنَّ - وفقاً لقوله - بنصف الجمالِ الذي صُوِِّرنَ عليه، وفي الحقيقة لم تكن هذه الحوريات سوى أبقار البحر (manatees). ولكن ما هي أبقارُ البحر التي يُخلَطُ بينها وبين حوريّات البحر؟ ثديّيات بَحريّةٌ كبيرة الحجمِ برأسٍ بيضوي وزعانفَ وذيلٍ مُسطَّحٍ تعرف (بأبقار أو خِراف) البحر، ويتراوح طولها بين (2.4 و 4 م) ووزنها بين (200 و 590 كغ) وتسبح بسرعةٍ تتراوح بين 8 كم/سا و24كم/سا بانطلاقةٍ مفاجِئةٍ لمسافة قصيرة، ولها عدة تصنيفاتٍ تبعاً لموطنها هي: (الهندية الغربية أو الأميريكية Trichechus manatus، الأفريقية KTrichechus senegalensis، والأمازونية Trichechus inunguis) وتعيش في المياه الدافئة في الأنهار والبحار والمحيطات على مقربةٍ من السواحل. وتسبح في الغالب منفصلةً أو زوجيّاً، وتجتمع أحياناً بغرضِ التزاوج، أو تتشاركُ المياهَ الدّافئة الغنيّة بالإمداداتِ الغذائية، وهي حيواناتٌ عاشبةٌ تقتات على الأعشاب البحرية والطحالب ونباتات المياه العذبة. وتعيش أبقار البحر عادةً حوالي (40-60) عاماً، وعلى الرغم من عدم وجود مُفترِساتٍ تهدّد حياتَها داخل المياه فهي مهدّدة بالانقراض نظراً لتكاثُرها البطيء وتعرّضها للصّيد بهدف الاستفادة من لُحومها أو اصطدامها بالزوارق السّريعة مما قد يؤدي لمصرعِها. الطب وحُوريّة البحر: قَد يُولَدُ بعضُ الأطفال وهم مصابون باضطراباتِ نموٍّ معقدة، كمُتلازمة حوريّة البحر "Sirenomelia" أو "mermaid syndrome" وهي اضطرابُ نموٍّ خلقيٍّ نادرٌ للغاية يتّصف بتشوهاتٍ في الجزء السفلي من العمود الفقري والأطراف السّفلية يُؤدّي لاندماجٍ وِلادي جزئيٍ أو كاملٍ للأقدام، وكذلك قد تحدث تشوهاتٌ إضافيةٌ تَشمل شذوذاً في الجهازِ البولي التناسلي أو الحوض أو شذوذاً في الفقرات القطنية أو العجزية للعمودِ الفقري، وغِياب نموّ إحدى أو كلتا الكليتين أو عدم اكتمالهما، وشذوذاتٍ أُخرى، وما زال السّبب الدقيق لهذه المُتلازمة مجهولاً، إذ تحدث مُعظم الحالات دونَ سببٍ واضح، وغالباً ما تكونُ مُميتةً للمولودين حديثاً، وقد تؤدي لولادةِ أطفالٍ بقدمٍ واحدةٍ أو قدمَين أو دونَ أقدام، وهو ما يشبه امتلاكَهم ذيلَ سمكةٍ إلى حدٍّ ما. وعلى أيّة حال، ما زالت الأساطير والرّوايات المتعلقة بحوريّات البحر تُثير استغرابنا وفضولَنا، وتُستخدَم - اليومَ - في مجالاتٍ مختلفةٍ كالأفلام والكتب، وحتى في شعارِ شركة المقاهي الأمريكية ستاربكس. وتُوجد أمثلةٌ أخرى لكائناتٍ نصفها بشريٌّ ونصفُها الآخرُ حيواني كالقنطور الحكيم centaurs (كائنٌ برأس وجذع وأيدي إنسان وجسد وأقدام حصان)، و satyrs (في الأسطورة الرومانية؛ إنسانٌ يملك آذان وأقدام وذيل ماعز)، وminotaurs (نصفُ إنسان ونصفُ ثور )، و sirens وهي كائناتٌ جميلةٌ وجذّابة لنصف طائرٍ ونصف امرأة ..... والسؤال الأخير الذي سنطلب منكم الإجابة عنه: إذا كَانت الحوريّات غير حقيقيةٍ! فلم توجَدُ قصصٌ عنها في ثقافات مُعظم الشعوب الساحلية؟
المصادر: